سوف نركز في هذا المقال على صورة المرأة في القرآن والسنة مقارنة بصورتها في الواقع المضطرب وتأثير ذلك على صحتها النفسية:
قال تعالى مبيناً أصل خلق الرجل والمرأة:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (النساء1).
وقد خصص الله سورة كاملة في القرآن وهي سورة النساء، وبدأها بتقرير حقيقة أصولية مهمة وهي أن الرجل والمرأة خُلقا من نفس واحدة، وهذا يدحض قول من يّدعون بأن فطرة المرأة مختلفة عن فطرة الرجل، فكلاهما مخلوقان من نفس النبع، وكلاهما مهيأ لتقبل الخير والشر والهدى والضلال كما قال تعالى:
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا(10)} (الشمس 7-10) وتتأكد هذه المساواة في التكليف والجزاء بوضوح تام بوضعهما جنباً إلى جنب في قوله تعالى:
{إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الأحزاب35) وقوله تعالى:
{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} (آل عمران 195).
ولا يوجد وصف للعلاقة بين الزوجين أجمل ولا أشمل من قوله تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (البقرة 187) فهذا الوصف اللطيف الرقيق يحيط بمعاني التداخل مع الاستقلال مع التساوي مع الاحتواء مع الحفظ والرعاية مع القرب مع المودة مع الستر.
والعلاقة بين الزوجين لا تقوم على القهر والتسلط والاستعلاء – كما يفعل كثير من الناس باسم الدين في هذه الأيام – وإنما تقوم على المودة والرحمة، وبتعبيراتنا المعاصرة الحب والتعاطف وتبادل المشاعر الجميلة، ويتأكد هذا في قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم 21)
لذلك فالقهر الذي يمارسه الرجال على النساء فيدفع بهن إلى براثن المرض النفسي ليس له أي سند شرعي وإنما ينبع من نفوس مريضة تتستر وراء بعض النصوص الضعيفة أو تسئ تأويل النصوص الصحيحة لكي تناسب هواها المتشكك في المرأة والمحقر لها والراغب في وأدها وتغييبها عن تيار الحياة المتدفق والعائد بتصوراته عنها إلى الجاهلية التي جعلت من المرأة مجرد "شيء" يتلهى به الرجل بلا كرامة أو حقوق. وبعض الرجال يبررون قهرهم للمرأة واستعلاءهم عليها بقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (النساء 34)، والقوامة هنا تدور معانيها ومراميها حول القيادة الرشيدة والرعاية المحبة ولا تعني بأي حال الاستعلاء أو الإلغاء، فهي مرتبطة بدور هيأ الله له الرجل ليقوم به في غالب الأحوال، وإذا انتفت تلك القدرة عند الرجل كأن يكون سفيهاً أو ضعيفاً انتفى هذا الدور، وهذا ما نجده في بعض الأسر حيث نجد المرأة أرجح عقلاً وأقوى شخصية من الرجل لذلك تملك هي دفة القيادة.
وننتقل من رحاب الآيات الكريمات إلى رحاب الأحاديث النبوية الشريفة لنرى هذه الصورة المشرقة للمرأة والتي لو عرفها الرجال حق المعرفة ما دفعوا بالمرأة إلى غياهب النسيان أو إلى ردهات المستشفيات والمصحات النفسية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خُلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء] (متفق عليه)، واعوجاج الضلع هنا ليس عيبا في الخلقة فتعالى الله أن يخلق خلقاً معيباً ولكنه ضرورة للوظيفة، فإن اعوجاج ضلع الإنسان ضروري لاحتواء الرئتين وإعطائها الفرصة للتمدد والانكماش، وكذلك المرأة خُلقت بطبيعة معينة قادرة على الاحتواء والحماية، واختلافها عن الرجل ليس اختلاف دونيه وإنما اختلاف أدوار ووظائف. وهي بهذه الطبيعة ربما لا توافق توقعات الرجل وحساباته تماماً لأنها لو فعلت ذلك فربما تخرج عن طبيعتها الأنثوية وتصبح مسخاً ينفر منه الرجل ذاته.
* وفي رواية في الصحيحين: "المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج"، وهذا الحديث ليس ذماً في طبيعة المرأة - كما يفهم المتعصبون من الرجال – وإنما هو بيان لطبيعة خلقها التي تلائم دورها، وهو ليس استعداءاً على المرأة بل نداءاً للرحمة والرفق بها وفهم طبيعتها.
* وفى رواية لمسلم:"إن المرأة خُلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر] (رواه مسلم)، وهذا الحديث يعتبر قاعدة موضوعية ورحيمة وعادلة في التعامل مع المرأة، فطبيعتها – كما هي طبيعة الرجل – تحمل القابلية للخير والشر معاً، فلا يتوقع الرجل منها خيراً مطلقاً بل يقبل منها خيرها شرها.
وقال صلى الله عليه وسلم [أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم] (رواه الترمذي وقال حسن صحيح)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن حق الزوجة: [أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت] (حديث حسن رواه أبو داوود)، وهذا الحديث يكفل للمرأة الحقوق الأساسية في المطعم والكساء ويكفل لها أيضاً حقوق الكرامة والتقبل والتقدير.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا تضربوا إماء الله] فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقال [ذئرن النساء على أزواجهن] فرخص في ضربهن، فأطاف بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال: [لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم] (رواه أبو داوود بإسناد صحيح )
ولو تأملنا هذا الحديث جيدا لوجدنا أن القاعدة فيه هي عدم ضرب النساء "لا تضربوا إماء الله"، ولكن لما اشتكى عمر بن الخطاب من تمرد بعض الزوجات رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضرب كضرورة لإصلاح بعض النفوس الشاذة، فاستغل بعض الرجال ذلك ووسعوا الرخصة والضرورة فأساءوا بذلك لهذه الرخصة فنبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العودة إلى الاعتدال وإلى أن الخيرية تقاس بمدى إحسان الرجل لزوجته ولم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب أحداً من زوجاته رغم أنه قد حدثت مشكلات مثل التي تحدث في كل بيت ولكنه صلى الله عليه وسلم قدوة للرجال في حسن المعاملة عملاً بقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء 19)
ويستنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي ورد في الصحيحين ضرب الرجل لزوجته وكيفية الجمع بين ذلك وبين العلاقة الحميمة بينهما فيقول: [أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد، يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره].
وإن أكثر الفقهاء قد ربطوا الضرب بالنشوز الشرعي كعصيان الرجل في الفراش، والخروج من الدار بغير عذر وترك الفرائض الدينية، فهو كالعلاج بالكي لا يذهب إليه الرجل إلا لضرورة تحتمل ألمه ومراراته. وربما تستغرب النساء اليوم فكرة الضرب وتستهجنها وتعتبرن أن الزمن قد تجاوزها ولكن الإحصاءات الرسمية تفيد أن في معظم بلدانالعالم –حتى المتقدمة منها– ما يزال 50% – 70% من الرجال يضربون زوجاتهن، وهو أمر لا شك مستهجن.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الضرب إلا للضرورة فقد وضع حدوداً لذلك فقال "ضرباً غير مبرح"، وقد سأل عطاء ابن عباس رضي الله عنه: ما الضرب غير المبرح فقال بالسواك ونحوه. والضرب رمز للإيذاء، ولذلك نوسع الرؤية ونسأل الرجال أن يكفوا عن كل ألوان الإيذاء كالضغط النفسي والتحقير والمكايدة والإهمال والهجر والقهر والاستبعاد والإلغاء … إلخ.
ويجب أن يعلم الزوج أن إيذاءه لزوجته سيرتد عليه إيذاءاً أو يتحول إلى أطفاله الذين يحبهم، فالمرأة المقهورة المستعبدة سوف تنقل قهرها وظلمها إلى أبنائها فتسيء معاملتهم وتضربهم وتقهرهم. والإيذاء عموماً يخرج بالعلاقة بين الرجل والمرأة من دائرة المودة والرحمة التي هي أساس تلك العلاقة في حالة صحتها. وبعض الرجال يحتجون بالأحاديث التي تحض المرأة على طاعة زوجها ويطلبون منها الخضوع والاستذلال لكل رغباتهم مهما كانت وحشية.
وفرق كبير بين طاعة المرأة لرجل تحبه وتحترمه وهى تعتبر تلك الطاعة عبادة تتقرب بها لربها وبين خضوع المرأة ومذلتها لرجل تبغضه وتلعنه ليل نهار. ويربط رسول الله صلى الله عليه وسلم سعادة الرجل بالمرأة الصالحة فيقول: [الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة] (رواه مسلم والنسائي وابن ماجة)، ويقول صلى الله عليه وسلم: [من سعادة ابن آدم ثلاثة: المرأة الصالحة والمسكن الصالح، والمركب الصالح]( رواه أحمد بإسناد صحيح)، ويقول صلى الله عليه وسلم: [من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الباقي] (رواه الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد).
ويقول صلى الله عليه وسلم: [أربع من أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة، ويذكر منها: زوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا ماله] (رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناد أحدهما جيد).
وقد كانت هناك توجهات سلبية تجاه المرأة في العصور الوسطى توشحت بوشاح الدين فقد شاعت في هذه الفترة عقيدة الزهد والإيمان بنجاسة الجسد ونجاسة المرأة، وباءت المرأة بلعنة الخطيئة فكان الابتعاد عنها حسنة مأثورة لمن لا تغلبه الضرورة. ومن بقايا هذه الغاشية في القرون الوسطى أنها شغلت بعض اللاهوتيين في القرن الخامس للميلاد فبحثوا بحثاً جدياً في جبلة المرأة وتساءلوا في مجمع "ماكون" هل هي جثمان بحت؟… أو هي جسد ذو روح يناط بها الخلاص والهلاك؟…
وغلب على آرائهم أنها خلو من الروح الناجية، ولا استثناء لإحدى بنات حواء من هذه الوصمة غير السيدة العذراء أم المسيح عليه الرضوان. وقد غطت هذه الغاشية في العهد الروماني على كل ما تخلف من حضارة مصر الأولى في شأن المرأة، وكان اشتداد الظلم الروماني على المصريين سبباً لاشتداد الإقبال على الرهبانية والإعراض عن الحياة، وما زال كثير من النساك يحسبون الرهبانية اقتراباً من الله وابتعاداً من حبائل الشيطان، وأولها النساء (العقاد – المرأة في القرآن – إصدار مكتبة الأسرة – 2000).
وقد نهج بعض المسلمين في عصور التدهور نفس النهج فاعتبروا المرأة رجسا من عمل الشيطان وأنها أقوى رسل إبليس، وبناءاً على ذلك التصور حجبوها عن الأنظار وعن الحياة ووأدوها في كهوف مظلمة اتقاءاً لشرها وتنقية للجميع من دنسها. وهم يحتجون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحذر فيه من فتنة النساء: [ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء] (رواه البخاري).
ويقول الشيخ القرضاوي تعليقاً على هذا الموقف في كتابه "فتاوى معاصرة" (دار الوفاء – 1998)، "إن التحذير من الافتتان بشيء لا يعني أنه شر كله، وإنما يعني أن لهذا الشيء تأثيراً قوياً على الإنسان يخشى أن يشغله عن الآخرة ومن هنا حذر الله من الفتنة بالأموال والأولاد في أكثر من آية من كتاب الله، ومن ذلك قول الله تعالى:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (التغابن 15)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} (المنافقون 9) هذا مع تسميته سبحانه المال "خيراً" في عدة آيات من القرآن، ومع اعتباره الأولاد نعمة يهبها الله لمن يشاء من عباده على عباده. {يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} (الشورى 49) وامتنانه على عباده بأن منحهم الأولاد والأحفاد، كما رزقهم من الطيبات {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (النحل 72).
فالتحذير من فتنة النساء كالتحذير من فتنة الأموال لا يعني أن هذه النعم شر، وشر كلها! بل يحذر من شدة التعلق بها إلى حد الافتتان والانشغال عن ذكر الله. ولا ينكر أحد أن أكثر الرجال يضعفون أمام سحر المرأة وجاذبيتها وفتنتها، وخصوصا إذا قصدت إلى الإثارة والإغراء، فإن كيدها أعظم من كيد الرجل. ومن ثم لزم تنبيه الرجال إلى هذا الخطر، حتى لا يندفعوا وراء غرائزهم، ودوافعهم الجنسية العاتية" ( انتهى كلام القرضاوي)
وكانوا في العصور المظلمة ينفرون من المرأة في وقت حيضها ويعتزلونها أو يعزلونها فلا يؤاكلوها أو يشاربوها، أما في عصور النور فنجد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه:
[حببت إلىّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة] فيجمع هنا صلى الله عليه وسلم النساء مع الطيب(العطر) وهذه إشارة رقيقة ما بعدها رقة فما أجمل أن تجتمع المرأة بالعطر، ويردف ذلك بذكر الصلاة وهي عماد الدين، فهذا الجمع وذلك الإرداف يضع المرأة في مكانة سامية ويدحض كل التصورات الجاهلية الأخرى عن المرأة، ليس هذا فقط بل نجده يتعمد أن يشرب من الإناء الذي شربت منه عائشة في وقت حيضها، بل إنه يتتبع موضع فمها… ما أعظم هذا التقدير الودود المحب للمرأة وهي في لحظات ضعفها وانكسارها.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا تعرقت عائشة عرقاً - وهو العظم الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها وربما كانت حائضاً. وكان يأمرها وهي حائض فتتزر (تلبس الإزار) ثم يباشرها… وكان يقبلها وهو صائم. وكان من لطفه وحسن خلقه أنه يمكنها من اللعب ويريها الحبشة وهم يعلبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السير على الأقدام مرتين… وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة… وكان يقول: [خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي] (الإمام ابن القيم – عن كتاب فتاوى معاصرة – الطبعة السابعة 1998– دار الوفاء – المنصورة ) .
ولم تكن المرأة مغيبة في عصره صلى الله عليه وسلم بل كانت حاضرة في البيت وفي المسجد وحتى في ميادين القتال، وهذه نسيبة بنت كعب(أم عمارة) رضي الله عنها في أتون المعركة تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وتتلقى عنه ضربة سيف تركت جرحاً غائراً في كتفها. والمرأة التي جاءت تجادله في زوجها ونزلت فيها سورة المجادلة، والمرأة التي وقفت لعمر تناقشه في المسجد في قضية تحديد المهور. كل هذه الدلائل تقف ضد من يناقشون اليوم مسألة هل للمرأة حق المشاركة السياسية والإدلاء بصوتها في الانتخابات أم لا؟ …
وتقف وقفا ضد كل محاولات التجهيل والتغييب والوأد – تلك المحاولات المرتبطة بتقاليد بيئية تحاول أن تتوشح بنصوص دينية أو بتفسيرات ينقصها العمق والبرهان، وإذا كانت المرأة قد نالت هذا التكريم في علاقتها بالرجل كزوجة فإنها قد نالته أيضاً وزيادة كأم فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: "أمك"، قال : ثم من؟ قال "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال ثم من؟ قال: "أبوك" (متفق عليه).
وبقيت المرأة كابنة، فنجد أن الإسلام جاء يحرم وأد البنات. تلك العادة التي كانت منتشرة في الجاهلية – وحث على العناية بهن وحسن تربيتهن ووعد من يقوم بذلك بدخول الجنة.
ولم يحرم الإسلام الوأد المادي فقط حرم أيضاً الوأد المعنوي – الذي يمارسه بعض الآباء في العصر الحاضر – يمنع ابنته من التعليم والثقافة والقيام بدور إيجابي في الحياة، وإلى هؤلاء نسوق مثل أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها – ذات النطاقين – التي قامت بدور جوهري في أهم أحداث الإسلام وهو الهجرة حيث كانت تحمل الطعام والشراب من مكة إلى غار ثور في جنوب مكة في طريق وعر موحش تحوطها أخطار كثيرة لكي تصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها أبي بكر رضي الله عنه.
وهذه السيدة عائشة تتبنى موقفاً سياسياً (بصرف النظر عن صحته أو خطئه) في الصراع بين على بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، بل وتتعدى ذلك إلى المشاركة العسكرية بنفسها في موقعة الجمل، ولو كانت تلك المشاركات السياسية والعسكرية من مستنكرات الإسلام لترفعت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
هذه هي الصورة الحقيقية للمرأة ومكانتها في الإسلام وفي النظرة السليمة بعيداً عن التشوهات الفكرية والتقاليد العمياء المتعصبة والممارسات القاهرة الظالمة المستبدة التي دفعت بالمرأة إلى أحضان الاضطرابات النفسية والاضطرابات الجسدية والاضطرابات الاجتماعية ودفعت بعضهن إلى التمرد والعصيان والاسترجال لنيل بعض حقوقهن عنوة.