مازلت أحبه: وهم القدوة والأيقونة!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا أحب أن أبدأ بتعريفكم بنفسي وبطبيعة شخصيتي، فأنا فتاة عمري 25 عاما.. بسيطة ومتواضعة وخجولة.. كما أنني مدللة من أمي وأبي ولكن في حدود لذلك، تصرفاتي يصفها معظم من يعرفوني بأنها مثل الأطفال أو كما يقول كل أصدقائي فأنا طفولية المشاعر... أعتمد على أمي وأحبها وأتعلق بها بشدة.... أنا والحمد لله متفوقة وملتزمة دراسيا منذ صغري وكل أصدقائي على درجة عالية من الأخلاق والاحترام.... لا أتماشى مع الموضة مثل كل البنات ولكن أختار ما يناسبني وفي نفس الوقت يتسم بالبساطة... لم أضع الماكياج أبدا في حياتي ولا أقتنع به، الحمد لله طول حياتي ملتزمة دينيا وأؤدي الفروض... وأحاول إرضاء ربي قدر استطاعتي.
أنا رومانسية جدا وإذا كنت أحاول إخفاء ذلك أمام الجميع، ودائما كنت أحلم بالشخص الذي سأعطيه هذا الكم الهائل من الحب والحنان والذي شربت منهم طوال حياتي.... مرت فترة مراهقتي دون أي مشاكل إطلاقا... بدأت مشكلتي منذ ثلاث سنوات وتحديدا مع انتهاء دراستي الجامعية حين أنهيتها بتفوق جعلني من ضمن الأوائل في دفعتي... فأنا اهتمامي بالدراسة الحمد لله كبير وتم تعييني بفضل الله سبحانه في نفس الكلية.... أستاذي الذي عرفته وأنا طالبة واحترمته حينها كثيرا مثلي مثل كل الطلبة والطالبات آنذاك لأنه كان مثلا يحتذى به خلقيا وعلميا، وكنا جميعا في الدفعة نحبه ونوقره ونحب محاضراته نظرا لسلاسة طريقته في توصيل المعلومات إلينا...
كانت نظرتي إليه وأنا طالبة عادية جدا، فهو أستاذي الذي أحترمه فقط لا غير.... ثم مرت سنوات الدراسة وتعاقب علينا الأساتذة منهم الجيد والذي اعتبرناه قدوة ومنهم السيئ... ثم بدأ كل شيء فجأة فأنا تم تعييني في كليتي وتعرفت على أستاذي هذا أكثر وأكثر مع كل ما هو مختزن في ذاكرتي وأنا طالبة عنه من ذكرى طيبة.... فهو يعامل الجميع باحترام بالغ.... لكني ومع اقترابي منه بدأت أحس بالإعجاب البريء منه ولكن لم أسمح لنفسي أبدا أن أتعدى حدود اللياقة والأدب فأنا واقعية وأبدا في حياتي لم أعجب بأحد أو يلفت أي شاب أو رجل انتباهي أبدا لم يحدث هذا معي من قبل.............. ولكنه وللأسف الشديد عاملني بأسلوب غاية في الرقة وكان يتقرب مني ويهتم لأمري ويقول لي إني شديدة الرقة والحساسية، وقال لي كالجميع إني مثل البيبي أو الطفلة... وبدأ هو يستحوذ على كل تفكيري دون النظر لأي عواقب، فهو أكبر مني ب22 عاما ومتزوج من سيده فاضلة وعنده أولاد وحياته مستقرة جداااااا وهادئة... ثم جاءت مرة وكلمته على جواله عادي لأستفسر منه عن شيء يخص العمل فرد علي بلطف وقال أنه سيكلمني لاحقا...
وفعلا اتصل علي وكلمني بشكل مباشر أنه معجب بي وكان يتمنى لو تعرف علي قبل ذلك..... ولم أعرف ماذا أقول فذاك الموقف لأول مرة أتعرض له في حياتي... وعجز لساني عن الكلام، وأحسست بعدها بالتعب العضوي والتعب بالمعدة والغثيان والعزوف عن الطعام ونحل جسمي نحولا شديدا... وتغيرت تغيرا ملحوظا لكل من حولي........ فأنا أحببته جدا وبكل جوارحي وبكل إخلاص، وبدأنا نتكلم على الجوال بالساعات الطوال دون الشعور بالوقت... وتبادلنا الرسائل العاطفية وبدأ يحكي لي عن نفسه وطفولته وشبابه وعمله وبيته وكل شيء ويحكي ويحكي وأنا أستمع إليه بكل حواسي... بالإضافة إلى أنه كان يبثني كلمات حبه لي والتي كنت أرد عليها بالصمت من شدة الخجل....... وأنا مع كل يوم يمر أزداد حبا وتعلقا به وأزداد أيضا نحولا وضعفا وذبولا....... وأصبح الجميع يتساءل عن سر تغيري المفاجئ من المرح والكلام إلى الصمت والحزن والسرحان من الانطلاق والنشاط إلى هذا السكون القاتل... من الاندماج والخروج مع الصديقات إلى الوحدة والعزلة أيضا كنا نجلس مع بعضنا في العمل وقتا طويلا نتحدث لكن لمرات ليست كثيرة... كنا نحاول ألا يلاحظ أي أحد من الزملاء أي شيء.... وعرض علي أن نتقابل بعيدا عن العمل وفعلا قابلته مرتين أو ثلاث، فهو أستاذي الذي أثق به أكثر من ثقتي في نفسي......
أحببته بمنتهى الإخلاص والشفافية أعطيته كل حبي وحناني.... هذا النهر الجارف من الحب الذي كان بداخلي.. أحببته وخفت عليه أكثر من حبي وخوفي على نفسي.... لم أفكر أبدا في نفسي أو وضعي كل تفكيري كان فيه فقط.... بعد فترة اهتز عمله بعض الشيء وانتابه فيه بعض المشكلات.... فجأة أحسست بأنه لم يعد يحبني مثل الأول وأن حبه لي بدأ يفتر وكأنه يريد أن ينهي كل شيء بيننا... لا تتخيل كم الآلام التي عانيتها وحدي ولازلت أعانيها... آلام أقسى من الآلام التي يتعرض لها مدمن المخدرات عند انسحاب المخدر من جسده... آلام لا تستطيع أقوى الكلمات أن تصفهاااااا... وأحسست كم هو قاسي علي.. حاولت أن أسأله ماذا حدث ولكني لم أجد جواب.... فبدأت أتمالك نفسي وأتمالك مشاعري ولا أفرض نفسي... كنت أحس أنه مضطرب إذا عاملته رسمي وأنا أكلمه بمفردنا وكأنه غير مصدق موقفي الحالي... لكني حاولت أن أبعد عنه وأن أضبط مشاعري وأتحكم فيها فأنا لن أفرض نفسي عليه مهما حدث... جلست مع نفسي أفكر بعقلي وبواقعية فوجدت أن وضعي ووضعه كانا لن يسمحان لنا بالارتباط دون مشاكل قصوى...
وأقول أيضا لنفسي أنه مجرد إنسان سيء استغل طيبتي ومشاعري وقلة خبرتي ثم حطم مشاعري بيد من حديد وبكل قسوة غير مبال بما قد يحدث لي.... فقط (وهكذا أنا فسرت لنفسي)،،،، فقط ليحس بطعم التغيير في حياته وليغير الملل والرتابة اللذان يحس بهما مع زوجته والتي أعرف جيدا أنه لا يستطيع الاستغناء عنهااااااااااا..... وأتذكر أنه قال لي أنه لا يستاهل حبي هذا له.... وفي نهاية حواري مع نفسي أعترف لنفسي أني غلطت بحق نفسي عندما اندفعت كالمراهقة الصغيرة وراء عواطفي بدون أي تفكير بسيط.........
الآن يا سيدي نحن الاثنان نتعامل عادي جدا مثلما أعامل باقي أساتذتي........ وأعامله بشكل طبيعي وكأن شيئا لم يحدث... يعني لا أعامله بغضب ولا يوجد بيننا شقاق أو خصام....... نتعامل كزملاء بالعمل عادي عندما يطلب مني شيء للعمل أنفذه عادي وأقوم بعمله على أكمل وجه... فهو بالعمل أنا أكثر من يعتمد عليها من الزملاء ويثق بهاااااااا... لأني لا أقصر وأعامله باحترام... أتصل عليه بالأعياد للتهنئة مثلما أفعل مع باقي أساتذتي وهو أيضا يتصل علي ممكن في المناسبات أو إذا أراد شيئا يخص العمل...........
مشكلتي يا سيدي الآن:- أنني مازلت أشعر أني أحبه بالرغم من كل ما حدث... وعلى الرغم في بعض الأحيان أحس بمشاعر متناقضة وألوم نفسي على حبي له بعد كل ما فعله وبعد تخليه عني بهذا الشكل... لكني لم أكرهه أبدا بأي حال من الأحوال... أنا للأسف الشديد لازلت أحبه وأراه في كل شيء وأتذكره دائمااااا... ومما يزيد المشكلة أنه معي بالعمل على الرغم أنه يأتي لمرات محدودة وقليلة أحاول أثنائها أن أتعامل معه بشكل طبيعي.. وقد تقدم لي العديد من الأشخاص وقد كنت أسعد جدا عندما يتقدم لي شخص فقط لأنه يجعلني أترك التفكير في أستاذي لفترة من الوقت... وتزداد سعادتي إذا كان في هذا الخاطب أي وجه تشابه بينه وبين أستاذي ولو بسيط.. ثم ينتهي كل شيء دون اكتمال فأنا يا سيدي لا أتخيل نفسي مع شخص غيره.....
أنا أحب الألوان التي يحبها وأحب أسماء أولاده وأحب أولاده لأنهم جزء منه..... أحب أوراقه أحب كل شيء يلمسه بيديه... أحب الهواء الذي يتنفسه والأرض التي يمشي عليهاااااا... أحب أراه سعيدا سليما معافى... أخاف عليه وإن لم أراه أو أسمع أخباره لفترة من الوقت أحاول أطمئن عليه من أي أحد وبشكل غير مباشر.... كما أتعامل معه عادي مع تجنب النظر إليه أو الجلوس معه........ من حين لآخر أتذكر الحب الذي كان بيننا وأحس ما فعله بي وكأنه سكين يمزق قلبي..... ولو تم فتح صدري لوجدتم قلبي ينزف دما..... أحاول الآن أن أتقرب من الله وأن أستغفره وأتوب إليه لأن ما فعلته غلط من جميع النواحي..... أحاول جاهدة أن أتوب توبة نصوحا كي أبدأ من جديد وأعالج نفسي من هذا الحب..... فهل أنا مريضة بحبي له.......... وهل أستطيع أن أنسى هذا الحب تماما،، وهل أستطيع أن أرتبط عادي مع وجوده أمامي وفي محيطي....
وهل سيؤثر هذا علي مستقبلا فماذا أفعل.
07/09/2007
رد المستشار
ستظل الإنسانية مفتقرة لدين هو ليس سوى الإسلام، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، حطم لهم الأصنام فإذا بهم يبنون بكل ريع صنما جديدا، ويخترعون للأصنام أسماء مبتكرة!!
وتذكرت رائعة "الزبيري" شاعر اليمن، وهو في قصيدته "رثاء شعب" يقول معاتبا شعبه:
نبني لك الشرف العالي فتهدمه ونهدم الصنم العاتي فتبنيه
ما علاقة هذا الكلام بقصتك؟!
العلاقة يا أختي أو يا ابنتي أن الإنسان والإنسانية بقدر ما يقتربان من النضج في المشاعر والأفكار، وبقدر ما يقتربان من التوحيد والإيمان، ولا نضج إلا بإيمان، وإن كان الإيمان أيضا إذا اكتمل ينضج صاحبه.
بقدر النضج نبتعد عن فكرة الأصنام، ومعنى الصنم هنا ليس هبل، ولا اللات والعزى، ولكن أعني به في حالتنا وحالتك تحويل البشر إلى أيقونات مقدسة تضم داخل كيس من الجلد أعلى الفضائل، وتستحق بالتالي أعلى درجات المحبة والتعليق!!
لاحظي كيف تحولت لدينا فكرة القدوة إلى أسطورة خرافية هي في الحقيقة مسخرة من كان له عقل يدرك به، أو رشد يقوده!!
أصبحنا لا نجد القدوة لأن المواصفات القياسية التي وضعناها للقدوة هي مستحيلة أو شبه مستحيلة، والأمر برمته وهم خادع!!
القدوة عندنا هي كائن خرافي نبحث عنه لنسبغ عليه كل صفات الكمال والجلال، ونغرق في حبه وتقديره إلى درجة التقديس، ولأن الأمر برمته خرافة بلهاء، فالكل بشر خطاء، ولا وجود للأيقونات، إلا في ممارسات بشر غير ناضجين يعتقدون القداسة أو البركة أو الجلال في لوحة أو قلادة، أو رمز ديني، أو شخصي، فإن هذه الفكرة الوهمية تسلمنا إلى ما أنت فيه، تجعلنا مذبذبين بين شدة المحبة وشدة الألم والصدمة: المحبة الطاغية للقدوة، للأيقونة، للصنم، والصدمة والألم في هذا الذي ظهر أنه لا قدوة ولا صنم، وإنما بشر يندفع ثم يتراجع، يضعف فيميل، وتختل خطواته، أو يسيء التقدير فتهتز صورته ومكانته!!
في هذا الإطار أرجو أن تفهمي طبيعة وحجم خطأ الأستاذ، وأنا لا أعفيه من المسئولية، ولكن كبشر يصيب أحيانا، ويزل أحيانا، وهكذا ينبغي أن نتعامل مع فكرة القدوة أو القائد، أي قدوة، وأي قائد، فالكل يصيب ويخطئ، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه.
أما أنت فمن الممكن أن تفيدك تلك الصدمة، وينضجك هذا الألم، وهو معلمنا الأكبر، أعني الألم طبعا!!
نحن بالألم وفي الألم منتبهين مع الوجع والهم، منشغلين بالتفكير والمراجعة ونسأل : لماذا؟! كيف؟! ما العمل؟!
فإذا أردت علاجا أو خروجا من الألم فهو ليس سوى تجاوز نظرتك إلى أستاذك المترددة المترنحة بين كونه ملاكا أو شيطانا، قديسا أو ذئبا استغل طيبتك وبراءتك، وخدعك بمعسول الكلام.... إلى آخره.
في الفيلم تظهر "مريم فخر الدين" مثلا، أو "فاتن حمامة" أيقونة للبراءة والطيبة، ويظهر "استيفان روستي" أو "زكي رستم" أيقونة للشر والفساد، والبشر يا أختي ليسوا هكذا، وإدراكنا لهم بوصفهم مستودعات للخير بلا شائبة شر، أو مستودعات للشر دون قطرة خير هو المدخل للعديد من مآسينا، وإدارة حياتنا بطريقة الأيقونات بحثا عنها، أو أسفا على افتقادها هي محض فشل!
ولعلك تقولين أنك مدركة أستاذك إنسان، وأنا أقول لك أن هذا لا يكفي، إنما يحتاج الأمر أيضا إلى أن تتصرفي معه، وتفكري فيه بوصفه إنسانا سبقك في تحصيل العلم، ومنه تتعلمين، وأخطأ في التقدير فخرج عن المسار المفترض لعلاقة أستاذ بتلميذة!!
وفي الأصل فإنه لا يوجد بشر يستحق أن نعمله أو نحبه بتقديس كأيقونة، وبالتالي فإن الاعتدال في الحب واجب، والاحتفاظ بهامش من الاحتياط في كل علاقة أو انطلاق مشاعر هو من الحكمة والنضج بدلا من ألم الصدمة إذا أخطأ من نحب أو حتى تحول أو رحل!!
هكذا كان حبك الأول درسا خشنا وقاسيا يدعوك إلى تغيير جذري في طريقة تعاملك مع الحياة والبشر، وإنضاج نظرتك للحب والعلاقات، ومنطق المحبة والعشق، وإن كان لهما من منطق!!
اختلطت عليك الصور والألوان والمستويات فأحببت فيه الأب الذي يدللك، والأستاذ الذي يعلمك مع فارس الأحلام الذي تنتظرين، مع القدوة والحنان موضع التقدير والاعتماد، وأسبغت عليه أكثر مما فيه، وأكثرها مما يستحق، وما تزالين تفعلين، وفي نفس الوقت تلومين وتتألمين، وكأنك نحن الجماعية التي تبحث عن قدوة / أيقونة تقدسها، ثم حين تفتقدها أو تصطدم فيمن توهمتها فيه تعود تشتكي نكد الزمان، وفساد الأحوال!!
اقرئي على مجانين:
حتى في الماجستير أحبُّ أستاذي مشاركة2
اخرجي من عبادة صنم، أو من رؤيته كصنم يستحق التقديس، أو الأسى لأنه لم يكن كذلك، إلى الاعتدال في النظرة إليه وإلى ما حدث، ولا تجلدي نفسك باللوم فما زلت في مقتبل عمرك، والخطأ وارد في التصور والتقدير، وتعلمي من هذا الدرس كما ينبغي، أدعو الله لك بالتعافي السريع من جراح قلبك الأخضر، وبعض النزف يكون فيه العلاج كما في الحجامة، وتابعينا بأخبارك.