قراءة نفسية لبيان الحكومة وتصريحاتها الأخيرة،
محاولة لفهم المعادلة الحكومية المصرية الصعبة: هل هو (إنكار) أم ( تكوين عكسي) أم التنافر الإدراكي Dissonance Cognitive
أحرص على أن تكون مصادري حكومية، وقومية، على سبيل المثال ما جاءت به مانشيتات الأهرام – 29 ديسمبر 2006 في صدر الصفحة الأولى (مؤشرات إيجابية للاقتصاد المصري ترصدها المؤسسات الدولية – في اجتماع وزاري برئاسة أحمد نظيف: احتياطي مصر من النقد الأجنبي يغطي 6.7 مرة الديون قصيرة الأجل – وضع الاقتراض الداخلي مُطمئن وحصيلة النقد الأجنبي من الصادرات في تزايد)، داخل نفس العدد في صفحة 9 رسم (جمعة) الساخر في (دنيا الكاريكاتير ـ زوجان شعبيان يجلسان على الكنبة، تشد الزوجة طفلها قائلة لزوجها: يا خويا ما تشوف كده يمكن"الصين" عملت خرفان صغيرة للغلابة اللي زين). المعنى قاسٍ ومؤلم، والأمر ليس محض نكتة، لكن الاقتصاد الصيني الضخم (مع عدد السكان المهول ـ حجتنا البليدة دائم).
قهر أسطورة التخلف والذباب والأفيون، ومضى يغزو كل أنحاء العالم مارداً حتى داخل عُقر أمريكا، لكن دولاً -مثل أمريكا- تملك اقتصاداً قوياً متماسكاً لا يعتمد على (المضاربة) وحسابات (نوتة البقال والجزار) وأسلوب(الجمعيات في أماكن العمل وبين ستات البيوت)، اقتصاد له أصوله ومفاهيمه ورؤاه، لكننا إذا تركنا الحال على ما هو عليه كما يحدده رشيد محمد رشيد ( في الاستقطاب الصيني والروسي والأمريكي والكازخستاني والتركي) والله أعلم، فسنصبح مجرد سوق توفر العمالة (وتصبح الحكومة في هذا الوضع كمقاول الأنفار)، ورشيد عندما يصرح فخوراً بأن هذا سيحل مشكلة البطالة في مصر، وهو بهذا يحول شباب مصر إلى عبيد في سوق العمل الدولي، بعد كل ذلك لن تقوم لنا قائمة، وعلَنا بالفعل ـ الآن ـ أكثر من أي وقت مضى، في دائرة الخطر المُحدقة، بل والمؤثرة سلباً على كل شيء، ليس فقط (الاقتصاد) الذي بالطبع يتحكم في كل شيء لكن في كل سلوكياتنا اليومية، نمط حياتنا، بل وحياتنا نفسها، فأنفاسنا وقلوبنا أصبحت في يد الأجنبي (مستشفياتنا مكتظة بأحدث الأجهزة التي لا تلزمنا كثرتها، وهي لا تُصان ولا تُراعى ولا يُستثمر فيمن يعملون عليه). ولأن المسألة غائمة ومشوشة تائهة، فلا أحد يبتغي الحقيقة ولا يعرفها أحد، كما لا يمكن لأحد أن يصل إليها في ظل الظروف الحالية.
أهلاً ومرحبا بازدياد حصيلتنا من النقد الأجنبي، وطالما تغطي 6.7 من الديون قصيرة الأجل فلماذا لا تسدد الحكومة هذه الديون؟، ما هي فلسفة وترجمة تصريحات الحكومة المكررة وفائدتها لرجل الشارع!! أم أنها تخدم مأرباً آخر. إنها خزينة الدولة الحقيقية التي تحافظ على "الدولة" وتمنع "الإفلاس" و" الانهيار". هل هو " المرهم" للقُرح والجروح؟ أم أنه رداء الذئب لصاحبة الثوب الأحمر، وما معنى ذلك التدني الصارخ في الخدمات، وذلك الفقر الصارخ والعشوائيات وحال الأطراف النائية، الأبنية التعليمية، السكك الحديد والمستشفيات، هل بهذا الاحتياطي نلبس العمَة والبرنيطة؟ لنغطي رءوسنا ونترك أجسادنا عارية (في عز الزمهرير).
عودة لجريدة الأهرام نفس العدد صفحة 9 بجانب الكاريكاتير خبر مفاده أن (رئيس مجلس الوزراء تفقد استراحة كبار الزوار بمطار القاهرة (لخدمة المسافرين!!) بعد تطويرها، وشملت صالتين: الأولى رسمية لاستقبال وسفر كبار المسئولين المصريين والأجانب، والثانية يتم تخصيصها لخدمة الركاب (أي ركاب، وأي مسافرين!!).
إنها صالة مميزة يمكن (لأي راكب) استخدامها مقابل رسوم تتراوح ما بين 300 و3000 جنيه مصري، وبين 600 و6000 للأجنبي و.. و... وأشاد نظيف بأعمال التطوير) هذا هو الاستثمار الحكومي أما المصانع فلتبنيها لنا تركيا وروسيا والصين ولنعمل بها حتى نفك أزماتن؟.
أما في صفحة 8 من نفس الأهرام (خطوات مصر في الإصلاح لن تتحقق إلاَ من خلال نظام تعليمي متوازن) وفي ص27 (نحن لا نتحرك إلاَ بعد وقوع الكارثة – أطفال في خطر! ومصانع "لتفريخ" المجرمين–دور الأحداث "سابق")... وليس من باب الاسترسال السهل، ولكن من باب التأني والرصد، كتب الفذ إبراهيم أصلان في مربعه الأسبوعي، ص12، الثلاثاء 26/12/2006 يحكي عن مصيبة المصائب (السيدة التوربينية)، مديرة مدرسة تجريبية تعلم تلاميذها السرقة ونشل المحافظ وأجهزة الموبايل، والخاتمة التخطيط والتنفيذ لسرقة (بائع اللُعب) الواقف أمام المدرسة (لاحظ الرمز والدلالة التربوية، المعلمة تسرق صانع الفرحة في خطة فيلمية؛ باختلاق التلاميذ لمشاجرة مع بائع البطاطا، الواقف بجانب بائع اللعب، فيتزاحم الناس لفض المشاجرة؛ فتتم السرقة، والمديرة العظيمة واقفة في شرفة المدرسة... يبكي بائع اللعب، ويصرخ أولياء الأمور: كيف نترك هذه المديرة لتربية أبنائن؟
سؤال مُهم أوجهه أنا بدوري إلى د. يسري الجمل ود.أحمد نظيف (فالمسألة ليست في تغيير نظام الامتحانات، وتعديل المناهج، ورفع الكادر التعليمي! كما أن المسألة لدى د. الجبلي ليست في خصخصة إدارات المستشفيات الحكومية، ولا في كادر الأطباء الجديد، المسألة هي في تلك الثقافة التي شاعت وانتشرت، اسميها ثقافة (بوفيه الأكل)؛ فنحن في مصر إذا دعينا إلى حفل وفرح وحتى بوفيه مفتوح على مركب وفي قرية سياحية؛ فستجدنا نملأ الطبق على عينه، خوفاً من اختفاء الأكل، نأكل من أطباقنا الممتلئة الربع والنصف، ونصف الحفل لا يجد ما يأكله! هي نفسها ثقافة احتياطي النقد الأجنبي: اكتنز، حَوش، مش مهم عليك كام، ثقافة الإحساس الشديد بعدم الأمان، بالخوف من بكرة .. وبعدم الاطمئنان.
إذن ما هو الأمر، وما العمل ؟! يحكي دبلوماسي مصري لدى استقلاله تاكسي قاهري في إحدى زياراته الخاطفة إلى مصر عن سؤاله للسائق في فضول مداعباً (إنما إيه رأيك في حال البلد الأيام دي؟) بالطبع ارتاب سائق التاكسي ولم يردّ، ولما طمأنه الدبلوماسي إلى انه ليس مباحث وأمن دولة، ردّ السواق في هدوء جَمّ (الحكومة والوزرا اللي بيحكموا البلد دي، ده مش كارْهم) هذا ليس الكار الخاص بهم، مش شغلهم،لأن الحكم ده صنعة، مش أي حَدّ يقدر يقوم بيه)، هكذا لخص الرجل ما لا يمكن تلخيصه، وما يجتهد فيه المثقفون والمحللون ليل نهار لكي يصلوا إلى زبدته، فنحن أمام وزراء باشوات، رجال أعمال، نخبة Elite لم يدرسوا صناعة الحكم ولم يتدربوا عليها (والله يرحمك يا عاطف يا صدقي)، يتعاملون مع إدارات وهياكل مترهلة، فيها الكومبيوتر بكل إضافاته، وفيها السجلات الطويلة المستطيلة، بعرض المتر والمترين، فيها الأرشيفات الصدئة المتربة، والملفات التي عشعش عليها ألف عنكبوت، هم خريجي أمريكا غالباً وهم صادقي النية وعايزين يعملوا حاجة، لكن كيف يعمل هذا مع ذاك.
كيف يتعامل حاتم الجبلي ـ مثلا ـ مع الإدارات الصحية في عمق الدلتا وفي أقاصي الصعيد؟ ما هي التفاصيل التي لا يعرفها إلاّ صغار الموظفين، وغلباً هي التي لا تُروى، ما هي الثغرات والفجوات والرقع شديدة الاتساع بفعل الزمن وبفعل فاعل، وهل وظيفة الحكومة الترقيع، هل أصبح د.نظيف (الرَفّا الشيك)، (الميَّه حلوة ونظيفة.. لأ.. معامل وزارة الصحة أثبتت أنها ملوثة ومختلطة بمياه المجاري.. يبقى نغير المواسير اللي عمرها 40 سنة) فعل ورد فعل، لا وقاية ولا تخطيط ولا نظرة شاملة، عشوائية ورضا بالأمر الواقع، بل والتعامل معه على أنه حقيقة مشروعة (مثل التعامل مع الأراضي التي أُخذت بوضع اليد، البنايات التي أقيمت على الأرض الخضراء المزروعة، وإدخال الكهرباء إلى مساكن العشوائيات).... وهكذا.
نأتي إلى محاولة تفسيرنا لما يحدث؟ وطرحنا تصور واجتهاد في المسألة، هي ذلك التنافر الإدراكي Cognitive Dissonance أي إدراك التنافر بين (مفهومين) يفسّر ويعرّف من خلال ما يتوافر لدينا من (معلومات) تؤدي إلى (اتجاهات في الرأي)، (انفعالات)، (معتقدات) وبالطبع (سلوكيات)، بمعنى آخر إنه ذلك التوتر غير المريح نتيجة أفكار تتصارع في نفس الوقت... في حالتنا الحكومية هناك شغف حكومي لعمل ما يمكن عمله، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، للإبهار والإشهار والطنطنة بفلوس الغلابة (نقل تمثال رمسيس ـ الفشخرة غير المعقولة في حفلات التليفزيون التي تساوي الواحدة منها ميزانية للبحث العلمي ـ بناء صروح غريبة الشكل باهظة التكاليف لبنايات أسطورية منتشرة هنا وهناك).
وفي نفس الوقت هناك قناعة بضرورة سلك مسلك آخر فيه تقشف على الجميع وفيه عدل وحرية ومساواة، هناك رغبة عند يسري الجمل أن يصلح حال التربية والتعليم، الرجل يجتهد لكنه (بيرقع)، ويظل شبح الثانوية العامة كما هو، وتظل الدروس الخصوصية كما هي، ويظل الطلاب وأولياء أمورهم كما هم.. (هو أحنا هنجيبه من بَرّه؟!) العجينة الحكومية المصرية لا تدخل الفرن أبداً، وإن دخلت فالفرن بارد، لأن الوقود قد بلله المطر الذي هطل فجأة ولم نعمل حسابه، ونسينا نجيبه من الغيط، وإن سخن الفرن؛ فهناك من سيخرج العجين وهو على الحافة لأنه عايز يدوق ويأكل الكعكة لوحده، وأن هناك من سيطفئ النار قصداً وعمداً.. استهبالاً وجهلاً والمسألة مش مستحملة.
نأتي إلى تناقض ما بعد اتخاذ القرار، ولكي نسهل المسألة سنضرب مثلا بسيطاً مقتبسة من تجربة شهيرة لعالم الاجتماع (جاك بريهم Jack Brehm) عندما تأمل ستات البيوت بعد اتخاذهم القرار بشراء مستلزم ما للبيت، وبعد الشراء ودفع الفلوس والعودة إلى البيت، يجدن أنفسهن في حيرة وتناقض، لأنهن قد اكتشفن بالفعل أن المستلزم الآخر كان الأفضل وأنهن اخترن (الأسو) غير المناسب للبيت، هنا تبدأ الرغبة في رفض الموجود (المدفوع فيه دم القلب) والضغط على ميزانية البيت والزوج لشراء المنتج الآخر، الذي بعد شرائه ربما ظهرت له مفاجآت أخرى، وهكذا.. ألاَ تذكرنا هذه التجربة بجراج رمسيس.. اتبنى ليه واتهدّ ليه؟.. مساكن الشيراتون عِليت ليه واتْقصِّت من فوق ليه؟ سلامة المواكب الرسمية، سلامة الطيران المدني.. أي المستلزم الآخر، أين كنا، ولماذا لم نفكر قبلاً، وكم مشروعاً مثل (توشكي) لم تعمل له دراسة جدوى؟! ورصف الطرق وتبليط الأرصفة وفجأة ، نحفر تاني عشان نغير مواسير المياه التي انفجرت وصدئت ونقفل ونسفلت، وبعدين بعد كذا شهر نحفر تاني ونغيّر مواسير الصرف الصحي.. ونضحك وشر البلية ما يضحك فعلاً.
نأتي إلى حكاية الثعلب والحصرم (العنب المُرّ)؛ فالثعلب في الحكاية الشعبية المعروفة عالمياً لما حاول تسلق الشجرة لكي يصل إلى "عناقيد العنب" وجدها أعلى من قامته فقرر العدول عن الفكرة قائلاً ( وعلى فكرة العنب ده مُرّ، حُصرم)، المعنى البسيط في تلك الحدوتة (من السهل علينا أن نلعن مالا نستطيع الحصول عليه)..حكومتنا الرشيدة ـمثلاًـ لا تتمكن من تحقيق الحدّ الأدنى من الكرامة وحقوق الإنسان في مراكز الشرطة، حقوقهم في الماء النقي والهواء النقي، والغذاء الصحي، والكساء الذي يستر، حقوقهم في التعليم والعلاج الحقيقي، إذن فالمشكلة عند الحكومة هي في الناس الجاهلة اللي بتخلف كتير وفي أولاد الشوارع، وفي الإرهاب والبنك الدولي والكوارث، والسحابة السوداء وانفلونزا الطيور، والمطر.
إذن فذلك المثل عن (الثعلب والعنب) يطبق غالباً على من (يخسرون، ويفشلون وينكرون الأسباب الحقيقية لفشلهم، لكن ماذا عن مؤهلات هذا الثعلب، ماذا عن نفسيته وشخصيته عندما يجد أن ما يبتغيه لا يتحقق ( ماذا عن تلك الحكومة وتكوينها وشخصيتها ككل، كحكومة كاملة تحكم مصر، وليس كوزارة وزارة، وليس كوزير وزير، وليس كرئيس الوزراء، لأن الكل يعني الكل ولا يعني مجموع الأشياء، وهل العنب (مُرّولا هو لسه ما استواش؟؟)، طيب امتى هيتسوي وأمتى هاندوقه!!
نعود إلى القراءة النفسية لتصريحات الحكومة الوردية، وبياناتها المفعمة بالأمل، بينما تردّي الواقع المعاش أقسى مما يتحمله أحد، وهو يقترب إلى تفسير أن تلك الحكومة (خاصة بعد اشتداد المعارضة لها حتى من داخل الحزب الوطني، واتساع رقعة الصحافة الكاشفة المنوِّرة، والإعلام الفضائي الناقد والعارض لوجهات نظر رصينة مقنعة).. أصبحت تعاني مما يمكن الاصطلاح عليه ب (العُصاب الوسواسي).. أي القلق المُتسلط على كل أداء حكومي ومحاولة تبريره على انه الأحسن والأفضل، هذا هو (التكوين العكسي) أي أن الحكومة تصرح ببعض الحقائق فعلاً ولكن في غير إطارها، من أجل إخفاء الواقع المرّ كالحصرم، والمبالغة الشديدة في إظهار الحياة بلون بمبي، ورفع العقيرة بالمديح والغناء والإشادة ببعض الإنجازات هي واجبات كان يجب أن تؤدّي من زمن، وبديهيات لا يجوز التحدث بشأنها على أنها هبة وحسن أداء وتميز.
وأحياناً ما تلعب الحكومة مع المعارضة بسيفها (زكريا عزمي مثالاً لا فُض فوه: الفساد وصل لحدّ الرُكب).. وأن تنعتها بالأسوأ والأبشع، بل وتزج برموزها في السجون وتستعمل الأيدي الثقيلة والأحذية الغليظة لتكمم الأفواه.. (لأن الحكومات الضعيفة دائما ما يحرجها النقد ويؤدي إلى اكتئابها، بل وانكفائها على ذاته).. هي تدرك أن الناس لا يحبونها، لكنها تصر في أحاديث التليفزيون الحكومي الماسخة أن تجعل الناس يشيدون بها، إذن فعلى أهالي عبارة الموت أن يحمدوا ربنا، ولا ينبسوا ببنت شفة، وعلى المتعطلين ساعات في مرور القاهرة أن يصمتوا وأن يجلسوا في بيوتهم، على الكل أن يخرس، لأن كل الكلام قد أصبح جعجعة تعطل المسيرة (ولا صوت يعلو على صوت معركة الإصلاح).
وللأسف فإن الأحزاب وبعض الصحف غير القومية، تقع (أحيان) في فخ الحكومة،ً فهي تبالغ وتبرر وتفسر ولا تحاول أن تنهج نهجاً موضوعياً، مستمتعة جداً بالهجوم بغية الهجوم.. ناسية الهدف الأساسي النبيل الذي بدأته، ومن ثم نجد التجاوزات تطال السلوك السياسي داخل الأحزاب (المفترض أنها ستحكم يوما ما)، ولكن (الله يعلم) أنها لو حكمت وهي بهذا الشكل فإن المستقبل سيكون قاتماً للغاية.
ما يعرفه الناس هو ترجمة الوعود والأحلام التي بدأها السادات منذ أعلن أن الرخاء والرفاهية وكل شيء وردي وشفتشي قادم لا محالة، بعد انتهاء الحروب.. لقد انتهت الحروب منذ عام 1973 نعم منذ 33 سنة وحالنا الاقتصادي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ولا يعنينا هنا بيان الحكومة ولا تقرير مجلس الوزراء ولا البنك المركزي، وإنما يعنينا جميعاً أن تُترجم تلك الأرقام إلى حقائق تدخل في إطار لقمة العيش، حياة الناس وأرواحهم، أطفالهم وتعليمهم مستقبلهم، وإحساسهم بالأمن والأمان.. قدرتهم على التمسك بحب هذا الوطن لا حُبه والسخط عليه في نفس الوقت لإهداره حقوقهم وكرامتهم كل يوم.. هنا فقط يمكننا أن نصدق أي شيء. عندما تقل حوادث الطرق، وحينما يتطهر الوطن من كل الفساد لا من بعض كباش الفداء، حينما تتكافأ الفرص فلا نجد أمامنا مذيع ألثغ، وأستاذ في الجامعة عاجز عن فهم معنى العلم، أوصله زملاء أبيه إلى هذه الدرجة، وهو ينتظر ليورث أحفاده المملكة....
هذه أمور وهناك أمور أخرى نحسها جميعاً ونحن نشتري الخبز والبصل ونحن نشاهد التليفزيون، ونحن نبكي على موتانا وندفنهم، ونحن نجري لاهثين خلف قطار ندرك أنه ربما كان الطريق إلى الموت.
لكن تُرى أين هي بداية الطريق، أراها في ضرورة تداول السلطة بصرف النظر عن (الانتخابات) و(الأغلبية).. على الأقل أن يتشارك الحزب الوطني مع المهتمين بفعل كل الظروف التي ندركها والآخرون، المستقلون والممثلون للأحزاب، أن يتبوأ علماء وحكماء هذا الوطن العظيم أماكنهم اللائقة بهم والتي أخذها منهم عنوة وإلهاءاً مطربي العنب والحمير وراقصات الشوارع والدجالين من مفسّري الأحلام ومنظري الغيبيات، البعيدين عن روح النص، المنشغلين عن امور الدنيا بتوافه الأمور والاستغراق في التفاصيل الكهنوتية الدينية، التي لا تهم المصري البسيط والعادي والمتوسط، الحزين المضغوط المكبوت والمتألم، أن تتكون لجان ولجان وهيئات، تكشف وتراقب، وتحمي المستهلك، والمظلوم، وأن نحميها هي نفسها من وباء الفساد اذي لا يرحم..؟
هل لحكومتنا الرشيدة (رغم أن هذا ليس الكار الخاص بها ـ مش شغلتها يعني ـ لإن الحكم صنعة)... أن تُنصت إلى حكمة الجموع، صوت الناس؟! الجموع ليست الدهماء، ولا الرعاع، لكن هؤلاء.. نحن.. جميعاً الشعب..من نشترك في وعي جمعي واحد.. وأدعو الدكتور أحمد نظيف وشركاءه أن يقرأوا هذا الكتاب وأتمنى أن يكون أحدهم من رجال البيزنيس الحقيقيين قد قرأه يوماً ما وحاول تطبيقه، The Wisdom of Crowds: Why Many Are Smarter Than the Few and How Collective Wisdom Shapes Business, Economics, Societies and Nations.
حكمة الجموع: لماذا الجموع أكثر ذكاءاً من القلة، وكيف يمكن للحكمة الجَمعية أن تشكل الأعمال، الاقتصاد، المجتمعات، والأمم.
لا تجيبوا بسرعة كما تعودتم (جُموعنا فقيرة أمُية مغيبة).. لا لشيء لكن لأنها تملك نوعية متفردة لها تاريخها ومذاقها الخاص، أنجبت وتنجب عباقرة شهد لهم الكون بالكثير.
اقرأ أيضاً :
صالون خليل فاضل الثقافي، خاتمة / احتمالات التفسير النفسي.. لمهووس المعادي