السلام عليكم ورحمة الله
هي فتاة تبلغ من العمر 26 عاماً، مقبلة على الزواج، تمر كل فترة وأخرى باعتلال في صحتها النفسية يُشعرها بالضيق النفسي والرثاء لنفسها.. عانت من حرمان عاطفي، بكت كثيراً في مراهقتها، وتتمنى من أمها أن تضمها إلى صدرها؛ لتخرج ما في نفسها..
كرهت من حولها، ناقمة عليهم؛ لعدم منحها ما تحتاجه من عاطفة، أدى ذلك إلى قسوتها وخجلها الشديد في بعض المواقف، على الرغم مما تتميز به من جرأة ملحوظة في مواقف أخرى عند مواجهة الناس.. وكلما تذكرت ما حدث لها في صغرها؛ ازدادت انغلاقًا على نفسها، وجعلت هناك حاجزًا قويًّا بينها وبين أقرب الناس إليها.. تحمد الله وراضية بقضائه، لكنها تعاني رغمًا عنها..
كانت طفلة جميلة رقيقة بريئة تعرضت للتحرش الجنسي لأكثر من مرة، وفي كل مرة لا يتجاوز الأمر حركات غير سوية، أولها حدث وعمرها خمس سنوات تقريبا، لا تذكر ما حدث تفصيلاً، لكنه كان تحرشًا من رجل غريب عنها، قام ببعض الحركات غير السوية، وتركها فجأة عند قدوم بعض ذويها، وذهب وهي لا تعي شيئاً مما حدث، ولا تذكر أنها تأثرت لحظتها، وذووها لم يكبروا الموضوع فمر بسلام.. المرة الثانية كانت من جارٍ لهم، وقد تكررت منه المأساة بحركات غير سوية، انتهت بقدوم ابنته، وكانت الفتاة في هذه المرة أكبر قليلاً في سنها، ولا تذكر شيئاً إن كانت قالت لأمها شيئًا أو هل أمها علمت بالأمر أم لا..
في آخر مرة- تتذكرها الفتاة جيدًا- كانت من سائق في الخمسين من عمره، وكان عمر الفتاة 11عامًا، وقد ظهرت عليها بعض علامات الأنوثة؛ فبدأ السائق يتحرش بها، مرة بكلمات، ومرة أخرى بحركات، وهي لا تعي ما يحاول عمله سوى أنه أمر غير أخلاقي، وخافت لحظتها، وكان السائق يريد أن يشتري صمتها بالحلوى الفاخرة، ولم تجد من تخبره؛ فأمها لا تلتفت إليها، وحاولت مرة أن تخبر صديقة لها - طفلة مثلها- ولكنها كانت تحتاج لشخص كبير ينقذها..
ومرت الأيام، ومضت سنة، وبطريقة عفوية زل لسانها بخبر ذلك السائق، وليتها لم تفعل؛ فقد هوجمت بعنف من أقرب الناس إليها، واتهمت في شرفها.. وثار الأهل فجأة، كما صمتوا فجأة، ولم يحاول أحد أن يحادثها أو يطمئنها أو يهدئ من روعها.. وتحطمت وبدأت تنطوي على نفسها، وتسير في طريق مسدود، ودخلت مراهقتها بصدمة نفسية تجرعت آلامها، وبدأت حياتها تأخذ منزلقاً خطيراً، مارست أخطر ما يمر على المراهقين في هذه المرحلة، وهو ما يسمى بالعادة السرية، وتتخيل من تحرشوا بها في صغرها يهجمون عليها فتصرخ وتبكي.. ثم استيقظت من سباتها من 4 سنوات، وتابت عما كانت تفعله..
هي الآن مقبلة على الزواج، وتبكي ليل نهار، وتشتاق لزوج يبعد عنها هذا الشبح، وتخشى في نفس الوقت من أن تتذكر طفولتها، فتنفر منه؛ فيبتعد عنها مثلما فعل أقرب الناس إليها.. تريد زوجًا تحدثه بكل شيء، تتطلع لأن يكون هو الشخص الذي يمنحها العاطفة التي طالما تمنتها، تريد من يحن عليها، ويعاملها برقة، ويقوِّم هشاشتها، ويصلح كسرها..
وأخيرًا، هل لهذه الفتاة من حل؟ وبماذا تنصحونها؟
بارك الله فيكم ونفع بكم.
19/7/2024
رد المستشار
شكرًا على استعمالك الموقع.
يتعرض الإنسان إلى صدمات عدة خلال مسيرته في الحياة والحديث هنا عن الصدمات النفسانية. هذه الصدمات بدورها تساعد الإنسان على تطوير دفاعاته النفسانية وترفع من قدرته على مواجهة تحديات الحياة المختلفة، وتدريجيًا يتم نبذ هذه الصدمات من قبل الجهاز العصبي العاطفي ويتم إزاحتها من عش الذكريات في الجهاز الحوفي.
تعريف ما هو صدمة نفسانية لا يخلو من الأشكال ويعتمد على طبيعة الصدمة والضحية في آن الوقت، ولكن يمكن القول بأن هناك بعض الصدمات التي تتجاوز عتبة معينة تترك آثارها على الجهاز العصبي المركزي ويعاني الإنسان منها لفترة طويلة، ويتعلم الجهاز الحوفي كيف يتفاعل مع تحديات الحياة من خلال الصدمة بحد ذاتها. هذه الصدمة التي يتم الاشارة إليها في الرسالة تجاوزت عتبة صدمة يمكن تجاوزها. لعدة أسباب وهي:
١- تكرار الصدمة منذ مرحلة الطفولة.
٢- استلام الصدمة من قبل كائنات ذات ثقة.
٣- حدوث الصدمة خلال مرحلة المراهقة.
٤- والعامل القوى في هذه الحالة غياب الدعم المعنوي والنفساني من قبل الكائنات التي مهمتها الأولى والأخيرة دعم الطفل ومساندته. الأسوأ من ذلك بأن هذه الكائنات المتواجدة في بيئة الضحية أسقطت اللوم على الضحية لسبب واحد وهو تحليهم بالنرجسية والأنانية وتنصلهم من المسؤولية وعدة قدرتهم على الاعتراف بفشلهم الدفاع عن أطفالهم. بدلًا من ذلك تم استعمال إنكار الحقيقة وتحويرها وإسقاطها على إنسان آخر وفي هذه الحالة لم يجدوا سوى الضحية نفسها.
استوطنت الصدمة دماغ الضحية في هذه المرحلة وبالذات الجهاز الحوفي الذي يتعامل مع الصدمات وتعلم هذا الجزء من الدماغ التعامل مع تحديات الحياة استنادًا إلى آثار الصدمة. لا أظن أن ممارسة العادة السرية بحد ذاته انحرافاً جنسيًا أو أخلاقيًا في مرحلة المراهقة ويتم ممارستها من قبل الغالبية العظمى من المراهقين ولكن المشكلة تكمن في عزلتها، فقدان الثقة بالنفس وبالآخرين، دخولها موقع اكتئابي مزمن وشعورها بالقلق.
لكي يمضي الإنسان قدمًا من آثار الصدمة عليه أن يقبل بأن الدماغ تعلم كيف يتعامل مع الحياة بسبب الصدمة بحد ذاتها ومهمته أن يتخلص مما تعلمه أو نبذه تمامًا. يقبل الإنسان الآن بأن البيئة المريضة التي لم تسانده غير قادرة على تغيير معتقداتها الأخلاقية المتخلفة وحان وقت مغادرتها. في نفس الوقت حين يغادر الإنسان مسقط رأسه عليه أن يدرك بأن مكان الوصول الجديد الذي سيغادر إليه ربما أفضل بكثير من مسقط رأسه. كذلك على الإنسان أن يستعيد ثقته بنفسه ويتذكر بأنه تجاوز مرحلة الطفولة ولديه المقدرة على الدفاع عن نفسه وحماية كيانه دون انتظار مساندة الآخرين. كذلك يجب على الإنسان أن يروي روايته وهناك من سيستمع إليه، والحديث مع معالج نفساني أو صديق ذي ثقة في غاية الأهمية.
وفقك الله.
واقرئي أيضًا:
الخوف من الزواج بين الطبيعي والرهابي!
وسواس الخوف من الزواج والقرف من القضيب!
جمانة والخوف من الزواج!
عواقب التحرش: الخوف من الزواج!