السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله كل الخير على النصائح المخلصة التي تفيد كل من يقرأ المشكلة وليس صاحبها فقط.
وأود استشارتكم فيما يؤرقني؛ فأنا بإذن الله أمامي أشهر قليلة للحصول على بكالوريوس الطب، والمشكلة أنني لا أعرف كيف أحدد التخصص الذي سأمارسه، والسبب في حيرتي هو أنني لا أعرف أمْثَل معيار للاختيار.
أنا أحب التدريس؛ فهل أختار أي تخصص يتيح لي الالتحاق بسلك التدريس، أم أختار التخصص الذي لا يعيق واجباتي الزوجية والأسرية فيما بعد، أم يجب أن يفكر المرء منا في مجتمع المسلمين وما يحتاجه، أم التخصص الذي يجلب المال أو الشهرة؟
قد تكون إجابتكم لي: حددي ما تريدين ثم اختاري، ولكن كيف أعرف ما يصلح لي وما أصلح له؟ فكل الأسباب التي ذكرتها معقولة.. فأيها ينفعني؟
بمعنى آخر: كيف يحدد كل إنسان ما يصلح له من عمل؟ هل يكفي حبه له ورغبته في ممارسته؟ مثلا كيف يعرف أي من الدعاة الجدد مثلا أنه يصلح للدعوة؟ كيف عرفت السيدة الفاضلة في مدينتي أنها قادرة على إدارة دار الأيتام التي تضم 114 طفلا؟
أرجو أن أكون قد أحسنت عرض مشكلتي؛ فهدفي أن يكون عملي مرضيا لربي؛ نافعا للمسلمين،
وجزاكم الله كل الخير.
31/8/2025
رد المستشار
طالما أنك تحمدين للموقع أنه يقدم النصائح لكل من يقرأ المشكلة وليس صاحبها فقط؛ فهذا يشجعني أن أبدأ إجابتي بعرض المشكلة "العامة" قبل الانتقال لحالتك "الخاصة"... هل تعلمين يا أختي لماذا نحن -دول العالم الثالث- متأخرون؟
ذلك لأننا نسأل سؤالك هذا (ما الذي يصلح لكل منا؟) متأخرًا جدًا، فيبدأ السير على الطريق الصحيح متأخرًا أيضًا!! وسأبدأ بأحد أوائل الدعاة الجدد الذين تحدثت عنهم أبدأ بمن عاصرت بدايته وهو "عمرو خالد"، وأقول لك بأنه تخرج في كلية التجارة!! وكان معروفًا بخجله وعدم تفضيله للأحاديث العامة واللقاءات المفتوحة! ثم اكتشف مع الممارسة والتجربة ما يصلح له، وأصبح بعدها نجما من نجوم الدعوة الإسلامية، وأهل نفسه بالدراسات العليا في هذا المجال.
إحدى صديقاتي تقول عن نفسها بأنها كانت تحب الرياضيات والأدب في المرحلة الثانوية، ولكنها التحقت بكلية الفنون الجميلة، وعملت في النهاية صحفية وكاتبة!!
وحتى تضحكي أكثر وأكثر أحدثك عن نفسي، فأنا تخرجت في كلية الطب ثم درست الجلدية والتناسلية!! ثم التحقت بمعهد الدعوة!! ثم دبلوم الإعلام، ثم توجهت أخيرًا لدراسة الطب النفسي!!
وطوال هذه السنوات كانت التجربة والممارسة هي التي توجهني، والعمل التطوعي في مجال الشباب وجمعيات تنمية المجتمع هو الذي دفعني للدارسات الشرعية ثم الإعلامية، وأخيرًا النفسية لأستقر في مجال الإصلاح الاجتماعي فهو الأنسب لي!!
وكأني أريد أن أقول بأن الإجابة المثالية لسؤالك تتلخص في ثلاث نقاط:
1- طرح السؤال مبكرًا.
2- تحديد المجالات المختلفة والمتنوعة التي يميل إليها المرء.
3- التجربة الممارسة لكل هذه المجالات لاختيار الأنسب لصقله بالدراسة.
ولكن ماذا عن الذين يطرحون السؤال متأخرًا مثلك ومثلي؟
إنهم يحاولون أن يضعوا في حسبانهم كل معايير الاختيار -بالترتيب- كاشفين إيجابيات وسلبيات كل جانب وفقا للظروف والقدرات والأحلام التي يتحرك المرء في إطارها.. ثم يوطنون أنفسهم على الاستعداد لأي تعديل محتمل لهذا الاختيار في ضوء مداركهم التي تتسع مع الوقت والتجارب والخبرات..... وهنا أنتقل لسؤالك الخاص -بعد العام- وهو عن التخصص المناسب لك.
ذكرت أن هناك ثلاثة معايير للاختيار:
1- التدريس الذي تحبينه.
2- تخصص ينفع المسلمين.
3- تخصص يجلب المال والشهرة.
وأقول لك بأن العامل الثاني والثالث متوافران في الأول وهو التدريس؛ فهو -بالإضافة إلى حبك له- فإنه ينفع المسلمين من خلال مكانتك وموقعك في المجتمع حيث تنشأ على يديك أجيال، كما أنه سيحقق لك دخلا معقولا.
التدريس إذن هو الاختيار المثالي.. ولكن هناك شروطًا:
• أن التخصص الذي يقع عليه اختيارك يتوافر فيه حد أدنى من الحب والقبول بالنسبة لك، فلا تختاري تخصصًا تبغضينه بمجرد أنه يحقق لك متعة التدريس.
• ألا يكون تخصصًا شديد الصعوبة؛ حتى لا تضاف إلى صعوبة التخصص صعوبة الدراسات التي ستستمرين عليها طوال حياتك، خاصة في السنوات العشر الأولى للزواج.
• أن تدركي أن عليك جهدًا ضخمًا ستبذلينه من أجل التوازن بين بيتك ودراستك، وهذا سيستلزم منك مرونة هائلة، وحسن ترتيب وإدارة للوقت، وهنا سينفعك الاستعانة بأصحاب التجارب المشابهة... ماذا فعلوا؟ كيف كانوا يتجاوزون الأزمات وضيق الوقت؛ حيث إن عملك في مجال التدريس الجامعي خاصة -وفي مجال الطباعة عامة- لا بد أنه سيقتطع من وقت البيت، فحاولي أن يكون هذا الاقتطاع بقدر، وحاول أن تستعيني بكل موفرات الوقت حتى تقللي قدر الاستطاعة من هذا الاقتطاع.
وحاولي أن يكون التقصير فقط في المساحات التي يمكن أن يعوضها غيرك مثل الأعمال المنزلية -التي يمكن أن تساعدك فيها خادمة- ولو يومًا في الأسبوع أو الأعباء الدراسية للأولاد التي يمكن أن تساعدك فيها معلمة للأطفال، وألا يكون على حساب الأعمال التي لا بديل عنك فيها مثل علاقتك بزوجك وإشرافك التربوي على أولادك.
أما إذا لم تختاري التدريس فاختاري ما شئت من تخصص تحبينه مع وضع نفس الضوابط السابقة في الاعتبار، ولكن بالتأكيد ستكون المسؤولية أخف نسبيًا.
أختنا الكريمة، لا تنسي الدعاء والاستخارة، وأهلا بك صديقة لموقعنا وصفحتنا.
واقرئي أيضًا:
اختيار التخصص
ابحث عن التخصص!
أنا وأهلي وصراع اختيار التخصص