الوضوء والصلاة
أنا عضو هيئة تدريس بكلية الطب، مصرية من أسرة ثرية. كانت حياتي سعيدة وتسير على ما يرام، إلى أن كنت أطالع موقع ابن باز في أحد الأيام منذ ثماني سنوات، وقرأت فروض الوضوء والصلاة وواجباتها عند ابن باز وأحمد ابن حنبل فانقلبت حياتي رأسا على عقب من يومها، وأصابني مرض الوسواس القهري منذ هذا اليوم التعيس في حياتي، فأنا تربيت في المدارس المصرية على المذهب الشافعي والحنفي، وظللت أتوضأ وأصلي بالتعاليم التي تعلمتها في المدرسة إلى أن اكتشفت أن التسمية والمضمضة والاستنشاق ودعاء الاستفتاح وربي اغفر لي بين السجدتين من واجبات الصلاة والوضوء.
المشكلة أنه كان عندنا خادمة صغيرة وأنا صغيرة، أمية، كانت لا تصلي ولا تعرف أي شيء عن الوضوء والصلاة. المهم جذبت انتباهي فحاولت أن أحفظها سورة الفاتحة حتى تصلي بها ولكني فشلت فتركتها، وهي كانت غير مهتمة في نفس الوقت.
المهم مرت الحياة إلى أن قرأت موقع ابن باز فانقلبت حياتي، حيث تخيلت أنني علمتها الوضوء والصلاة خطأ وأنني سأكون سببا في خلودها في النار، وتدهورت حالتي النفسية، وقد كنت من النابغين في كليتي وفي مجال عملي فانقطعت عن كل هذا وذهبت إلى أحد أساتذتي في مجال الطب النفسي وبدأت أخذ الأدوية منذ ذلك اليوم..
المهم أنني نجحت في الوصول إلى الخادمة ووجدتها أمية كما هي وحاولت أن أقول لها كل ما علمته، المهم أنه يصيبني الشك أننى لم أقل لها كل واجبات وأركان الوضوء والصلاة فتسوء حالتي النفسية.
أبي وأمي عندما وجدوني هكذا، نصحهم الطبيب النفسي بتغيير الجو لي فسافرت إلى الخارج إلا أنني صممت على الرجوع إلى مصر حتى أتأكد أنها تفعل الواجبات في الوضوء والصلاة، ورجعت مصر في اليوم التالي.
المهم أن حياتي تدمرت وأصبحت لا أستطيع أن أنظر إلى أحد يتوضأ أو يصلي فتنقلب حياتي، وخصوصا الأميين منهم الذين لا يدركون كيفية الوضوء والصلاة، فأكون أنا المذنبة!!
إنني أعرف ماهية هذا المرض بحكم وظيفتي. أصبحت الحياة عندي بلا طعم، أذهب إلى عملي وأعود، وأفعل نفس الروتين اليومي إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا!
لقد كرهت ابن باز وأحمد ابن حنبل فقد دمروا حياتي بعد أن كان مستقبلي مرموقا.
طبيبي النفسي ينصحني بألا أكلم أي أحد عن الوضوء والصلاة حتى لو كان يتوضأ أو يصلي خطأ لأن هذا هو علاجي لكني غير مقتنعة خصوصا مع الأميين الذين لا يعلمون كيفية الوصول إلى المعلومة الدينية الصحيحة. وأننا نحن المتعلمين مسؤولون عن تعليمهم، ولكن هذا يمرضني فماذا أفعل؟
لقد ندمت ندما شديدا أنني حاولت تعليم هذه الخادمة شيئا.
إنني أنتظر ان أموت خلاصا من هذا العذاب. ماذا أفعل؟؟؟؟
10/6/2013
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك يا دكتورة؛
بالنسبة للناحية الطبية أعتقد أنك تعرفين أكثر مني، بحكم مهنتك وما أملاه عليك طبيبك...
سامحك الله، فقد ألصقت بلاءك بالإمام أحمد وبالشيخ ابن باز مع أن العلة عندك لا عندهما، كم من شخص متبع لهما ولم يوسوس، الوسواس عندك أنت!
وحسب ما كتبته لديك شبهتان:
الأولى: تتعلق بحقيقة الاجتهاد واتباع أقوال الأئمة.
والثانية: تتعلق بحكم تعليم الآخرين الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما الاجتهاد إذا كان مبنيًا على أدلة، فالحكم الناتج عن هذا الاجتهاد يجوز اتباعه، والعمل به صحيح وإن خالف غيره من الاجتهادات ولا يلزم الإنسان أن يجمع بين جميع الاجتهادات...
وأوضح وأصرح دليل على هذا الكلام، ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا لما رجع من الأحزاب: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة». فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها. وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك. فذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعنف واحدًا منهم.
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم، لما رجع من غزوة الخندق أراد الذهاب إلى يهود بني قريظة الذين غدروا به أثناء معركة الخندق، وكاد غدرهم يستأصل المسلمين جميعهم في المدينة، فذهب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم لقتالهم ومجازاتهم على غدرهم، ونقضهم للعهد الذي كان بينه وبينهم...
فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة». بعضهم أخذ النص كما هو، فسارع بالذهاب إلى بني قريظة، وترك صلاة العصر فلم يصلها إلا في بني قريظة رغم فوات وقتها، نزولًا عند حرفية قوله صلى الله عليه وسلم...
وآخرون قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد منا أن نترك الصلاة في وقتها، بل أراد بعبارته هذه استعجالنا، فلا ضير إذا صلينا بسرعة ولحقنا بالجيش.
ونتيجة هذا الاختلاف اختصموا، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأقر كل واحد منهم على اجتهاده ولم يعنف أحدًا.
إذا كل من الفريقين عمل باجتهاده، وكان عمله مقبولًا عند الله تعالى، ولم يأمر أحدًا بفعل ما عمله الآخر!!
وأذكر أني مرة كنت أشرح هذا الحديث لطالبات الثالث الإعدادي في إحدى الثانويات الشرعية، وإذ بطالبة تقوم وتصرخ: (لكن هذا لا يجوز!! لقد صلوا العصر خارج وقتها!!) تعني الفريق الذي أخر العصر إلى أن وصلوا إلى بني قريظة...
فقلت لها: يا بنت ! النبي صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدًا ولم يخطئه، وأنت تقولين إنهم أخطؤوا!!!
وأقول لك: يصح العمل باجتهاد أي من الأئمة الأربعة، والشرع يقرّ كلا منهم على اجتهاده ولا يلزمك الجمع بين الاجتهادات...، وهذا عسير جدًا بل مستحيل في كثير من الأحيان...
وبيني وبينك: هذا الكلام لغير الموسوسين، أما الموسوسون فعليهم اتباع الرخص والعمل بالأسهل عند المذاهب ريثما يتعافون من مرضهم!!
جاء عند الشافعية في كتاب "فتح المعين" [4/337]: (...الأولى لمن ابتلي بوسواس، الأخذ بالأخف والرخص لئلا يزداد فيخرج عن الشرع)، وجاء في "حاشية إعانة الطالبين" في شرح هذا النص: (...(وقوله: فيخرج)...: أي فيخرج بسبب زيادة الوسواس عن الشرع مثلاً، ومن ابتلي بالوسواس في النية في الوضوء، أو بقراءة الفاتحة خلف الإمام، وصار يصرف أكثر الوقت في الوضوء أو في الصلاة، فله أن يترك النية ويقلد الإمام أبا حنيفة فيه فإنها سنة عنده، أو يقلده في ترك الفاتحة خلف الإمام، حتى يذهب عنه الوسواس).
فلا داعي إذن أن تشغلي نفسك بمعرفة الواجبات عند كل مذهب، ومحاولة الإتيان بها، ثم اتهام نفسك بالتقصير إن لم تفعليها كلها... لأجل مصلحتك اقتصري على غسل الوجه واليدين ومسح الرأس ثم غسل الرجلين مرة مرة في كل عضو، إلى أن يزول القلق من هذا في نفسك...
نأتي لشبهتك الثانية التي تتعلق بتعليم الآخرين: الأمر بالمعروف، وتعليم الآخرين أصول الدين فرض كفاية أعني لا يجب عليك أنت بالذات أن تعلمي تلك الخادمة، فأي واحد قام بالمهمة كفى، وزال الإثم عن الجميع...
ثم لا يجب الأمر بالمعروف إلا على القادر، وباعتبارك مريضة منعك الطبيب من تعليم من يتوضأ ويصلي، فأنت غير قادرة على الأمر والتعليم ومعذورة في هذا، فلا تؤاخذين إن تركت التعليم...، ولا تؤمرين بالتعليم أصلًا...، ويمكنك قراءة ما كتبه الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين عند كلامه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشروط المحتسب...، ومن ضمن ما ذكره أن الإنسان إذا كان شديد الجبن واستعصى على العلاج سقط عنه الأمر بالمعروف لعدم قدرته عليه!! إذن من كان عنده رهاب اجتماعي شديد لا يزول لا يطالب بأمر غيره بالمعروف، فالحالة النفسية تراعى في مثل هذا، طبعًا وفقًا لما يقرره الطبيب وليس وفقًا لهوى الإنسان وما يزينه الشيطان...
وأرى ألا تعلمي الخادمة لسبب آخر، وهو أنك ستعلمينها بطريقتك الوسواسية وتنقلين إليها وسواسك وتضرينها، فدعي غير الموسوسين يعلمونها.
إذن دواؤك فعلًا أن تتركي الكلام مع أحد عن الوضوء والصلاة حتى لو أخطأ، ولست مؤاخذة قطعًا...
اتبعي ما نصحك به الطبيب في هذا وثابري عليه، وسيسرع إليك الشفاء بإذن الله تعالى...