أتوق لفرصة تعارف حقيقية..!؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم على ما تفعلونه من أجلنا من محاولات لنشر الوعي والثقافة النفسية والاجتماعية والحياتية.
سامحوني لأن قلمي ليس رشيقاً، ورسالتي لن تحوي موضوعاً جديداً، بل هي معضلة مكررة ونوقشت على الأرجح عشرات المرات، ولكنني ربما أردت التعبير أو الفضفضة عن منطقي الخاص في هذا الأمر وسماع رأيكم فيه.
أنا فتاة في الحادية والعشرين من عمري، تخرجت حديثاً من الجامعة، وفي سن مناسبة للزواج، ولكن فكرتي عن الزواج ووسائله ربما تكون مختلفة قليلاً عمن حولي. في مجتمعنا يسود الزواج التقليدي، أي أن المحيطين بالشاب يرشحون له فتاة مناسبة، ويجتمع بها الشاب في بيت أهلها وبحضورهم، وقد يمتد هذا الاجتماع لجلستين أو ثلاث جلسات، يتبعها السؤال عن الشاب وأهله في حال الارتياح، ثم يتم عقد القران وهكذا.
المشكلة أنني لا أستسيغ هذه الطريقة! لا أشعر أنها توفر فرصة حقيقية للتعرف، ولا التدرج الطبيعي للعلاقات، الأمر الذي أفضله وأعتقد من وجهة نظري أنه منطقي، بل وضروري عند اتخاذ قرار مصيري كالزواج. لا أستطيع تصور نفسي وأنا أجيب بنعم "سأتزوج هذا الشخص" لمجرد أنني جلست معه مرتين أو ثلاث في الصالون مع أهلي!. أنا أفضل أن يتم اللقاء بشكل عفوي من خلال نشاطات الحياة كالدراسة والعمل والتطوع.
أتوق لفرصة تعارف حقيقية أستطيع من خلالها أن أتحاور مع من سأتزوج، وأكتشف تدريجياً مدى قدرتنا على التفاهم والتواصل، بدلاً من مجرد تبادل الحديث حول الميزات والعيوب ووجهات النظر في جلسة يسودها الخجل والصيغة الرسمية لدرجة أنك تظن نفسك في محضر شرطة وليس تعارفاً بقصد الزواج! ولا أعتقد أن أحداً في هذه الجلسة يظهر على حقيقته العفوية التي يظهر بها أمام الجميع.
أعرف أن هذه الطريقة ربما تكون أسلم، لتوافر الكفاءة الاجتماعية والاقتصادية والدينية في لحظة البدء بالتعارف، إلا أنني أعتقد أنها تنافي طبيعتي، ولم أستطع إقناع نفسي بها، رغم أني أصبحت أتمنى الاقتناع بها لما أرى من مجتمعي من استساغة لهذه الطريقة، وتهيّب من الطرق الأخرى التي تعتمد على التعارف العفوي بين الرجال والنساء في الدراسة أو العمل.
هل قناعتي هذه خاطئة؟ وهل الزواج التقليدي هو الأسلم لي مع الأخذ بالاعتبار طبيعتي التي تميل إلى أن تكون مع من ارتاحت له واعتادت عليه؟ وإذا كان الزواج بالصيغة الأخرى يصطدم بغياب ركن من أركان التكافؤ كالتكافؤ الاجتماعي أو المادي، فهل بالضرورة أن يؤثر غياب هذا الركن على فرص نجاح هذا الزواج على الرغم من توافر ميزة أخرى هي التفاهم أو الانسجام أكثر بين الشخصين نفسيهما في الأفكار والقناعات والطباع؟ ألا أستطيع بنفسي الحكم على قدرتي أو عدمها على استيعاب مثل هذه الفوارق؟ هل بالضرورة كل بنت من بنات حواء ساذجة لا تستطيع اتخاذ قرار بمفردها دون أن يتخذه أحدهم عنها؟
ثم في النهاية، أليس اختيار شريك الحياة أولاً وأخيراً هو اجتهاد بشري يحتمل الخطأ؟ وإذا وقع مثل هذا الخطأ، هل بالضرورة أن يعني ذلك أن مرتكبه غبي اجتماعياً ومحكوم عليه بالشقاء أبداً ويستحق اللوم لأنه "اللي من إيده الله يزيده"؟ تقولون لي: "في الزواج.. الصورة الكلية أهم" وكيف لي أن أرى الصورة الكلية وأنا لم أرَ شيئاً من هذا الشخص على وجه الواقع؟ أليس الحكم على كل متقدم بوصفه مجموعة من المواصفات حكماً قاصراً جافاً؟ ألا يمكن أن يفوت علينا معرفة شخصية جميلة لمجرد أن المستوى المادي متوسط أو بيت العائلة بسيط؟ وهل الزواج التقليدي هو قالب واحد مناسب للجميع على اختلاف طبائعهم؟ قد يرى بعضهم أن طريقة تفكيري هذه متحررة، ولكن أليست أقرب للطبيعة الإنسانية لشريحة من الناس على الأقل؟ هل فرض الله علينا ما لا يتفق مع فطرتنا أو فطرة بعضنا على الأقل؟ أنا لا أعتقد ذلك، وأنا من الناس الذين يستفتون قلوبهم، وأؤمن أن داخل كل منا بوصلة تعرف الله وتعرف ما يريده بغض النظر عما يفتيه الآخرون..
أرحب بآراء الجميع،
ولكنني أرغب خصوصاً برأي الدكتور أحمد عبد الله، فأنا أقرأ له وأحب آراءه..
08/10/2009
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك يا أختي العزيزة، "فلسطينية"، وأهلاً بهذا النوع من الاستشارات التي تنم عن الوعي وتنم عن عقل يفكر.
أولاً يا صديقتي، أعتقد أنك تتكلمين عن الموضوع بتجرد ودون وجود شخص ما في حياتك، وإذا كان ظني صحيحاً، فإليك رأيي في الأمر:
أولاً، المطلوب من اللقاءات التي تجمع الشخصين في ظل العائلة هو التعارف الحقيقي وليس مجرد تزيين الأمور والاكتفاء بالظاهر، والأصل في الشريعة أنه يحق للشخصين الاستمرار بهذه اللقاءات إلى أن يقتنع الواحد منهما تماماً بالآخر وليس فقط أن يتم عدد اللقاءات إلى ثلاثة ثم يتخذ قراره حتى بدون قناعة كاملة. كما يطلب في هذه اللقاءات أن يتمكن الشخصين من التحدث في زاوية من الغرفة مثلاً بحيث لا يكون في الأمر خلوة شرعية كما لا تصبغ اللقاء صبغة الخجل والمجاملة بسبب اطلاع الجميع على فحوى الحديث. بهذين الشرطين أعتقد أن الأمر أصبح متقبلاً أكثر بالنسبة لك وأعتقد يا أختي أنك قد تستطيعين الحصول على هذا الحق بما أنك لم تبتعدي كثيراً عما هو مقبول في مجتمعك.
وما ذكرته عن مجتمعك هو تماماً ما هو موجود في مجتمعي أنا شخصياً وما ذكرته أنا لك عن طريقة اللقاء كان بالضبط ما فعلته أنا عندما تزوجت وسأخبرك كيف كانت النتيجة: استطعت أنا وخطيبي (الذي أصبح زوجي فيما بعد) التعرف على بعضنا بعضاً بشكل ممتاز ضمن لكل منا أن قراره بالزواج من الآخر ليس خطأً، وخصوصاً أننا كنا حريصين على أن تحتوي لقاءاتنا فعلاً على ما يجعلنا نكون فكرة واسعة وعميقة كل عن الآخر. وفي طريقة التعرف الصحيحة بين الخطيبين مجموعة للأستاذ جاسم المطوع اسمها على ما أذكر "أحسن خطبة" وقد فرغها الأخ د. ملهم الحراكي في مقالة منشورة على موقع صيد الفوائد واسمها أسس اختيار الخطيبة أو الخطيب، احصلي عليها وستجدين فيها طريقة ممنهجة لدراسة الطرف الآخر. وبعد هذه المرحلة عقد القران وتعرفت أكثر فأكثر على هذا الشخص ولم يتغير أي شيء في رأيي تجاهه وحتى الآن ومضى على الأمر سنين ما زال رأيي هو ذاته إلا أنني أصبحت بالطبع أعرفه بصورة أكثر دقة وهذا حال المتزوجين سواء كانوا على معرفة ببعضهم قبل الخطوبة أم لا.
أما بالنسبة للطريقة الثانية من الزواج والتي هي عبارة عن تعارف من خلال العمل أو الدراسة بعيداً عن العائلة فإليك هذه الفكرة: الإسلام لا يحاسبنا على مشاعر نحتفظ بها ما لم تتحول هذه المشاعر إلى سلوك، فإن أنت أعجبت بشخص ما، لم يكن في الأمر إثم أما أن تخرجي معه وتتوسعي في الحديث معه بدون أن يأخذ الأمر صبغة رسمية فقد بدأت باقتراف الإثم وللتوسع في هذه الفكرة اقرئي لو سمحت على مجانين: إما غريب أو خطيب! وما يحصل في العادة من لقاءات خارج نطاق الأسرة وبقصد التعرف والتقارب فتأكدي يا عزيزتي أن الأمر ليس بصالحك ولو كان كذلك لما حرمه الله .
أما عن التكافؤ فالأصل يا أختي أن صحة العلاقات وسلامتها يتحقق كلما كان التكافؤ أعلى، ولا أعني بذلك أن القليل من عدم التكافؤ يسبب عدم استمرار العلاقة فلكل قاعدة استثناء، ولكن لم تحكمين أن من ستقابلينه في مجالات الحياة لا بد وأن يكون غير مكافئ لك؟! أما إن كنت تتحدثين عن شخص بعينه فالأفضل لك أن توضحي الأمر حتى تكون الإجابة محددة، ونحن بانتظارك لو أردت المتابعة.
إليك نصيحتي التي ستختصر لك كل الصعوبات توجهي إلى الله تعالى واطلبي منه أن يجمعك بشريك صالح وأن يجعل ذلك بطريقة شرعية لا يغضب بها عليك وأن تساير هواك وإنشاء الله سيتحقق المطلوب. أما يا حبيبتي عن قدرة حواء على اتخاذ القرار بمفردها فالشرع اشترط لصحة العقد موافقة الأنثى إلا أنه وضماناً له بأن لا يضيع حقها طالب أيضاً بموافقة وليها بل وأمها أيضاً. كل ذلك حتى لا تنفرد بالقرار فتضيع حقاً لها نتيجة انجذاب مشاعرها أو غفلتها لأي سبب. أفلا تؤمنين معي أن الله تعالى العالم بالنفس البشرية وبنقاط ضعفها وبنقاط قوتها وضع الشريعة التي تحرص على المحافظة على الحقوق وعلى كرامة كل من الطرفين وأراد لهذا الحكم الشرعي أن يناسب كل زمان ومكان وبشر.
بعد كل ما قلته أقول لك: عندما يأذن الله تعالى أن تقابلي من سيكون شريك حياتك فإنه عز وجل سيسهل لك الموافقة وسيجمل لك طريقة اللقاء حتى لو كان الأمر عن طريق الأسلوب المعروف في مجتمعكم.
تفضلي واقرئي:
الزواج وعلاقته بالقضاء والقدر
الديب فريزر
ويتبع>>>>: محضر شرطة أم طلب تعارف للزواج مشاركة