السلام عليكم
أختي الكريمة صاحبة مشكلة فشل الحب الأول، آلام في العمق والمنشورة على الصفحة ، لقد وضعتِ مشكلتكِ بأسلوب رائع استدر عطفي واستدعى خبرتي وتجربتي، فلي قصة مشابهة عشتها، وكنت أنا الضحية كما كنت أنتِ كذلك، ولقد لمست في رسالتك عميق الإيمان ، قلت في جزء منها إنك لجئت، واللجوء لا يأتي إلا من طرف عاجز إلى طرف قوي، وينبع اللجوء من ثقة لا محدودة بهذا الطرف ، وقد وصفته في رسالتك بأنه (مالك القلوب) وهذا تعبير عميق ودقيق له دلالة نفسية بمدى الثقة التي وضعتها في مالك القلوب ، وهذا التعبير تم استدعاؤه من المخزون الفطري لديك مما يعني أن مشكلتك – وبحمد الله – لم تضربك في العمق ، فالبعد الإيماني قوي جدا في خطابك من قولك إن (الله منّ عليك بعاطفة من عنده وحنانا لم تشعرين به من قبل)، وأنت تؤكدين أن الله عز وجل نظر إليك نظرة رحمة ، وكررت ذلك في ختام رسالتك عندما قلت إنك (تلجئين إلى المولى عز وجل أن يوفق العاملين في استشارات مجانين إلى حل يخرجك من مشكلتك) ألا ترين معي أن شواهد الإيمان متجذرة في نفسك؟ ودلائله واضحة من تعبيراتك،؟ وأنت اختتمت رسالتك بتخوف نفسي من أن (تفقدي نعيم الدنيا والآخرة) ونعيم الدنيا هو حلاوة الإيمان بالله؛ ونعيم الآخرة لذة النظر إلى وجهه الكريم،
فالإيمان في صدرك عامر بإذن الله ، وثقتك به كبيرة جدا، ومن الطبيعي أن يحجب هذا الإيمان بعض التساؤلات، وكذا الذنوب والمعاصي لأن الذنوب (تنكت في القلب نكتة سوداء) كما ورد في الحديث الصحيح ، وهناك حقيقة لا بد أن نتذكرها باستمرار وهي أن (الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بفعل الطاعات وينقص بفعل المعاصي)
أختي الكريمة، الصدمة النفسية التي تعرضت لها كانت قوية جدا لأنها جاءت من دون مقدمات وفي حالة كان الدماغ فيها قد ثبّت خلال - سبع سنوات – صورة خيالية في الذهن وتم تركيب وبناء عدد من الأحكام تجاه الأشياء ، كانت في الغالب غير واقعية وغير دقيقة لأنها ترتبت في حالة كان التفكير فيها لا يعمل – كما تشير الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة أن الإنسان عندما يقع في حالة حب وهيام يتعطل جانب التفكير الموجود في الدماغ – وهذا يؤكد قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (الحب يعمي ويصم) بمعنى أن الرؤية إلى الأشياء لا تكون صحيحة غالبًا والأحكام عليها لا تكون موفقة؛ وبالتالي القرارات التي يتم اتخاذها في تلك الفترة قرارات غير حكيمة، ومجانبة للصواب غالبًا.
والآلام النفسية التي تعانين منها (وكانت تخنقك) كما ذكرت في السؤال، هي وضع طبيعي جدًا وإفرازات كيمائية يفرزها الدماغ عند حدوث الصدمة لأن الدماغ تعود فترة طويلة أن يسير في طريق معينة، وفجأة انحرف المسار وطُلب منه تغيير طريقة السير، وقد وصى الرسول الكريم بـ(الصبر عند الصدمة الأولى) لأنها أولاً توقف الانهيار، ثم تترك فترة استرخاء للدماغ يستطيع فيها أن يعمل بكفاءته الطبيعية فلا تتشابك الإفرازات فيه أو تضطرب، والاضطراب يؤدي إلى الارتباك وعدم القدرة على فهم ما يجري واستيعابه وإذا طالت الحالة أكثر فإنها قد تؤدي إلى الانهيار النفسي والعصبي مما يدفع الجسم بجميع أعضائه إلى الاستسلام فيصبح الجسم عليلاً، وهناك مكان في الدماغ مسئول عن الاستذكار والاسترجاع للمعلومات ففي حالة التفكير بطريقة ما قبل الصدمة، بحيث يبني صورًا ومعلومات أخرى جديدة ويعيدها إلى الذاكرة لصالح هذه الفكرة القديمة الخاطئة التي سيطرت عليه، وهنا يفقد الشخص الرؤية الصحيحة لكل شيء، فتضطرب عنده المفاهيم والقيم مثل قيم الحب، والكراهية، واليقين والشك، والمحسوس والغيبي، ويفقد العقل ترتيبه المنطقي للأشياء ويبدأ يتجه اتجاهات أخرى تنبع من حالته الخاصة التي كوّنها لتفسير الأشياء، وتبدأ الأفكار الغريبة والشاذة تتسلل إلى الدماغ عن طريق الوسواس بمساعدة العزلة النفسية والاجتماعية التي يعيشها الشخص، فإن قبل الدماغ هذه الأفكار الشاذة فإنه يثبتها في جزء منه (المتعلق بالحفظ) ثم ينتقل إلى مرحلة أخرى وهي توظيف المعلومات اليومية التي يتلقاها عن طريق المشاهدة أو الاطلاع أو السماع لصالح المعلومات السابقة التي ثبتها في الذاكرة ودخلت عن طريق الوسواس لتتحول بعد ذلك من معلومات مؤقتة إلى معلومات دائمة (وهي التي تسمى بالقناعات الشخصية) وبعد ذلك يسهل تحويلها إلى سلوكيات وممارسات تتحكم فيها الفكرة الشاذة التي سيطرت، هذه المراحل لا تأتي في يوم وليلة، بل هي عمل منظم ودقيق للغاية يأخذ كثيرًا من الوقت والجهد الذهني والنفسي، كما تلاحظين.
وعندما خلق الله هذه التحديات وضع في بني آدم الاستعدادات الكافية لتجاوز أي تحدٍّ ومن أي نوع، وكل البشر يواجهون المشاكل، ويستوي في ذلك المؤمن والكافر والمنافق، ويختلفون في طريقة مواجهتهم لها وينقسمون إلى ثلاثة أقسام: الأول يعجز عن مواجهة المشكلة وينهزم أمامها فتؤدي إلى السخط والكراهية لكل شيء وعدم الثقة في أي شيء، ويبدأ بتغيير مواقفه بطريقة سلبية ظنًا منه أنه يتجاوز مشكلته وهو يزيد الخرق على الراقع. الثاني: لا يبالي ولا يهتم ودائمًا يهرب من مواجهة مشاكله ويحاول أن يقنع نفسه بما هو فيه فيتبلد إحساسه مع الأيام ويصبح كلًّا على مولاه أينما يوجّهه لا يأتي بخير. الثالث: من يقف عند المشكلة ويقلب وجوهها ويضع الخيارات الممكنة لحلها ثم يختار الحل الأنسب والأكثر ملاءمة لواقعه وزمانه ومكانه، وهذا تتراكم الخبرات والتجارب لديه فيصعد في سلم الحياة دائمًا، ويحول معاناته ومشاكله إلى خبرات يتجاوز بها صعوبات الحياة.
أختي الكريمة، الحب في ذاته خير كبير تعتمد عليه الحياة في الدارين، وهو محور الإيمان ومرتكزه، والطريقة التي نمارس بها هذه العاطفة العظيمة في بعض الأحيان تكون غير سليمة، فالله عز وجل قرر أن على عباده غض البصر؛ لأنه أدرى بماذا سينتج عن إطلاقه. "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم"، "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"، ونحن في حالة اندفاع وغرور تجاوزنا هذه الحدود: قول الرسول الكريم "النظرة سهم من سهام إبليس" فهذه النواميس وضعها العلي القدير لتسيير شئون حياتنا وتنظيمها، ومن خرج عنها صارت حياته.
أختي الكريمة، بعد مناقشة هادئة معك وصلت إلى هنا، ولا بد لي أن أتوقف لأستطلع منك بعض المعلومات ، فأنا بصدد إعداد برنامج عملي – زمني، لك تتمكنين به تجاوز مشكلتك – بإذن الله تعالى – وقبل أن أضع البرنامج أريد معلومات عن حالتك الآن، وهل ما زلت تتذكرين حبك الأول؟ ... وما هي الحالة التي تنتابك عندما تتذكرينه (أرجو كتابة مشاعرك نحوه الآن)، وهل ما زلت ملتزمة بالصلوات والعبادات كما ذكرت (أرجو أن تكتبي برنامجك اليومي) أختي الكريمة، بعد ذلك سأتمكن من إرسال البرنامج إليك عبر نافذة "استشارات مجانين" بعد اطلاعي عليه من صفحة التصفح ، وفقك الله وسددك على طريق الخير.
وأخيرا أختي، أرجو أن تتماسكي؛ فأنت – من زاوية الواقع- طبيبة نفسك، وأن تتذكري أن الحياة لا تخلو من الآلام والمعاناة، وهي دار ابتلاء وامتحان
"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً"
11/3/2024
رد المستشار
أخي العزيز، أرهقتني مشاركتك بقدر ما أسعدتني، فهي أطول مشاركة وصلتنا، وهذا يعني مستوى من التواصل والاهتمام أسعدني، وهي مليئة بالتفاصيل، والجمل الاعتراضية، وجرعة عالية جدًا من الكلام الوعظي العام (تدخلت لتخفيفه)، كما تدخلت لتوضيح بعض الألفاظ وتحديدها، وليس لي تعليق غير هذا سوى أن أقول: إن هناك خلافًا قديمًا يتجدد كل حين في تفسير العلاقة بين التغيرات البيولوجية في الدماغ والجسم، والتغيرات النفسية والوجدانية أيهما يسبق الآخر ويؤدي إليه؟ لكن الاتفاق منعقد على أن الارتباط بين الجانب الجسدي والجانب النفسي وثيق، وهو ما أحسنت في تبسيطه هنا على نحو أرجو أن يفهمه القراء، ويستفيدون منه.
أخواتي إخواني، أهلاً بكل مشاركة، فقط نرجو أن تكون مركزة، وأن تكون نابعة من خبرة ذاتية، وأنتهز الفرصة لأخبركم أننا نعتذر عن نشر أية مشاركة تأتي غير مستندة على خبرة شخصية أو متضمنة لإضافة جوهرية، خاصة إذا جاءت في شكل كلام عام مرسل. وشكرًا لاهتمامكم.