تأخر الزواج: جاهلية تحكمنا، والكل يتغافل!
السادة في موقع مجانين أود بالبداية شكركم لتوفير المكان والجو المناسب للعديدين من المحتاجين لتلقي النصيحة من خبراء حيث لسبب أو آخر لا يستطيعون البوح بها ومناقشتها في مكان آخر، ومن هنا أرجو مساعدتي إذا كان بالإمكان.
أنا فتاة أبلغ من العمر 39 عاما لم أتزوج أي عانس حسب المفهوم المجتمعي، عادية الشكل، متعلمة على أعلى مستوى وناجحة في عملي، مع إني بدأت أشك أخيرا في ما هو معنى النجاح، أعني وفق المجتمع والناس حتى المثقفين والمتعلمين منهم، فإذا لم تكن الفتاة متزوجة فكل تقدم أو نجاح تحققه هو لأنها مسكينة لا يوجد لديها ما تقوم به أو يشغلها، إذا فكرت في شراء شيء أو تأمين مستقبل كان أول شيء أسمعه "لمين بدها تتركه"، حتى المشاركة في أي نشاط اجتماعي أو عائلي يسبب لي المضايقة الشديدة فردود الفعل من النساء دائما حذرة لأني دائما سارقة محتملة لزوجها أو على أقل تقدير حاسدة، ومن الرجال دائما التوقع أنك تحاولين إقامة علاقة ما أما زواج أو حتى علاقة عابرة.
وإذا اهتممت بنفسي قليلا أصبح بنظرهم متصابية وألفاظ أخرى لا أود ذكرها، أرجو عدم الفهم أني أتكلم عن بيئة متواضعة أو ناس بسيطين، فأنا من عائلة متعلمة مثقفة وأعمل في مؤسسة على مستوى عال من المؤهلات والثقافة أنا حقيقة لا أريد الإطالة عليكم ولا أعرف كيف ألخص مشكلتي ولكني أحاول:
- الخوف الشديد من المستقبل والوحدة، خاصة أنه في عائلتي الكثير ممن لم يتزوجوا وخوفي أن أنتهي في وضع مشابه لهم. وإحساسي الآن بأن عمري يضيع وأيامي تمر دون أن أعيشها
- ابتعادي عن الصديقات والأصدقاء حيث أن الأشياء المشتركة بيننا تقل، فاهتمامهم هو العائلة والأطفال ومهما حاولت المشاركة أكون خارج المواضيع
- فقداني الإيمان بجميع ما آمنت به سابقا مع محاولتي الشديدة التمسك به، أنا لم يكن لي يوما متطلبات كبيرة فكل ما أردته علاقة أساسها الاحترام
أنا أتساءل دائما هل تعلمي وثقافتي وأخلاقي وتمسكي بديني وعاداتي هي ما أوصلتني إلى هذه الحالة، أنا أحاول أن لا أنجرف كثيرا في هذا التفكير ولكني أضعف يوما بعد يوم حتى إني حاولت إيجاد شريك عبر الإنترنت ولكن للأسف جميعهم كانوا يبحثوا عن التسلية وهو ليس ما أريده.
أنا آسفة على الإطالة ولكني بحاجة شديدة لكي على الأقل أكتب ما بداخلي وأتمنى أن تردوا علي بما يساعدني لأني فعلا بدأت أفقد شخصيتي وأصاب باضطراب نفسي يدفعني لمحاولة أن أكون ما ليس أنا فعلا
10/08/2007
رد المستشار
الأخت الفاضلة؛
دعيني مباشرة أبدأ وأقول لك أنه لا حل لمشكلات التأخر في الزواج إلا بالزواج!! وموضوع رسالتك أصبح مما يضيق منه صدري، ولا ينطلق به لساني، فلم أعد أملك فيه جديدا.
أعرف أنه قد انقطعت بنا السبل وفشلت أساليب إدارتنا لحياتنا أو قصرت عن استيعاب ملايين النساء والرجال في منظومة الزواج، أما النساء فبقين مثلك راهبات بالإجبار، كالحور مقصورات في البيوت والمصالح الحكومية والمؤسسات، وبعضهن قابعات في غرف الشات، أو مواقع البحث المتأخر عن زوج، ومجتمعنا يهرب ويتغافل بدلا من أن يواجه ذاته، ويعترف بمشكلاته، وبأنه لا طرقه التقليدية في التوفيق بين الرؤوس بالحلال صارت تكفي أو تنفع، ولا الطرق الحديثة مثل مواقع الزواج على الانترنت وغيرها استطاعت حل المشكلة، والسبب أن المسألة أعمق وأعقد، ببساطة المسألة تتعلق بتركيب وعقلية المجتمعات العربية المعاصرة، وهي عقول مصابة ـ في الأغلبية الساحقة منها ـ بتشويش في الرؤية، وخلل في نظام التفكير والمعايير، وهو ما يظهر جليا في مسائل متعددة، وأهمها حاليا مشكلة ملايين النساء الوحيدات مثلك، أو بسبب الطلاق أو الهجر!!
وأعتقد أنني سبق وأشبعت الأمر تحليلا وتفصيلا، وأشعر بالوجع ـ والله يشهد ـ حين يأتي ذكر هذا الأمر أمامي بشكل أو بآخر، حتى صرت أتجنب الخوض فيه لأنني أصبحت أرى كل مساحاته تكاد تكون مغلقة على مستوى الواقع، فمساحات التلاقي الطبيعي بين الرجال والنساء كما شرع الله، وكما تعيش كل المجتمعات الإنسانية الطبيعية، هذه المساحات تكاد تكون مغلقة، وفي بعض الأقطار هي ليست مساحات صحية بحيث نقول أن لدينا مجالا اجتماعيا عاما يلتقي فيه الناس بشكل طبيعي، ويكون من تجليات أو نتائج هذا التلاقي انتخاب هذا أو تلك الإبرام الزواج، ومن ناحية أخرى ما زالت الأسر العربية، والعقول العربية تتمسك بصيغة وحيدة للزواج تعتبرها هي "الزواج"، وكل ما عداها مرفوض، رغم أن هذه الصيغة قاصرة عن إسعاد الكثيرين ممن دخلوا في إطارها أصلا، ورغم أنها متعثرة تنفصم بنسب طلاق متزايدة، ورغم أنها أضيق من استيعاب القادرين والقادرات على إقامة علاقة مع الجنس الأخر، وما زال البعض متمسكا بالكلام السخيف حول اعتبار مشكلة الزواج في مجتمعاتنا مجرد مشكلة إمكانيات مادية، أو مغالاة الأهل في المهور رغم أن هذا يبدو طبعا جزءا من المشكلة، ولكن هناك جوانب أخرى تتعلق بمساحات أخرى!!
أقول ما زالت الأسر والمجتمعات العربية لا تستسيغ غالبا الزواج الثاني، ولا زواج المسيار، ولا زواج فريند، وكلها صيغ ومحاولات قد تنجح في كسب بعض من لم يصبهم الدور في إطار الزواج بصيغته التقليدية! وكلنا يقف في مكانه يلوم الآخرين، أو ينتظر غفيره لكي يتحرك!!
ملايين من النساء والرجال في معاناة مزمنة من أوجاع جسمانية وألام نفسية، والبعض ينحرف في صمت لأنه يرى كل السبل مغلقه!! والكل يتجاهل: المشايخ يتغافلون، ويتلون علينا غالبا مواعظ الأخلاق وتراتيل الفقه، والسياسيون لا يعتبرون الأمر يعنيهم من الأصل!!
والناس تخشى أن يقال عليهم كذا أو كذا لو أنهم خالفوا العرف السائد، أو خرجوا عن السفه الشائع، فهم يخشون الفضيحة وسوء السمعة أكثر مما يخشون الرذيلة التي صارت كما نعرف جميعا من الانتشار والتغلغل كنتاج طبيعي لتلك المقدمات البائسة!! والحصاد كما أوجزه شاعرنا: "عفة واسعة تشقى، وعهر يتمتع"!!
وهذا بخلاف الأصل في الشرع أو العقل أو الطبع الإنساني الفطري، فماذا يمكن أن أقول لك والجبن صار سيد الأخلاق؟! والكذب صار خبزنا، وعماد حياتنا؟! لمن أشكو مآسينا؟! ومن يصغي لشكوانا، ويجدينا؟!
يبقى حديث التجارب والخبرات، والبعض كانت لديه القدرة والشجاعة فخرج عن المألوف والسائد، مثلا تلقينا رسالة من فلسطينية تعيش وحدها وتعمل في الخليج، وتزوجت عرفيا من خليجي كزوجة ثانية، وكانت وقت أن راجعتنا من سنوات تقول بأنها سعيدة بهذه التجربة، وأخرى عراقية تعيش وتعمل في الخليج ها تفتني طالبه مني الدعاء لها في ظروف مشابهة لأختي الفلسطينية تلك.
وقرأت مؤخرا على أحد المواقع طلب زواج فريد من نوعه تقول صاحبته: أنا مطلقة بدون أولاد، وفي منصف الثلاثينات، أعمل في شركة، وأتمتع بصحة جيدة، ومظهر مقبول، أبحث عن زواج شرعي أو عرفي، أو أي كان، المهم الاحترام والتقدير والجدية.
أنا أعتبره طلبا شجاعا، وأود لو أعرف ردود الأفعال! وأقول أنه طلب فريد بالنسبة لي لأنني لم أقرأ مثله من قبل، وربما يسعفك بعض القراء بحلول أخرى تساعدك وأمثالك في الخروج من هذه الحالة، أما أنا فلعلك تعرفين الآن لماذا أختار الصمت وعدم الاسترسال في الإجابة عليك.
غير أنني أذكرك بأن ما أنجزته في جوانب حياتك الأخرى هو بالطبع شيئا رائعا ومأجورا من الله، ما خلصت له نيتك، وهو معتبر في مقياس كل ذي لب، وذوقـ ورشد، وهو نفس مقياس: إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
لكن الإنجاز في مجال لا يلغي الاحتياج في مجال أخر، ولا يقوم بديلا عنه، كما إن تأخر زواجك لا يعني أنك لست شيئا في الحياة، إلا إذا استسلمت لنظرة قاصرة وجاهلية ليست من الإسلام، ولا من العقل في شيء!!
واقرئي على مجانين:
كيف نضرب الأرض تطلع عرسان وعرايس؟
40 عاما ولم يطرق بابي أحد!
نادي لدعم المرأة الوحيدة على مجانين؟
انتظار شريك الحياة
شبح العنوسة وفضفضة مجانينويتبع: >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> تأخر الزواج.. جاهلية تحكمنا و..... مشاركات