بعد كل هذا الغرام..!؟
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أشكر سعة صدركم. تزوجت وعمري 19 سنة، وزواجي تم كردة فعل بعد خلاف بيني وبين خطيبي الذي خطبني من أبي وعمري 12 سنة أو أقل، لكن لم يكن بيننا شيء غير السلام وفقط. حين صار عمري 16 سنة بدأ الحديث في حضور أهلي، كان يتكلم مع أهلي وأنا أسمعه وبدأت بيني وبينه الكلام، كان في عيني كل شيء: الأب والأخ، وكان كل شيء بالنسبة لي. استمرت علاقتنا 10 سنوات وعرفت كل عيوبه وقبلت بها، وكان له دور في تربيتي؛ فهو الذي يمنعني من الخروج، وهو الذي يحدد لي ملبسي، وإن رآني أعمل شيئاً يؤنبني ويراقبني من بعيد، وأعترف أنه أول حب وآخره. عندما دخل الجامعة دخلت في مجاله، كنت أحس أنه ولدي أخاف عليه أكثر من نفسي.
بعد كل هذا الغرام، جاء يوم واختلفنا على شيء فهمت بعد فوات الأوان أنها الغيرة، والمؤسف أنني بحماقتي قررت ألا أعود إليه، ورغم علمي أني لا أقدر على ذلك وهو يعلم أنني لا أستطيع تركه فكان واثقاً مني. وجاء قدر الله بأني ذهبت إلى ابن عمه الذي أبدى إعجابه بي وهو يعيش في الخارج، وهو أمل كل فتاة أن تتزوج من غنيّ، المهم أني طلبت منه أن يتزوجني وبسرعة وإلا سأرجع عن كلامي، وفعلاً صارت خطبتي لكني فعلاً لم أستطع المواصلة لكن كان الموقف حرجاً؛ أمي وأبي وقفا ومنعاني من التراجع، وكانت هناك أيضاً محاولات من خطيبي ولكني أعتبر أنه قضاء الله وتم الزواج.
لم أشعر بالراحة أو الطمأنينة أبداً معه، ولا فرحت أول أيامي، لكن في هذه الفترة صار لدي ولدان ولم أرتكب أي خيانة أو ما شابه، وزوجي لديه عيب خلقي في عينه، لم أحبه أبداً وأشعر أني غير مستقرة خلاف أننا لا نتفق. أشعر أن حياتي متوترة، فهو لا يملأ عيني ولا أرتاح في حضنه، أشعر وكأن شيئاً ينقصني، أشعر بحنيني إلى خطيبي لكن... أعلم أنه أصبح ماضياً لن يعود، وطالما أقول لزوجي أن ننفصل وهو لا يرغب في ذلك لأنه يحبني لكني من داخلي لا أريده، هي حقيقة مشاعري التي أهرب منها في وجود أولادي، لقد صرت محتارة ما بين قلبي وأحاسيسي وعدم اعترافي به كرجل لي، وبين الواقع الذي أصبح مرّاً لي، هل أستطيع الصمود أكثر أم ماذا؟ وهناك أيضاً ما يؤنبني فهو يرغب بي دائماً ليقضي وطره وأنا لا أحب ذلك، وأعترف لكم في هذا أنني ممثلة بارعة ولا أعلم إن كان يشعر بتمثيلي أم لا! وقد مثلت الحب طوال هذه السنين وأتمنى ألا يطول تخبطي هنا وهناك، فقد بت أحتار من نفسي! وأعترف لكم أني عديمة الاستقرار وبدأ هذا يؤثر على أولادي.
شكراً لكم لسعة صدوركم
ووفقكم الله.
26/02/2010
رد المستشار
لم تتمكني من استحضار العقل والتصرف باتزان طوال سنوات عمرك الماضية، وكانت النتيجة تهور واتخاذ قرار مصيري من طفلة وكأنه قرار يومي عادي! لكن اليوم تغير الحال، وصار استحضار عقلك واتزان تصرفاتك أمر واجب وفارق في حياتك، لأنك لست نفس تلك الفتاة الصغيرة ذات الثانية عشرة ربيعاً، لكنك سيدة وأم لطفلين وليس من حقك أن تجعليهما يدفعان ثمن رعونتك أو هُزال موقف أهلك من قصص حبك وزواجك غير المتزنة.
ولنتناقش معاً بطريقة منطقية، فانظري معي لمعظم مشاعرك السلبية تجاه زوجك تجدينها لا تعود لصفات زوجك أو سلوكه؛ فلم تقولي مثلاً أنه بخيل أو يضربك أو يكرهك أو لا يهتم بأولاده، ولكن قلت عيب خلقي، يحبك، يرفض انفصاله عنك، يرغب فيك دائماً! فأنت تزيفين الحقائق وتطوعينها عنوة لتبرري مشاعرك التي بدأت تتسلل لنفسك نحو الحبيب الأول، وكأنك أفقت الآن على ما حدث بعد أن أصررت وتزوجت لسنوات أنجبت فيها طفلين! وأسميت حياتك مع زوجك زيف، في حين أن الزيف الحقيقي الذي لا تدركينه هو تصورك السطحي لإمكانية الرجوع للحبيب الأول أو التخلص من أثر السنوات السابقة عليك وعلى محبوبك السابق وزوجك كأن شيئاً لم يكن؛
فلتنضجي لمرة واحدة في حياتك وتتعرفي على نفسك وعلى الحياة دون العيش في دائرة الاكتئاب والعويل على الحظ العاثر، فالاكتئاب والحظ العاثر بريئان مما أنت فيه، حبيبك الأول لم يعد كالسابق؛ فالسنوات التي مرت عليك مرت عليه، وكما غيرت فيك الكثير غيرت فيه أيضاً، ولا يوجد الرجل الذي يظل يعيش على ذكريات الماضي وتمني لقاء الحبيبة التي تزوجت وأنجبت من ابن عمه بعد مهزلة ووضع مأساوي لينسى ما فات ويبدأ من جديد إلا في الأفلام البلهاء، ولو أخذت خطوة انفصالك عن زوجك ستتجرعين مرارة جديدة من العيار الثقيل، وستندمين على تفريطك في بيت كان قائماً وأطفالاً لم يعرفوا في الحياة سوى أمهم وأباهم، وزوج استطاع أن يسامح ويغفر لك تمثيلك الذي لا شك يشعره، ويغفر لك رفضك له بالتلميح والتصريح في كل موقف، وستعضين أناملك حين تعودين وحيدة مطلقة لا تجدين لنفسك متنفساً ولا يداً تربت على كتفيك من أهل أو مجتمع من العالم الثالث لم يذق طعم المدنية في التصرف ولا التفكير.
ولم أقصد أبداً أن أقسو عليك ولا أن أزيد همك، ولكن أردت أن تفيقي قبل أن يفيقك جحيم الطلاق أو جحيم الحليم الذي تتزوجينه إذا غضب؛ فيقتلك بزواجه من أخرى أو بخيانتك؛ لأنك ترفضينه ولا تقدرين حبه لك، فلتحوّلي تمثيلك تجاهه لحقيقة وستتمكنين من ذلك حين تكفين عن غلق كل منفذ لترينه على حقيقته بعيداً عن عيبه الخلقي الذي أراد الله سبحانه لبعض البشر أن يجعل عيوبهم في وجوههم ظاهرة، وبعضهم الآخر في دواخلهم في الخفاء، لا تظهر لكنها أخطر في كونهم خونة أو بخلاء أو عديمي الأخلاق والشرف.
انظري إليه كزوج يحبك ويتمنى رضاك ويسعد بتكوين أسرة أنت ربتها، فلتحبي فيه حبه لك، لو فعلت ذلك بصدق وبرجاء شديد من الله سبحانه ستهنئين به وستحبين حضنه وستشعرين بالأمان بين ذراعيه، فلو أردت أن أقص عليك مئات القصص لزوجات تتمنى مشاعر حب من زوجها أو رغبته فيها لشعرت بالنعمة التي تحيين فيها دون أن تقدرينها، فلتُعلي صوت العقل والمنطق، وخبرات الحياة الحقيقية وحقيقة النفوس لمرة واحدة في حياتك لتفوزي بالرضى والسعادة ولو بعد حين، ونحن هنا من أجلك نسمعك ونتابع معك تطورك دون خجل ودون قسوة إلا في موضعها الصحيح.