هكذا الدنيا يوم يسر، ويوم عسر!
السلام عليكم،
أنا فتاة سأبلغ 24 قريباً، تخرجت من كلية الهندسة إلا أني لا أجد عملاً وهذا يجعلني سجينة البيت، أصبحت أفكر فقط بالارتباط على الرغم من عدم اهتمامي به سابقاً لكن الوحدة هي السبب. كنت سابقاً (حتى السنة الثانية من الجامعة) كل ما أتمناه يتحقق وحدثت معي أمور جميلة كانت تمنحني ثقة بنفسي، لكن بعد ذلك تغيرت أحوالي بالمقلوب ودون سبب! كأن تعبت جسدياً ونفسياً وتراجعت دراسياً إلى مستوى الرسوب وابتعد عني كل من أحب دون سبب، عشت بهذا المستوى حتى السنة الخامسة قررت أن أعرض نفسي على أحد الشيوخ الذي أكد لي أني أعاني من السحر وقد أحسست بذلك عنده بسماع القرآن.
بدأت بالعلاج وبدأت أموري تتحسن قليلاً حيث أصبحت أنجح بالامتحانات، وأصبح الخطاب يطرقون بابي، إلا أن الأمور كانت تتعرقل دون سبب!
وبعد فترة عادت أموري كسابق عهدها، ولا أرغب في الذهاب لأحد لأني مللت من الأمر برمته! لكن أحوالي المتعسرة ستجعلني أجن وأكلّم نفسي فأموري جميعها، متعسرة جداً جداً إلى أن وصلت إلى درجة أحس فيها أن الموت هو الحل الوحيد. ساعدوني، الفراغ سيقتلني!.
09/04/2010
رد المستشار
وعليكم السلام يا سحر،
ما ذكرته من وضعك (عادي) فكلنا نمرّ به بين الحين والآخر!!
الدنيا يوم يسر، ويوم عسر! وكل البشر يدخلون في قانونها... ولهذا علينا أن نتعلم كيف نعيش اليسر، وكيف نعيش العسر، حتى لا تتأثر نفسياتنا تأثرًا بالغًا، فضلاً عن تأثر ديننا...
بكل بساطة يا أخيتي: تمرّ علينا أحوال من اليسر مهمتنا فيها أن نعمل ونعطي. وتمرّ بنا أحوال من العسر مهمتنا فيها أن نصبر ونرضى. وفي كلا الحالين نحن نقوم بما يرضي الله تعالى. فلماذا الحزن؟
لا أطلب منك الملائكية يا سحر، ولكني شخصيًا - أشعر بالسكينة وقوة العزيمة عندما يكلمني أحد هذا الكلام وأنا في حالة عسر. وقد يكون الإنسان عالمًا بما يقال له، لكنه يحب أن يسمعه من شخص آخر يقوي عزيمته ويأخذ بيده.
قبل كل شيء، يجب أن يكون عندك يقين واعتقاد جازم، أن ما تمرين به الآن هو الخير لك في دنياك وآخرتك فيما لو صبرت...
كيف؟ هذا سينكشف لك بعد حين، وحين يقدر الله تعالى زوال الغمة التي أنت فيها...
ربما يريد الله تعالى أن يغير وجهتك واهتماماتك في الحياة، إلى أمر آخر أنفع لك وللعباد، وأن يهيئك له من خلال هذه المحنة...
كذلك يريد أن يمتحن صبرك وقوة إيمانك...
ويريد أن يذيقك حلاوة التضرع والالتجاء إليه، إذ يسوقك البلاء سوقًا للدعاء...
ويريد أن يعلمك أشياء لم تكوني لتنتبهي إليها لولا هذه الغمّة....
وغدًا عندما ينقشع الغمام تنسين الآلام، وتبقى الفوائد والمعارف التي خرجت بها....
لما تعانين منه نهاية لكن اصبري...
أمر آخر أريد أن أقوله لك: ما هي الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الإنسان؟ أشياء كثيرة طبعًا لا تدخل في الحصر!! فلماذا تحصرين مواهبك والأعمال التي يمكن أن تنجزيها بالخروج من المنزل، والعمل في مجال الدراسة، أو بانتظار الزوج المصون والدّر المكنون؟!!
أينما وجدت نفسك تعملين وتنجحين فتابعي العمل ولا تتوقفي...
أقول لك شيئًا: مرت علي في الفترة الماضية عدة سنوات تعسرت فيها دراستي وانقلبت أحوالي، على النحو الذي ذكرته.. فماذا فعلت يا ترى؟ بدأت يا سحر أتعلم خياطة الملابس، بل واشتريت آلة خياطة خاصة بي!! وخططت لشراء دكان أعمل بها، وفعلاً ذهبت وشاهدت دكانًا كنت أنوي شراءها!!!
تضحكين؟! كنت أقول لأهلي: (أنا قررت أعلق شهاداتي على الجدار، وأعمل بائعة، أو خياطة)!! [وتخيلي ما حلّ بهم من الأسى من هذا القرار!!] هل يعني تعسر الدراسة أنني فاشلة؟ بالطبع لا!! عندي الكثير لأعمله!! وعندي مجالات كثيرة أبدع فيها...
تعجبي يا أختي... تعجبي!! بعد التدريس في الجامعة، وبعد وصولي إلى الدكتوراه في الفقه، قررت أن أفتح دكان!!
قرار مضحك! لكنه أعطاني كثيرًا من الدفع، حيث شعرت -أنه رغم كل الظروف-، لا زال هناك كثير من الأعمال أستطيع فعلها... وأنه لو تعسر شيء كنت أرغب به، فهذا لا يعني نهاية الدنيا...
كذلك كان تعسير الدراسة والعمل في اختصاصي فرصة لي لأتعلم أشياء ومهارات أخرى لم أكن أجد لها وقتًا!! وقد بقيت هذه المهارات معي الآن بعد أن ذهبت المحنة، وبدأت الأمور تعود إلى نصابها بفضل الله تعالى...
كما بقي معي كنز من المعارف أهمها أن النجاح لا ينحصر في شيء واحد... كذلك كنز من الثقة بالله، وبالنفس.
ولا يعني هذا أبدًا أنني كنت أضحك دائمًا!! فقد كنت أحزن ككل إنسان تتعسر أموره، وأتألم مما يجري... وكثيرًا ما أبكي، وأشتكي لمن أثق بهم!
ولكن لن أستسلم! سأعمل يعني سأعمل حتى في الأعمال التي يعمل فيها الأميون!!
هيا قومي، وانفضي غبار الأوهام عنك... هناك كثير من الأعمال تنتظرك، وقد لا تجدين فرصة فيما بعد لإنجازها...
داومي على ورد من الآيات القرآنية، والأذكار النبوية المباركة –صباح مساء- لتحميك من السوء، ومما قد يلم بك من أذى.
تعلمي من أعمال المنزل والمهارات اليدوية المختلفة ما كنت تجهلينه.
قومي بزيارة المرضى وكبار السن في عائلتك، ومساعدتهم وجبر خاطرهم، عسى الله تعالى أن يجبر خاطرك ببركة ذلك...
التزمي بمعهد لتحفيظ القرآن الكريم، فتدربي على التلاوة المجودة، ثم احفظي ما تيسر لك من كتاب الله تعالى...
سجلي في دورة لتعليم الخط العربي –مثلاً- أو الحاسوب، أو إحدى اللغات الأجنبية، أو غير ذلك مما تهوينه...
هناك الكثير الكثير، لكن إن لم يكن لك هدف من كل هذه الأعمال فستشعرين بالفراغ وإن لم تجدي وقتًا لحك رأسك!! لأنك ستبقين تسألين: وماذا بعد ذلك؟ ولماذا أقوم بذلك؟
ضعي في ذهنك هدف: (أن ترضي الله تعالى على أي حال كنت)، واحتسبي أجرك عنده، ثم اختاري من الأعمال ما يسره الله لك، ولا تتوقفي...
ولا بأس –مع هذا- أن تستشيري طبيباً نفسياً، وتذكري له أحوالك تفصيلاً، إذ ربما تحتاجين للعلاج الدوائي لتحسين وضعك النفسي ومساعدتك على النهوض والعمل...
أعانك الله تعالى وفرّج عنك.
واقرئي على مجانين:
أصبحت الآلام جزءًا مني ولا أرغب في أن تزول
اكتئاب مزمن بتفاصيل عديدة م2
عبير والاكتئاب في العشرين م2
الحياة نعمة ومسئولية
اكتئاب مروة متابعة1