أشك في صلاتي: وساوس الصلاة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أرسل لحضرتك هذه الرسالة بعد أن تعبت تعباً شديداً جداً وأتمنى أن يسمع كلامي أحد فيشير عليّ بما أفعل. دون إطالة؛ أنا أشك في صلاتي بطريقة غير طبيعية أتعبتني جداً، أبكي ولا أشعر بطعم السعادة في الصلاة للأسف رغم أني حين بدأت أصلي وألتزم لم يحدث لي هذا الشيء الصعب! ما أن أنوي الصلاة وأسمع الأذان ويدخل وقت الصلاة أشعر بخوف شديد جداً لأني أعرف ما سيحصل لي.
وضوء أكثر من مرة، وأحياناً أقطع الوضوء وأرجع للحمام ثانية وتتكرر كثيراً، وأحياناً أخرج من الصلاة! حتى النية قبل الصلاة أشك فيها! لا أدري ما العمل؟ أشك في عدد ركعات رغم أني أحس أني لم أنقص من الصلاة شيئاً، ومرات أسمع أو أتخيل في الصلاة أشياء غير معقولة، والأصعب أنها على الله وأضطر الخروج من الصلاة. بدأ الشك يدخل في أعمال كثيرة وأخاف الدخول في الصلاة رغم أني كنت في فترة ما أدخل إلى الصلاة وأستشعر حلاوتها وأطيل فيها، لكن الآن أحس أني أريد إنهاءها بسرعة بسبب خوفي.
أنا أكتب لحضرتك هذه الرسالة ببكاء وحسرة، أنا أحب الله جداً جداً وأتمنى أن أرضيه لكن هذا الشك يأخذني للوراء، مقصرة جداً مع الله وأخاف الموت على هذا الحال فألقى الله بحال سيء، أحيانا أنهي الصلاة وأعيدها ثانية!. ماذا أفعل؟ أتمنى أن أعود كما كنت سابقاً، حالتي صعبة جداً لدرجة أني حين أكون عند أحد أقربائي أخاف الصلاة عندهم، بل لا أخرج من المنزل من أجل أوقات الصلاة رغم أني حينما تدركني الصلاة وأنا في أي مكان كنت أدخل أي مسجد وأصلي به، لا أدري من أين هذا الشيء المريب المخيف المفزع! ماذا أفعل؟.
9/7/2009
رد المستشار
السلام عليكم، الأخت الكريمة،
أشعر بمعاناتك المريرة وأقدر ما أنت فيه من ألم، لكن رغم صعوبة ما أنت فيه إلا أن حله بسيط جداً في نفسه وإن بدا لك صعباً في بداية الأمر. والذي يسهل عليك تطبيقه معرفتك لحقيقة وساوسك معرفة صحيحة وواضحة، فهذه المعرفة ستدفعك لتطبيق العلاج بارتياح.
أنت تعلمين أن الوسواس مرض، وها أنت ترين أن تصرفاتك تختلف عن تصرفات الآخرين، وعما يجب أن يكون عليه الأمر، وتعلمين أن المرض عذر لصاحبه، وأن أصحاب الأعذار لهم أحكام خاصة في الشرع، لهذا تأكدي أنك مهما شككت في وضوئك وصلاتك، فإنك لن تحاسبي كما يحاسب غير الموسوس، ولن تكون أحكامك كأحكامه، ولا تعدين مقصرة عند الله عزّ وجلّ.
فأما شكك في الوضوء فأنت لم تبيني ما هي وساوسك تماماً حتى أفصل لك فيما تفعلينه تفصيلاً دقيقاً، لكن بشكل عام فإن خير دواء للوساوس الإعراض عنها لأنها أفكار وهمية لا قيمة لها، فلا داعي للقلق منها ولا للعمل بمقتضاها. وتختلف طريقة الإعراض بحسب شكل الوسواس، فإذا جاءك أثناء الوضوء وقال لك: ما غسلت يدك –مثلاً-، فالإعراض يكون بأن تقولي: "بلى، غسلت يدي" وتكملي وضوءك. أو قال لك: ما مسحت رأسك: فقولي: بلى مسحته. وانتقلي إلى غسل رجليك، وهكذا... وإن حصل الشك بعد الوضوء فأنت وغير الموسوس في الحكم سواء، فكلاكما إذا شك في غسل عضو بعد انتهاء الوضوء فليس عليه أن يعيد الوضوء لأن الأصل أنه فعله على التمام.
وكذلك الأمر بالنسبة للصلاة كلما شككت في شيء فتصرفي على أنك فعلته، إن جاء الشك في النية فتابعي صلاتك على أنك نويت، وإن جاء الشك في عدد الركعات فتابعي صلاتك على أنك فعلت الركعة، ففي صلاة المغرب مثلاً، إن شككت هل ما تفعلينه الركعة الثانية أم الثالثة، فتصرفي على أنها الثالثة واجلسي للتشهد ثم سلمي.. وهكذا في كل الأمور. وإن شككت في أمر بعد انتهاء الصلاة، فأنت وغير الموسوس في الحكم سواء فليس عليكما أن تعيدا الصلاة لأن الأصل أن الصلاة مضت تامة.
ولا تخافي من أن تكون صلاتك غير مقبولة على هذا النحو، لأنك تعبدين الله وتحبينه، وهو الذي يأمرك أن تطيعيه على هذا الشكل لأنك موسوسة، والثواب يكون على امتثال الأمر وإن لم يكن مقبولاً في عقلك، فإذا قلقت من عدم الاستجابة فقولي لنفسك: أنا أفعل ما أمرني الله به، ولن يؤاخذني على الشك أو النقص، بل سيثيبني على امتثال الأمر.
في بداية الأمر من المفيد لك أن تقتصري على فعل أركان الوضوء، وأركان الصلاة فقط دون السنن فيهما، فهذا سيجعلك تشعرين بخفة الصلاة وسهولتها، فتعودين للأنس بها بدلاً للجزع والخوف الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى ترك الصلاة بالكلية.
أحياناً يعنّد الوسواس رغم إقناعك لنفسك أن هذا هو أمر الله تعالى، فقولي بحزم: نعم أنا أصلي صلاة ناقصة وبلا وضوء! وأريد أن أصليها كذلك، ولا أريد أن أتمها... وسأدخل الجنة!!! طبعاً قد تجدين أن هذا الكلام غير معقول، لكن الغرض منه ألا تستجيبي لما يأمر به الوسواس.
وبالنسبة للأفكار الوسواسية المتعلقة بالله تعالى فلا دواء لها سوى الإهمال وعدم المناقشة، والانشغال بغيرها عنها كلما داهمت تفكيرك، وهي أيضاً لا مؤاخذة بها ولا تؤثر على الإيمان مهما كان محتواها! لهذا لا تشغلي نفسك بشيء ليس له قيمة ولا تخافي منه.
وكل ما ذكرته لك له أدلة شرعية، ونص عليه الفقهاء الذين استنبطوا الأحكام من نصوص الكتاب والسنة، وعليك بالرجوع إليها في مقالات منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري، لأنها ستزيدك يقيناً بالعلاج، وتهون عليك تطبيقه، كما أنك ستجدين بعض الأمثلة التي ستساعدك أكثر في معرفة ما يجب عليك فعله... وأرجو أن تكوني قد اطلعت على ما كتب في موضوع وساوسك في قسم الاستشارات فكلها حالات مفيدة جداً لك إذا قرأتها.
ثم عليك بالمثابرة والصبر على العلاج مهما طال الوقت فهذا كفيل بإنهاء معاناتك، ولا تجزعي إن عاودتك الوساوس بعد ذهابها أو اشتدت بعد أن تحسنت، فهذا طبيعي في الوساوس، وقابلي ذلك بمزيد من الإصرار والمثابرة على عدم الاستجابة.
كذلك لا تحزني إن غلبتك نفسك في بعض الأحيان فاستجبت للوسواس، بل شجعي نفسك وقولي: هذه المرة فشلت، ولكني في المرة القادمة سأنجح بإذن الله تعالى... وإذا جعلت موقفك من الوسواس موقف تحدي ستجدين نفسك تنتظرين وقت الصلاة لتثبتي أنك قوية هذه المرة، بدل أن تخافي من دخول الوقت لأجل ما سيحصل من وساوس.
أعود فأنصحك وأؤكد عليك بإكثار القراءة في نطاق الوسواس القهري على هذا الموقع ففيه فائدة كبيرة...
أسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل وراحة البال.