السلام عليكم
مشكلتي سببها والدي.. تعرفت على شاب منذ سنة ونصف، ونحن على علاقة حب طاهرة، لكن المشكلة أنه ليس من بلدي رغم أن كلينا من الخليج، وتقدم لخطبتي وأبي قال له: انتظر سنتين حتى تنتهي ابنتي من الدراسة، ونحن لا نستطيع الانتظار؛ لأني أخشى أن يغير أبي رأيه.
مع العلم أنه شاب على خلق ودين، ولذا فكرت في الهروب معه والزواج منه، وما زالت الفكرة في بالي.
أرجوكم أعطوني حلا.
27/7/2025
رد المستشار
حبيبتي الغالية:
أشعر بحبك وبقلبك الذي سعد بوجود من يشعر به ويحبه؛ فكل فتاة تتمنى أن تحب وأن تكون محبوبة، وهذه طبيعة الفطرة البشرية. والزواج، يا حبيبتي، سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رباط له قدسية، ويحتاج لإعداد نفسي واجتماعي وديني وثقافي وعقلي؛ ليكون زواجًا ناجحًا، ويجب أن يقام على أسس ومعايير، وأن يقترن الحب بالعقل، وأنت ما زلت في مرحلة عمرية مضطربة المشاعر والتفكير؛ فيجب أن تكوني على درجة كبيرة من الوعي لكي تستطيعي وضع المعايير التي على أساسها ستختارين شريك حياتك.
لا أريد أن أصدمك أو أن أحبطك، ولكن أريد أن تنظري للحياة وللزواج برؤية أشمل وأوسع. وأخشى أن تتسرعي بحماسك، وتندفعي ثم تندمي بعد ذلك حين لا ينفع الندم.
حبيبتي: مشاعر قلبك مهمة، ولكن هل الحب وحده يكفي ليكون أساسا للزواج؟ وهل الحب بينكما سيبقى إن وجدت اختلافات في أمور أساسية؟ فالحب يجب أن يصب في وعاء العقل. فالاثنان لا يفترقان؛ الحب يعين على سير عجلة الحياة الزوجية، ولكن العقل يدير ويحاول أن يوفق بين الزوجين.
فيجب أن تضعي أولا أسسا كما ذكرت لك، سواء أكان تكافؤا عقليا دينيا، اجتماعيا، ثقافيا، أو طباعا مشتركة، أو اهتمامات.. فكل هذه نقاط يجب أن تضعيها في بؤرة اهتمامك وتجدي مساحات اتفاق بينك وبين من تريدين الارتباط به، فإن وجدت مساحة اتفاق بينكما يمكن ضمان استمرارية الحب والود؛ لأن الزواج ليس فقط مشاعر حب وود وإنما مسئولية وبناء مشترك وتضحية وإيثار ومحاولة فهم الآخر، وهذا كله يحتاج لعقل وقلب معًا.وهذا يحتاج منك بداية قبل وضع أسس للاختيار أن تكوني واعية بجوانب وتنمية شخصيتك، فأنت تحتاجين للنضج أكثر والاحتكاك العملي في الحياة وخبراتها بشكل أعمق لكي تكون قادرة على اتخاذ قرار سليم للاختيار لا تندمين عليه لاحقًا.
أما بالنسبة للفكرة التي تطرحينها بالهروب للزواج فنقول:
حبيبتي: هل الهروب هو الحل حتى يعيش هذا الحب الطاهر؟! وهل سيحقق لك كل أحلامك وأمانيك؟ هذا سؤال مطروح لك أولا، وسنحاول الرد عليه معًا.
أولا: ماذا تفعلين إن هربت مع هذا الشاب للزواج ثم اكتشفت أنه ليس الشاب المناسب لك؟ ماذا يكون شعورك وحالك في هذا الموقف بعد أن تفقدي نفسك ورضا والديك؟!
ثانيًا: هل طرحت الفكرة على هذا الشاب ووافق؟! إن كان قد وافق فعلاً فأعيدي النظر في اختيارك؛ لأن الرجولة من سماتها تحمل المسئولية، والهروب معناه عدم القدرة على تحمل أي عقبات أو تحديات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن كان على خلق ودين كما ذكرت فهل الأخلاق توافق على هذا الاقتراح، أو الدين يرضى بالهروب من الأهل ومحاولة كسر قلوبهم بهروبك. وهل سيحترمك هذا الشاب إذا هربت من أهلك معه لمجرد أن والدك طلب بعض الانتظار المقبول؟! أم أن هذا الشاب سيعيّرك بذلك الهروب عند أي اختلاف في الرأي أو نزاع عادي، ولا يخلو زواج من خلاف أو نزاع؟!
ثالثًا: هل العقل يوافق على الهروب للزواج لمجرد الشك أو الخوف من عدم موافقة الوالد مستقبليًا؟ مع ملاحظة أن والدك لم يرفض، لكن مبرره معقول.
رابعًا: كما ذكرت أن الحب الذي بينكما طاهر، فإن هربت للزواج من هذا الشاب فإنك قد تظلمين هذا الحب الطاهر بهروبك.
حبيبتي الغالية:
الهروب ليس الحل بل إنه يدل على الضعف وعدم تحمل القرار والمسئولية، وإنما عليك بالتأمل في هذه النقاط التي سأذكرها لك والمحاولة الجادة في تطبيقها:
أولاً: قبل اتخاذ القرار بأن هذا الشاب هو الزوج المناسب كما ذكرت لك سابقًا يجب أن تعيدي النظر في بناء شخصيتك ورؤيتك للحياة، وأن يكون لديك معايير متكاملة ومتوازنة تختارين عليها وأنت تكونين على درجة أكبر من الوعي، وأن تدركي أن العقل يجب أن يقترن مع القلب ولا تنساقي وراء عواطفك فقط.
ثانيًا: محاولة جادة منك للنظر مرة أخرى للحياة بنظرة أشمل وأوسع، والاندراج في الحياة الاجتماعية بصورة أكبر، والانتظار فترة قبل اتخاذ قرار الارتباط بهذا الشاب لينضج اختيارك، وتتضح لك شخصيتك بصورة أعمق.وأجد أن محاولة والدك بتأجيل الارتباط عامين فرصة لك للتفكير برؤية جديدة للاختيار ومحاولة جادة لاكتشاف ذاتك؛ فأحيانا يعتقد الإنسان أن التأخير شر ويكتشف أنه خير والعكس يحدث؛ فهذه الفترة هي فرصة لك حتى يكون قرارك بالارتباط سليمًا، ولا تندمي بعد ذلك. والتأجيل فرصة لاختبار صدق مشاعر هذا الشاب تجاهك، ومدى تمسكه بك.
ثالثًا: بالنسبة لاختلاف جنسية الشاب عنك فإن وجد والدك فيك نضجا في الاختيار واستشعر أن اختيارك للزوج مبني على أسس ومعايير شاملة وعاقلة فلن يقف في وجه سعادتك؛ فرفض والدك ليس قاطعا والأهم منه صحة قرارك واختيارك على أسس سليمة وتمسكك بقرارك لأنه قرار مصيري؛ ولذا فإنه يحتاج إلى تمهل وتدبر كما كررت لك سلفًا.
رابعًا: اليقين بأن الزواج رزق من عند الله، واليقين بكرم الله؛ فكوني على يقين إن كان هذا الشاب هو نصيبك فستتزوجينه عاجلاً أو أجلا؛ لأن الله عز وجل وعده حق، وقال في كتابه: {وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}"؛ فكوني على يقين بالله عز وجل وأحسني الظن بالله بأن يكرمك بالزوج الصالح، سواء كان هذا الشاب أو غيره، والله عند حسن ظن عبده به.
خامسًا: المحبة تأتي من المولى عز وجل، فهو الذي يضعها في القلوب، وهو الذي ينزعها منها، وليست المشاعر مجرد رغبات واجتهادات شخصية؛ لأن القلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولذلك أرجو أن تثقي إن كان الذي بينكما فقط هوى نفس أو حبا مؤقتا أو شهوة عابرة.. ستزول لاحقا، وإن كان هذا الشاب من نصيبك وما بينك وبينه حب رباني طاهر فسيجمع الله بين قلوبكما وسيهيئ لكما الأمر بأسبابه وفي الوقت المناسب؛ فـ"علامة الإذن التيسير"، كما يقال في الحكمة.
سادسًا: إن أردت أن يبارك الله لك في هذه الزيجة فلا بد من إيقاف ما يبغض الله تعالى في هذه العلاقة من مقابلات أو اتصالات سرية خاصة، والالتجاء لله عز وجل بأن يعينك على حسن الاختيار وجميل الصبر ووضوح الرؤية، والوقوف على بابه لطلب الرضا والمغفرة والرحمة والكرم والتوفيق والسداد فإنه كريم مجيب الدعاء.وإن أردت رضا الله سبحانه وتعالى وكسب محبة هذا الشخص للزواج منه فيجب أن تجددي نيتك بأن يكون زوجك هذا معينا لك في دينك قبل دنياك، وراقبي هذا الحب بدقة وعناية ليبقى طاهرا.
سابعًا: استخيري الله عز وجل في أمرك والتجئي لله عز وجل أن يهيئ لك الخير حيثما كان فلا أحد يعرف أين يوجد الخير، لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع، وفي القرآن: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
أخيرا أدعو الله أن يرزقك الزوج الصالح، وأن يهيئ لك الخير، وتابعينا بأخبارك، ونحن معك ننتظر رسائلك، ويفيدك أن تراجعي إجابات عديدة على صفحتنا،
فمثلا يمكنك الرجوع لإجابات سابقة منها:
عاقبة الزواج المتسرع.. اختيار صعب
رفض الأهل ليس أهم الجوانب
جناح العاطفة.. استفسار وتوضيح
رفض الأهل لا يبرر الزواج سرا
رفض الأهل... منطق الاحتلال