أنا والحمد لله من المتفوقات دراسيا منذ المرحلة الابتدائية وزاد هذا التفوق عندما انتقلت للمرحلة الإعدادية فحصلت على المركز الأول في الترم الأول للصف الأول والثاني الإعدادي ولكن في الترم الثاني كانت لي صديقة تحصل على المركز الأول في الترم الثاني في الصفين الدراسيين لأن والدتها كانت في نفس المدرسة فكان المدرسين يجاملونها برفع درجات أعمال السنة لابنتها مما يجعلها تتفوق على في الترم الثاني من كل سنة (بعد إضافة أعمال السنة إلى مجموعها).
أنا لا أقلل من شأنها بل إنها إنسانة ذكية جدا وممتازة جدا ولكن كان من حقي أن أحصل على المركز الأول في السنتين وحزنت جدا لهذا ولكن الذي كان يخفف على هو أن كل المدرسين كانوا يعلمون حقيقتها وكانوا يقولون لي انهم يعتبرونني أنا الأولى فأنا والحمد لله معروفة بين الجميع أنني لا أحب الغش ولا الوسايط وأحصل على درجاتي بمجهودي.
وأنا والحمد لله أتمتع بشعبية كبيرة أنا وأسرتي في المنطقة التي أعيش فيها كلها وكان أهلي والمدرسين يهونون على ويقولون لي أنني عندما أنتقل إلى الصف الثالث الإعدادي سيظهر الله الحق وكل واحدة فينا سيظهر مجهودها لأن هذه السنة ليس فيها أعمال سنة وفرحت بهذا كثيرا ولكن أحب أن أوضح شئ أنا لا أنكر أني كنت محبطة لأني لم أحصل على المركز الأول ولكن كنت محبطة أكثر لأني مظلومة فإحساس الظلم فظيع فأنا لو أعلم أن هذا هو حقي لما زعلت. طبعا كنت هزعل علشان مجهودي ضعف.
ولكن هذا كان سيشجعني للأفضل وهذه هي المنافسة الشريفة لكن المنافسة التي تقوم على ظلم أحد الطرفين وإنصاف الآخر والمنافسة التي تقوم على الحقد والضغينة أنا لا أعتبرها منافسة شريفة على الإطلاق. المهم أنني انتقلت للصف الثالث الإعدادي والجميع كان يضع أمله في أنني أنا التي سأحصل على المركز الأول في هذه السنة.
ولكن صدمت عندما وجدت مشكلة أخرى وهى أن لجان الامتحانات كان يحدث فيها غش مما جعلني أحصل على المركز الرابع بعدما كنت أتنافس ما بين الأول والثاني وكان لذلك أسباب عديدة منها أن زميلتي هذه قامت بغش مسألة هندسة كاملة أي أ؛ب؛ج من السؤال في مادة الرياضيات وأمام عينيي وليس ذلك فحسب فقد انتهى الوقت ولم تكن تعرف هذه المسالة وسلمت الورقة قبل أن تحلها وجلست تبكى وتبكى فقام مراقب الدور بإعطائها ورقة الإجابة مرة ثانية بعد انتهاء الوقت حتى تستطيع أن تأخذ إجابة المسالة من زميلة لها من زميلاتها الواقفات على باب اللجنة بعدما سلمت كل اللجان الورق!! وبالفعل أخذت الورقة وأخذت الحل وراجعت كمان ثم سلمت الورقة!!
أنا شاهدت كل هذا بصمت وبعدما انتهت هذه (المهزلة) وهذه (الكوسة) جلست معها أنا وبعض أصدقائي لنراجع معها الامتحان فوجدت أن عندها أسئلة كثيرة خطأ فأخذت تبكى وقمنا بتهوين الموقف عليها وبعد كل هذا فوجئت بأنها حصلت على المركز الأول وثلاثة من زميلاتي غير المتفوقات قد حصلن على المركز الثاني والثالث والثالث مكرر وهم ليسوا متفوقات لهذه الدرجة ولكن الغش يفعل أكثر من هذا والسبب الثاني لحصولي على هذا المركز وحصولهم على تلك المراكز هو أن التصحيح كان سيئًا للغاية أنا نفسي والمدرسون أنفسهم هم الذين كانوا يصفون لنا تلك المهازل وانتشار جملة (النجاح بالحظ) كل هذا كان في الترم الأول ونفس الكلام حدث في الترم الثاني.
بالإضافة إلى أنه كانت توجد مدرسة تنقل إجابة الامتحانات بالموبايل وفى دورات المياه!! أي أن المهزلة كانت أفظع وثبت على مركزي الرابع والبنات ثبتوا على مراكزهم المزيفة على الرغم من أنني بذلت مجهود مكثف في الترم الثاني ولكن...
المشكلة ليست في المراكز أنا لو على أنا لا اهتم بهذا الكلام الفارغ أنا لا يفرق عندي الأول من الثاني المهم أنني من الأوائل ولكن الجميع حملني عبءً كبيرًا كل مدرس يريد ألا أخذله وحتى أقاربي وكل الذين يعرفونني ولكن بعدما حدث ما حدث في الترمين أحسست أنني سقطت من نظر الجميع وأنني فاشلة هل رأيت واحدة تحصل على هذا المركز وتكون فاشلة؟!!!
فأنا لم أشعر بطعم النجاح فهل كان ذنبي أنني كنت أحصل على المركز الأول؟! وهل من السهل أن يستمر الإنسان على حاله؟ وماذا أفعل لأستمر على مستواي هل أفعل مثلهم وأغش؟!! أم ماذا أفعل؟
والآن أنا ذاهبة للصف الأول الثانوي ولم تبدأ الدراسة بعد ولكنى خائفة جدا لأن هذه هي فرصتي الوحيدة لاستعيد (مجدي) أمام الجميع وعلى (بلاطة) كده أنا لو لم أحصل على المركز الأول سوف يمسح اسمي من كشف المتفوقات فلابد أن أثبت جدارتي ولكن ماذا أفعل أنا غير مقصرة ولكنى خائفة جدا جدا خائفة من أن يحدث أي شئ يمنعني من الحصول على هذا المركز ووقتها لن ترحمني ألسنة الناس ولا نظراتهم لي كما أن من ذاق طعم هذا المركز من الصعب أن يتركه.
إحساس فظيع يكدر على فرحتي فكم كنت أتمنى أن أكون إنسانة عادية ليست من الأوائل حتى أبعد الأنظار عنى فأنا رغم هذا تعيسة، حياتي كلها صراعات ومنافسات لدرجة أنني فكرت في الانتحار من قبل ولكن الحمد لله عدت إلى صوابي بسرعة فأنا مهما كتبت لن أستطيع أن أعبر عن مدى تعاستي وخوفي من الغد ماذا يخبأ لي من صدمات وآلام. فماذا أفعل؟؟؟؟؟؟؟؟؟
29/9/2003
رد المستشار
الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك، وشكرًا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أن مشكلتك الصادقة رغم أنها تبدو وكأنها مشكلتك أنت الشخصية، إلا أنها قلبت مواجعنا وأحزنتنا كثيرًا على ما آل إليه حال المجتمع المصري كله، بل ومعظم المجتمعات العربية، أنت لم تفشلي وإن شاء الله لن تفشلي، فواقع الأمر يا بنيتي هو أن الذي فشل هو المجتمع المصري وربما العربي بأكمله، فشل في الحفاظ على قيمه وأخلاقه ومروءته.
فقد أصبحت الوساطة هي القاعدة وليس الاستثناء، كما أصبح الغش في كل شيء وليس فقط في لجان الامتحان سلوكًا مقبولاً بشكلٍ لم يسبق له مثيلٌ في مجتمع من المجتمعات وأصبح ما يستطيع حامل بعض بقايا القيم فعله تجاه ذلك هو زم الشفاه وربما اضطر لفعل ذلك في الخفاء، فمجتمعنا مع شديد المرارة والأسف أصبح مجتمعًا مثقوب الضمير لا والله بل مهلهل الضمير والذمة! وما تحكينه لنا يا بنيتي نسمع مقتطفات منه ما بين الحين والحين من زملائنا وجيراننا ومرضانا.
وكي لا أطيل عليك في ما نعرفه جميعًا سأناقش معك الأمر من زاوية ما يجبُ عليك أن تفعليه، علمًا بأنني أرى تحليلك الشخصي للموقف وإدراكك له صائبًا ومتزنًا في أكثر من جزءٍ من رسالتك، وهذا ما يضاف إلى درجات تقييمنا لك عليك بدايةً أن تحددي دائرة الأشخاص الذين يعتبر رأيهم فيك وتقييمهم لك مهما ودالا بالنسبة لك، وستجدين أن هؤلاء هم القريبون منك، وستجدينهم أيضًا واثقين بك وشاعرين بما لحقك من ظلم، فقد كان ذلك كافيًا لك قبل ما حدث في السنة الثالثة للمرحلة الإعدادية ولم يكن الغش متوقعًا (فقد بينت في إفادتك أن الجميع يعرفون مستواك الحقيقي وهو أن الأولى وأنك أقوى دراسيا من الأخريات).
ولكن إذا كان الغش هو ما حدث فما الذي يجعلك تخافين من ألا يفهمه الناس، إن الأمر يا بنيتي مشتهرٌ والكل على معرفةٍ به، إلى الحد الذي يجعلني لا أستطيع أن أمنيك بأن مثل ذلك لا يمكنُ أن يحدثَ في المرحلة الثانوية مع الأسف!، ولا أستطيع أيضًا أن أقول لك سايري الأمور ومارسي الغش كالباقين لأن الغش حرامٌ ولا يصبحُ حلالا لو مارسه الجميع.
إن ما يجبُ عليك هو أن تتصرفي دائمًا طبقًا للقيم والمبادئ التي تؤمنين بها، لأنك لو أصبحت الأولى بالغش فلن تشعري أيضًا بالسعادة وربما يكونُ شعورك بالألم أشد وأكبر إذا فعلت ذلك لأنك ستشعرين بخسارتك لنفسك وتفقدين احترامك لها وهو ما لا يتماشى مع توجهاتك النبيلة.
وأما مسألة مستواك الدراسي وهل هو يهبط فإن الأمر ليس كذلك، لأنه لو يتمكن أحدٌ من الغش لكنت الأولى أو الثانية كما ذكرت، وهذا هو تقييمك الحقيقي وهو ما يجبُ أن تهتمي به، وأما ما يحصل عليه الآخرون بالغش أو التزوير فعليك ألا تهتمي به وألا تقدريه لأن ما يبنى على الباطل يبقى باطلاً حتى ولو خدع به الذين لا يعلمون.
نقطةٌ أخرى مهمة وتفيدُ في تحديد المستوى الدراسي وهيَ النسبة المئوية لما تحصلين عليه من درجات فعليك حسابها ومقارنتها بنسبتك المئوية في السنوات السابقة وستجدين مستواك في تحسن دائم، إن شاء الله علما بأن طريقة التقييم بالنسبة المئوية أفضل بكثير من التقييم القائم على الترتيب (الأول والثاني والثالث والثالث مكرر) وأما أهم زاويةٍ أريدك أن تنظري منها إلى الأمور فهيَ أن ما نفعله اليوم ونحسنه ليس شرطًا أن ننال الجزاء عليه مباشرةً وبالصورة التي نتوقعها ونريدها لأن هناك عوامل عديدةٌ متداخلة تتحكم في النتائج التي نحصل عليها أثناء سعينا في الحياة، لكن المؤكد هو أن الله وعدنا بأن يحسن أجر المحسنين.
ويمكنك الآن أن تستحضري آيات الله تعالى في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم {أِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} صدق الله العظيم سورة الكهف الآية 30 ، وقوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم { .....إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} صدق الله العظيم سورة التوبة الآية 120، وقوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} صدق الله العظيم سورة هود الآية 115، وقوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} صدق الله العظيم سورة يوسف الآية 56 .
وليس الأجر هنا مقصورًا على الأجر في الآخرة، بل هو في الدنيا وفي الآخرة، ولكن دنياك لم تنته بنتيجة الشهادة الإعدادية، قد تكونُ المكافأة والتعويض أثناء دراستك الثانوية أو أثناء الجامعة أو في الحصول على فرصة عمل، من يدري لكن الله وعد المحسنين بأن لا يضيع أجرهم، وخبرتنا في الحياة تقول أن الطالب المتميز والمجتهد يكونُ بعد ذلك هو الإنسان الناجح على عكس الطالب الغشاش الذي غالبًا ما يصبح تافهًا أو نصابًا عندما يكبر، ثم أن الظلم الذي وقع عليك قد يكونُ خيرًا لك وسر ذلك عند الله عز وجل.
فهو الذي قال في سورة البقرة، {... وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم – البقرة الآية 216.
بقيت عدةُ نقاطٍ أشرت إليها على عجلٍ في نهاية إفادتك، وهيَ أن سلوكك دائما يتسم بالتنافس، وصحيحٌ أن التنافس مطلوب لكنه حين يحيل حياة الإنسان كلها إلى صراعات يصبح تنافسا مضرًّا بصاحبه، وأنا هنا أحيلك إلى إجابة سابقة على صفحتنا استشارات مجانين تحت عنوان: إيقاع الحياة السريع، حالةٌ أم سمة؟
فمن هذه المشكلة ستعرفين أضرار الحياة بإيقاع تنافسي سريع، ووضع حياةٍ بشروط صارمة من أجل النجاح فالنجاح، وكيف يؤثر ذلك على جهاز الإنسان العصبي، والدوري وغير ذلك. كما أن تعليق الإنسان عموما لكل طاقته وآماله على تحقيق مأربٍ واحد بهذا الشكل الذي تنوينه بعد دخول المرحلة الثانوية هو أيضًا أمرٌ مقلق، لأن علينا أن نوزع طاقاتنا النفسية بحيث لا نجعل معظمها على أشياء لا نتحكم أصلا فيها، وإنما نجعل الجزء الأكبر متعلقًا بما نستطيع نحن التحكم فيه بأعمالنا وإنجازنا.
إذن فالحساب يكونُ على أساس كم أنجزت وكم ذاكرت وليس بكم من الدرجات حصلت؟ ثم أن خوفك من الغد أيضًا يبدو زائدًا عن الحد المناسب يا صغيرتي، فما الذي يخبؤه الغد -غير الخير إن شاء الله - لزهرة بريئة تتفتح مثلك ما تزال؟
والنقطة الأخيرة هي نقطة تفكيرك العابر في الانتحار! فهي وإن كانت عابرةً ولا تزيد عن كونها تعبيرًا عن الضيق الشديد والألم ورفض الظلم إلا أن دلالتها خطيرة، فليس للمسلم أبدًا أن يترك نفسه لمثل هذه النوعية من الأفكار، ثم لماذا؟ لأنك فشلت في الحصول على الترتيب الذي ترغبينه وسط مجتمع لم يعد جديرًا أصلا بالاحترام؟؟ إن عليك أن تراجعي نفسك جيدًا فأنت بهذا الشكل تحسبينها خطأ كما يقولون، وفي النهاية نقول لك :كان الله معك وخفف عنك ونصرك.
ومرحبًا بك دائمًا على صفحتنا استشارات مجانين تتابعين وتشاركين برأيك دائما، ودمت لنا سالمة غانمة.