السلام عليكم
مشكلتي هي أن لدي أفكارًا كفرية تبقى في بالي لا تفارقني أبدًا، عندما أستيقظ، وعندما أنام، وفي الصلاة وفي غيرها،
سألت عنها كثيرًا، وأخبرت بأنها وساوس لا تؤثر، ولكن أحس أني مسئول عنها، وأنني أكفر من ورائها،
علمًا بأن الأفكار كانت تلازمني منذ صغري، وعمري الآن 17 سنة تقريبا،
فأرشدوني جزاكم الله خيرًا.
10/6/2006
رد المستشار
الأخ السائل العزيز، كان الله في عونك فمعاناتك هي واحدة من أشد أشكال المعاناة التي يقابلها الطبيب النفسي في مرضى الوسواس القهري، وما تشتكي لنا منه هو أحد أشكال الأفكار الاقتحامية: وهذا شكل من أشكال الأفكار التسلطية المتعلقة بالدين تقتحم الفكرة فيه وعي الشخص المؤمن رغمًا عنه عندما ينوي الوضوء أو الصلاة مثلاً، أو عندما يمسك كتاب الله عز وجل أو عندما يتلو لفظًا معينًا من ألفاظ القرآن الكريم، وأحيانا تقتحم الفكرة وعي المريض بلا مقدمات أو سبب واضح، وأحيانًا تتحول إلى أفكار اجترارية عندما تبدأ الأفكار التشكيكية أو التجديفية (أو الكفرية كما تسميها).
وقد يأخذ هذا النوع من الأفكار أي شكل من الأشكال بحيث يكون المحتوى منفرًا ومزعجًا ومتنافيا تمامًا مع طبيعة ذلك الشخص وأشهرها (من ناحية معرفتنا به)، بينما هو من أقل ما يشتكي الناس منه في مجتمعاتنا، ليس لأنه غير موجود، ولكن لأن الناس لا يستطيعون تجاهه إلا الصمت، وذلك هو الشكل الذي يشكل محتواه تجرؤًا على الذات الإلهية Blasphemous Thoughts.
ومثل هذه الأفكار بالطبع ترعب الإنسان المؤمن، وقد تبين أنها في أغلبها تتبع اضطراب الوسواس القهري، وليس كيد الوسواس الخناس (الشيطان)، فلم تكن الاستعاذة اللفظية بالله كافية أو مفيدة وحدها كعلاج للحالة المرضية في أكثر من 85% من الحالات في دراسة قمنا بها لتقييم فاعلية الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كعلاج وحيد أم بالإضافة إلى تناول أحد عقاقير الماسا، والتي تعالج مثل هذه الأفكار بنجاح كبير بفضل الله.
وأنصحك إن أردت معرفة كل شيء عن الوسواس القهري وعن عقاقير الم.ا.س.ا واستخدامها.
والمنتظر منها أن تتابع ما تأخذك إليه الروابط السابقة وأن تقرأ الإجابات السابقة التالية على صفحة استشارات مجانين:
الم.ا.س والم.ا.س.ا واحتمال الخطأ
(م.ا.س) و(م.ا.س.ا) .. هل "يخربطوا" الدماغ
الصبر على الم.ا.س يمحو الوسواسونعود بعد ذلك إلى شعورك بأنك مسئول عن هذه الأفكار لنؤكد لك أنك واهم؛ لأن مثل هذه الأفكار أولاً ليست إرادية ولا حتى الخلاص منها إراديا، وكما ذكرنا في أكثر من رد لنا من قبل فإن أحكام الشرع الإسلامي تتعلق بأفعال المكلفين الإرادية، وليست الأفكار التسلطية سواء كانت اقتحامية أو اجترارية بأفكار إرادية أبدًا، فضلا عن أن تكون أفعالا.
وثانيا أن مثل هذه الأفكار كما هو راسخ في خبرة كل طبيب نفسي يهتم بفهم مرضاه فهما تامًا، مثل هذه الأفكار التي تحمل تجرؤًا على الذات الإلهية لا تصيب إلا الأشخاص المتدينين أو الذين يكون التدين عالي القيمة داخل نفوسهم، ولعل في الحديث الشريف التالي ما يفيدك في الفهم:
فقد روي أن أحد الصحابة قال للرسول صلى الله عليه وسلم: "إني لأجد في صدري ما تكاد أن تنشق له الأرض، وتخر له الجبال هدًّا"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوجدتموه في قلوبكم.. ذلك صريح الإيمان"، ثم قال: "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة"، رواه مسلم وأبو داود وأحمد عن أَبي هريرة رضي الله عنه، وفي حديث آخر: "إن الشيطان ليأتي أحدكم فيقول له: مَنْ خلق الشمس؟ فيقول: الله. فَمَنْ خلق القمر؟ فيقول: الله. فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله"، رواه مسلم عن أَبي هريرة رضي الله عنه، وذلك حتى يقطع الإنسان هذه الوساوس.
ومن الأشياء التي يهم في رأيي أن تعرفها أن أفكار السب أو التطاول التسلطية التي تشكل إحدى دعائم اضطراب الوسواس القهري قد تحدث لكل بني آدم على اختلاف دياناتهم، وهذا ما يبين لنا أنها ليست من فعل الشيطان الرجيم في غير حالات المرض بالوسواس القهري.
فليس معنى أن الرسول عليه الصلاة والسلام نسب بعض هذه الأفكار إلى فعل الشيطان الرجيم هو أنها كلها من فعله، فقد يكون في بعض الحالات دور للشيطان في بداية الفكرة الاقتحامية أو الأفكار الاجترارية، لكن هذا الدور ينتهي بمجرد الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لأن الشيطان بنص القرآن الكريم هو الوسواس الخناس، ولم يوصف بالوسواس فقط في نص القرآن أبدًا؛ لأنه إن لم يخنس (أي يختفي ولو لفترة) عند ذكر الله والاستعاذة به سبحانه، فإنه لا يكون الشيطان، وبالتالي فإن هذه الأفكار متسلطة على تفكير الإنسان رغم الاستعاذة تعني أنه مصاب بالمرض ويحتاج إلى علاج بالعقاقير، إضافة إلى علاجات نفسية أخرى كما شرحنا سابقا.
وسؤال آخر أهمس به في أذنك هو ما رأيك في مريض بوذي الديانة تأتيه أفكار اقتحامية واجترارية تسب بوذا فهل الشيطان هو المسئول عن ذلك؟ منطقيا لا بد أن تكون الإجابة لا، بل إنني قابلت من المرضى من تأخذ أفكار السب عندهم شكلاً آخر وهو سب شخص يحترمه المريض كالأب أو العم مثلاً (طبعًا سب داخل رأس المريض، ولا يخرج من فمه أبدًا)، كما صادفت من كان فكرته التسلطية تتمثل في سبه لزوجته التي يحبها ويحترمها، وهكذا فإن الأمر ليس مقتصرًا فقط على الأمور الدينية.
ما تعاني منه يا أخي السائل هو مرض يسمى اضطراب الوسواس القهري، وإن كنت لم تذكر لنا الأفعال القهرية التي تنتابك إن كانت موجودة، ونريدك أن تقرأ الإجابات السابقة على استشارات مجانين والتي تناولت موضوع اضطراب الوسواس القهري:الوسواس القهرى : أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعي
وسواس القولون عند المسلمين: نموذجٌ أوضح
أنواع الوسواس خناس ولا خناس
التفكير السحري عند الموسوسين
نعم هو الوسواس القهري بحذافيرهلكن النقطة المهمة في حالتك هي أنك في مرحلة المراهقة والأفكار بدأت معك منذ كنت صغير السن كما قلت في إفادتك، وهذا يعني أن حاجتك للعلاج ملحة الآن قبل أن تبدأ مضاعفات الوسوسة في الظهور عليك، ومن أهمها اضطراب الاكتئاب الجسيم، ليس لأن هذا يجعل الحالة أصعب في العلاج، بل لأن الاكتئاب سيجعل حياتك أكثر صعوبة وقدرتك على العيش في مستوى أداء يوافق قدراتك وملكاتك وسيحد إلى حد كبير من تقدمك الدراسي والحياتي إذا لم تطلب الشفاء من الله سبحانه، والعلاج من عند الطبيب النفسي المختص، وعليك بالاستماع إلى نصائحه والالتزام بما يطلبه منك،
وتابعنا بأخبارك.