الجمعة الثاني من يناير 2007 ، بالعيادة الساعة 7 مساءاً
الضيف: الأستاذ الدكتور محمد رياض -أستاذ الجغرافيا والخبير السكاني- عن المرور وإشكالياته في القاهرة
مناقشة: الأستاذ حسين عبد العليم المحامي
يرأس الندوة الكابتن القاسم عصر - نقيب الطيارين الأسبق د.محمد رياض
0 تاريخ معالجات والنشر حول موضوع القاهرة منذ 1960 وإلى الآن في دوريات علمية ومجلات متخصصة والصحف العامة وبخاصة الأهرام ومحاضرات عامة وخاصة.
0 جذور ومظاهر المشكلة:
1- نمو السكان وجاذبية المدينة العاصمة ذات المركزية المطلقة للهجرة من كل مصر
2 - شبكة المواصلات العامة في معظم القرن 20: ترام وأتوباص وتاكسي وحنطور.
3- عصر السيارة والصراع مع النقل العام –الترام الضحية بتبرير البطء والعرقلة.
4- شوارع المدينة غير مجهزة لاستقبال مليوني سيارة خاصة + باصات النقل العام والخاص= بطء قاتل للنقل وفوضى مرورية برغم الكباري والأنفاق–نقص الجراجات حولت الشوارع إلى مواقف دائمة.
5- نجاح مترو الأنفاق مؤشر على ضرورة عودة شبكة نقل حديدي خفيف متكاملة.
6- مشكلة القاهرة أنها طولية وطرقها العرضية قليلة وتشكل عقد مرورية عند التقاطعات خطوط المرور وأمان المشاة وشرطة المرور والإشارات الضوئية كلها ناقصة وغير فعالة.
7- الفكر المروري متقلب يعمل في اتجاه ثم يعاكسه في اتجاه مضاد في نفس الوقت.
8- نقل العاصمة السياسية: السادات أكتوبر.
9- ليس مهما نقل الأبنية والمهم نقل الفكر من مركزي بيروقراطي إلى تحرير وكينونة ذاتية لحل مشكلة المترددين على مربع الوزارات.
10- الفوضى المرورية كونت فكرا فوضويا لدى السائقين وأصبحوا فاعلين في اختناق القاهرة – كيف تحل الأزمة النفسية .
11- حلول اجتهادية لكنها جزئية مثل موضوع القاهرة الفاطمية المتكرر عند كل محافظ –أما شارع الجلاء؟ محطة الترجمان؟ ردم النيل؟ جزيرتي الوراق الدهب؟ موضوعات تخطيط عشوائي. كباري مصر الجديدة ونفقها ونفق الأزهر موضوعات لا يقترب منها.
الحركة المرورية في القاهرة الكبرى ـنموذج لمشكلات النقل داخل المدنـ الدكتور محمد رياض.
يُكوّن النقل والانتقال داخل المدن نوعا خاصا من المشكلات يختلف عن النقل في الطرق التي تربط المدن وأنواع المحلات السكنية الأخرى بعضها بالبعض. وهناك أسبابا عديدة لهذا التمييز على رأسها أن طرق المدينة تخدم كتلة سكانية وسكنية كثيفة في:
1- علاقات المدينة الوظيفية الداخلية متعددة الأشكال. وهذه تمثل الحركة الذاتية للمدينة.
2- علاقات المدينة ودورها داخل إقليم تسيطر عليه المدينة وتستقطب من خلاله أشكال العلاقات التجارية والإدارية والثقافية والتموينية لإشباع احتياجات السكان من الأدوات والتجهيزات السنوية والموسمية واحتياج الغذاء اليومي لكتلة السكان.
وهذه تمثل الحركة الخارجية للمدينة. وفي الحالتين تتعاظم حركة النقل والمرور الذاتية والخارجية كلما كبرت المدينة إلى أن نصل إلى العواصم القومية التي تمثل ذروة الكثافة المرورية بحكم وظائفها السياسية والاقتصادية وكل أشكال الخدمات الصحية والتعليمية والمعلوماتية والترفيهية. وهو مما يزيد استقطابها لحركة النقل السلعي وانتقال الناس ليس فقط من داخل إقليمها بل على أبعاد الدولة كلها. وينطبق هذا المعيار على كل دول العالم، لكنه يصبح أشد تركيزا في الدول النامية مركزية الحكم والإدارة حيث تكون الادارة المحلية للأقاليم باهتة قليلة الصلاحيات الفعلية.
ومصر من هذا النوع ولكن ظروفها الجغرافية والتاريخية تزيد تسلط العاصمة على مدار مئات السنين فالمعمور المصري القابل للإنتاج والسكن محكوم جغرافيا وجيولوجيا ومناخيا بمساحة ضيقة ملتصقة بمورد المياه داخل غلاف صحراوي قاحل منذ عدة آلاف السنين. ومركزية الموقع للعاصمة أمر صعب تجاوزه إلا في حالات الضرورة السياسية القصوى كطيبة (تقهقر قوة مصر)، أو تانيس "صان الحجر" (نمو الإمبراطورية المصرية إلى بلاد الشام)، أو الإسكندرية (علاقات مصر المتوسطية خلال العصر الإغريقي الروماني). وعلى هذا فإن القاهرة كنموذج للحركة والنقل داخل المدن في مصر يأخذ شكلا حادا ويتطلب المزيد من العناية برسم مخطط عام مرن Master Plan لا ترهقه المدن الجديدة التي تلقى عليها أعباء مرورية فوق طاقتها الاستيعابية الفيزيقية والبشرية.
معايير مختارة لقياس حركة المرور:
وفي القاهرة مجموعة كبيرة من مكونات الحركة والانتقال سنكتفي منها بالمسببات الأساسية كمعايير لقياس الحركة، هي:
(1) القوة العاملة التي تتحرك وظائفيا.
(2) عناصر جذب الحركة.
(3) اتجاه تيارات الحركة: شرايين وشوارع القاهرة التي تتعامل مع كتلة الحركة العامة.
(4) ماذا بعد.
(1) قوة العمل في القاهرة الكبرى
عدد السكان للفئة العمرية 15 -60 سنـة (تعداد 1996) 1,000,000 من أقسام منطقة الشمال (شبرا وشبرا الخيمة والساحل وروض الفرج والشرابية) ـ 1,700,000 من أقسام الشمال الشرقي (من السلام والمرج حتى حدائق القبة مرورا بعين شمس والمطرية والزيتون والزاوية الحمراء والوايلي) ـ 300,000 من أقسام شرق الشمال (النزهة ومصر الجديدة ومدينة نصر أول وثاني) ـ 510,000 من أقسام وسط القاهرة (الزمالك و بولاق وقصر النيل والأزبكية وعابدين والموسكي والظاهر وباب الشعرية والجمالية والدرب الأحمر ومنشأة ناصر) ـ 750,000 من أقسام جنوب وسط القاهرة (السيدة والخليفة والبساتين ومصر القديمة) 500,000 من أقسام جنوب القاهرة (المعادي وحلوان والتبين و15 مايو) 1,500,000 من منطقة الغرب (إمبابة والعجوزة والدقي ومدينة الجيزة والهرم والعمرانية وبولاق الدكرور) 6,250,000 مجموع سكان القاهرة الكبرى في سن العمل منهم نحو 3,000,000 إنـاث (متوسط 48% من مجموع السكان) وبافتراض أن 15% منهن عاملات 450,000 إناث في قوة العمل وعدد الذكور في سن العمل هو 3,250,000 (52% من مجموع السكان) وبافتراض أن 60 % من الذكور هم عاملون فإن عددهم هو نحو 2,000,000 ذكور في القوة العاملة تصبح القوة العاملة هي نحو 2.500.000 (إناث وذكور - حكومي وغير حكومي) وبافتراض أن 40% من العاملين يتحركون في دوائر عمل قريبة من سكنهم (نحو مليون عامل) يصبح المتنقلون نحو 1.500,000 عامل يتحركون في القاهرة بعيدا عن مساكنهم + نحو 500,000 عامل يدخلون القاهرة ويخرجون منها من وإلى خارج القاهرة الكبرى .=نحو مليونين من العاملين يتحركون يوميا داخل القاهرة الكبرى .
توزيع احتمالات الحركة اليومية على المناطق الجغرافية للقاهرة الكبرى الأعداد بالآلاف
المنطقـة | قوة العمل ذكور | قوة العمل إناث | مجموع الحركة |
15 -60 سنة | 15% من الاناث | اليومية الداخلية | |
الشمال | 315 | 72 | 387 |
الشمال الشرقي | 530 | 125 | 655 |
شرق الشمال | 95 | 22 | 117 |
وسط القاهرة | 160 | 37 | 197 |
جنوب الوسط | 235 | 55 | 290 |
الجنوب | 160 | 36 | 196 |
الغــرب | 470 | 108 | 578 |
المجموع | 1965 | 455 | 2420 |
الشمال= شبرا الخيمة وشبرا والساحل وروض الفرج إلخ.، الشمال الشرقي=حدائق القبة-الزاوية الحمراء-الزيتون- المطرية-عين شمس- المرج- السلام، شرق الشمال=النزهة-مصر الجديدة-مدينة نصر أول وثاني، وسط القاهرة= الزمالك-بولاق-قصر النيل-الأزبكية-عابدين-الموسكي-باب الشعرية-الضاهر-الجمالية-الدرب الأحمر-منشأة ناصر، جنوب الوسط=السيدة زينب-الخليفة-مصر القديمة- البساتين، الجنوب=المعادي-طره-حلوان-15 مايو-التبين، الغرب=إمبابه-العجوزة-الدقي-الجيزة-العمرانية-الهرم-بولاق الدكرور.
(2) عناصر جذب الحركة في القاهرة ـ مجالات الجذب الآتية هي وراء الشكل العام لحركة سكان القاهرة اليومية:
(1) الإدارات الحكومية والشركات في لاظوغلي والقصر العيني وباب اللوق وميدان التحرير وشارع الجلاء وماسبيرو وباب الخلق وعابدين + وزارات العباسية ومدينة نصر وإمبابة.
(2) تجارة الجملة في الأزهر والجمالية والنحاسين وتخت الربع والدرب الأحمر وأسواق العتبة ودرب البرابرة والخازندار والمناصرة وشارع الجمهورية وأسواق السبتية وبولاق + سوق العبور.
(3) تجارة التجزئة في الموسكي والسكة الجديدة والصاغة وخان الخليلي والغورية وباب الشعرية وأسواق وسط البلد من الأزبكية إلى الإسعاف والتوفيقية إلى باب اللوق+ أسواق روكسي وميدان الجامع والعقاد والنحاس في الشرق والدقي والمهندسين وفيصل في الغرب والمعادي في الجنوب.
(4) محطات ومواقف وسائل النقل الأساسية وعلى رأسها باب الحديد والتحرير والجيزة ومطار القاهرة ومجموعة مواقف النقل العام داخل القاهرة، ومجموعة مواقف النقل إلى خارج القاهرة الكبرى ومشروع محطة الترجمان في قلب القاهرة الذي تتبناه الآن وزارة النقل، ولنا عليه تحفظات كثيرة.
(5) الخِدمات الطبية والعيادات وسط البلد وهجرة بعضها إلى الأطراف وخاصة المعادي ومدينة نصر ومصر الجديدة والدقي. المستشفيات الكبرى الآن هي في الأطراف أيضا.
(6) الخدمات التعليمية منتشرة دون تركيز باستثناء المدارس الخاصة للغات التي هاجرت إلى مدينة نصر وطريق الإسماعيلية وإلى الغرب في الدقي ومنطقة الهرم و6 أكتوبر.
(7) خدمات التعليم الجامعي شديدة التركيز وتجذب يوميا عشرات الآلاف. وكانت الجامعات في الأصل في الأطراف مثل عين شمس والقاهرة، لكنها غرقت في خضم المدينة المتنامية في كل الاتجاهات. الجامعات الخاصة هربت إلى مدينة 6 أكتوبر وأوتوستراد الإسماعيلية امتلأ بالمعاهد العليا المتخصصة، والجامعة الأمريكية بسبيل الهروب إلى القاهرة الجديدة.
(8) محلات الأغذية الجاهزة ومقاهي الفنادق ودور السينما والمسرح والأسواق الجديدة التي تتجمع فيما يعرف باسم "المول" تمثل مناطق جذب حركة غالبا في المساء. وهذه تظهر على كورنيش النيل ووسط البلد ومناطق من الأحياء الجديدة في مدينة نصر والمهندسين وشارع الهرم كنماذج لتكاثف الحركة الليلية في القاهرة.
(9) المعسكرات، وخاصة بين العباسية ومدينة نصر وامتدادها إلى الطريق الدائري تجذب حركة يومية كثيفة داخل القطاع الشمالي الشرقي من القاهرة.
(3) تيارات الحركــة ـ شرايين وشوارع القاهرة التي تتعامل مع كتلة الحركة العامة
الحركة النهارية هي أكثف أنواع الحركة لأنها غالبا ما تشمل الحركة من خارج القاهرة بالإضافة إلى حركة سكان القاهرة أنفسهم .
فإذا كان هناك مليونين من القاهرين في حركة عمل أو أي نشاط آخر فإن نصف مليون آخرون يجيئون ويرحلون عن القاهرة في النهار، ويتزاحمون في مواقف نهايات وسائل النقل العامة بالإضافة إلى سيارات بعضهم التي تتراكم في مخارج ومداخل القاهرة بكم هائل من الحركة يصعب فك اشتباكه.
ويزيد الموضوع أزمة انتقال آلاف العاملون في مصانع وإدارات 10 رمضان و6 أكتوبر وحلوان ممن يسكنون القاهرة ويفضلونها لأسباب معروفة على رأسها ندرة الخدمات في المدن الجديدة أو ضواحي القاهرة. ولا شك في أن الطرق الآتية التي تحف بالقاهرة أو تخترقها هي مجالات لحركة كثيفة يومية:
• أوستراد الإسماعيلية من وإلى 10 رمضان ومجموعة من المصانع والمدن غير المكتملة مثل الهايكستب والعبور والشروق+سوق العبور ومدينة السلام وشرق الدلتا. وتتفرع أو تنصب هذه الحركة من وإلى طرق أوتوستراد النصر والعروبة ـ صلاح سالم والحجاز وجسر السويس. طريق الإسكندرية الزراعي الذي يجلب الحركة من القليوبية والغربية ويرفده طريق القناطر إلى المنوفية وتقودها إلى شبرا ووسط البلد بطريقين متوازيين هما شارع شبرا وكورنيش النيل ـ أوتوستراد النصر من المطار إلى حلوان الذي يجر معه حركة شرق القاهرة من مصر الجديدة ومدينة نصر إلى الأزهر ووسط البلد وإلى المنشآت الصناعية في دار السلام وطره وحلوان طريق العروبة ـ صلاح سالم يوازي الطريق السابق من المطار إلى الأزهر ومصر القديمة وطره وحلوان بطريق الكورنيش، ويرفده طريق الروضة إلى الجيزة.
طريق مسطرد – السواح – شارع الخليج – شارع بورسعيد الذي ينتهي إلى المنطقة التجارية بين باب الخلق وباب الشعرية. ويتقاطع معه شارع الأزهر إلى العتبة والأوبرا ووسط البلد. والملاحظ أن هذه الشرايين طولية ـ – أي أن معظمها يتجه في محاور شمالية جنوبية.
وكان المفروض أن تكتمل الشبكة بطرق عرضية ذات محاور شرقية غربية لكي تكون الحركة متعددة الاتجاهات. لكن القاهرة تنقصها هذه المحاور العرضية مما يسبب اختناقات المرور المعروفة في الأماكن القليلة التي توجد فيها الطرق العرضية. هناك شبكات طرق في أحياء محددة مثل وسط البلد. مثلا شوارع عدلي وثروت وقصر النيل تكون شبكة محدودة مع شوارع الجمهورية ومحمد فريد –عماد الدين وشريف وطلعت حرب. لكنها تقف عند الأوبرا من ناحية وطلعت حرب من ناحية أخرى فهي تصطدم بالكتل العمرانية القديمة فيما وراء الأوبرا وطلعت حرب.
ويرجع ذلك إلى أن تخطيط القاهرة وامتداداتها قد تم في عصور ومراحل متعددة لكل منها مخطط نابع عن عصره ويقف عن حدود أعمار منطقة معينة. ومثل هذا نجده في منطقة التوفيقية. بينما كان تخطيط مدينة نصر عبارة عن شبكة مفتوحة من الطرق المتقاطعة تسمح بأي امتداد في الاتجاهات التي لا تكتنفها عوائق التضاريس أو المعسكرات.
• العتبة – الأوبرا – وأكثر الطرق العرضية أهمية هو طريق الأزهر - 26 يوليه . فهو يخترق القاهرة من الدراسة إلى إمبابة والمهندسين، بل ويقود إلى الطريق الصحراوي و6 أكتوبر في امتداده الجديد. وهو بذلك العصب الحقيقي للقاهرة لأنه أيضا يربط مناطق أسواق الجملة في الأزهر والعتبة والجمهورية وبولاق وأسواق التجزئة في وسط البلد. ومن ثم فإن مشاكل المرور فيه ضخمة ومستفحلة على طوله و بخاصة عند الالتقاء بطرق طولية في منطقة بين الصورين والعتبة والاوبرا والجمهورية وعماد الدين والتوفيقية والإسعاف وكورنيش بولاق والزمالك وسفنكس ولبنان. وقد يحل نفق الأزهر المشكلة جزئيا في القطاع الشرقي من هذا المحور، لكنه سيزيدها سوء عند الأوبرا وما بعدها غربا إلى وسط البلد.
أطول المحاور العرضية في شمال القاهرة هو شارع أبو بكر الصديق من ألماظة إلى ترعة الإسماعيلية وشبرا المظلات. لكن تنميته ما زالت ضعيفة للغاية برغم أهميته التي تتضح عند نقاطعاته مع الحجاز عند المحكمة وسليم الأول في حلمية الزيتون وهناك محور عرض ثالث يمثله شارع التحرير من عابدين إلى الدقي ومن ثم إلى بولاق الدكرور. وإشكاليات المرور في هذا المحور حادة في باب اللوق والتحرير والجزيرة بين كوبرى قصر النيل والجلاء، والاهتمام به سيقلل التشابك المروري في الدقي وقصر النيل بصفة عامة.
وأخيرا فإن المحور العرضي الرابع هو ذلك الممتد بطول شارعي الأهرام وفيصل إلى ميدان الجيزة زمن ثم إلى الروضة ومصر القديمة . ولأهميته فإن اختناقاته متعددة وخاصة من ميدان الجيزة إلى الروضة وكوبري الملك الصالح.
نتيجة لهذا النقص الشديد في الطرق العرضية لشبكة طرق القاهرة فإن المساعي التي قامت بها الدولة مشكورة تتمثل في إنجاز كوبري أكتوبر العلوي، وكوبري الزمالك العلوي، وكوبري المنيب الذي هو جزء من الطريق الدائري الخارجي حول القاهرة الكبرى، لكنه لم يعد خارجيا الآن للسماح بالنمو العشوائي أو النمو المخطط حوله مثل ما نراه في مخطط القاهرة الجديدة والنمو العشوائي من المرج إلى ميت نما. وهو ما دعى إلى رسم طريق خارجي جديد على بعد كبير لخدمة إدخال القاهرة الجديدة والنمو السطحي في قليوب والقناطر الخيرية وما وراء إمبابة شمالا وغربا ونمو بولاق الدكرور وصفط اللبن وغيرها من النويات العمرانية القديمة/الجديدة في مركز الجيزة على حساب الأرض الزراعية. فإلى متى ننشئ طرقا دائرية ثم نهدمها؟
كوبرى أكتوبر العلوي هو شريان عرضي هام يمتد من جنوب مدينة نصر إلى الدقي . وفي جزء كبير منه هو طريق علوي متكامل مع شارع رمسيس والجلاء. وقد أزاح عن كاهل شارع رمسيس بين باب الحديد وغمرة عبء مروري كبير. أما شارع الجلاء فهو مشكلة المشاكل حقا لأنه يعترض معبر شبرا في اتجاه شمال القاهرة ومعبر الإسعاف في اتجاه بولاق والزمالك. والكوبري بعد ذلك لا يخدم العباسية المزدحمة أضعاف طاقتها بالمرور السطحي إلى الوزارات الجديدة وجامعة عين شمس ومعسكرات عديدة بطول شارع الخليفة المأمون، الذي يقود إلى مصر الجديدة والنزهة وجسر السويس إلى الزيتون والمطرية وعين شمس الخ.. أي إلى الكتلة السكانية الضخمة في شمال شرق القاهرة والتي يبلع عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين وربع المليون أو ما يساوي نحو 47 % من سكان القاهرة (وليس القاهرة الكبرى).
أما كوبري الزمالك فهو من الضيق بحيث لا يتسع لحركة كثيفة واردة عليه وخاصة بعد امتداد محور 26 يوليه إلى 6 أكتوبر وطريق الإسكندرية الصحراوي، أو الحركة المتوقعة إذا ما امتد إليه كوبري علوي يربطه بكوبري أكتوبر. وقد يحل كوبري المنيب جزء من الضغط الحالي في الروضة، لكنه لن يحل مشكلة المرور من مصر القديمة وصلاح سالم إلى الجيزة و أوائل الهرم وفيصل واحتياجات الحركة من وإلى الروضة.
(4) ماذا بعـد:
مشكلات المرور في القاهرة كثيرة ويجب التفكير الجدي في بعض المقترحات الآتية:
1- التوسع في تحسين الطرق العرضية من أجل تكامل شبكة الطرق وتقليل الضغوط على العدد القليل من نقاط التقاطعات الحالية. هناك طرق يمكن تنميتها بالوسائل المعروفة سواء كانت تحسين الخدمة المرورية بالإشارات واللوحات الإرشادية وشرطة المرور، أو بتوسيع بعض الشوارع القائمة فعلا كما يأتي.
2- شارع أبو بكر الصديق في شمال القاهرة: تحسين المرور والإرشادات المرورية ليخدم الانتقال من مصر الجديدة إلى شبرا المظلات وخدمة تقاطعاته مع شوارع الحجاز وسليم الأول وميدان المطرية والسواح وتحت نفق السكة الحديد، مع مده إلى العروبة ليصل إلى المطار ويشكل بذلك محورا بين شبرا والمطار.
3- ربط أوتوستراد النصر في أكثر من موضع مع صلاح سالم وخاصة شمال مقابر الغفير للوصول إلى شارع العباسية ومن ثم إلى رمسيس، وكذلك الربط عند منطقة مقابر باب الوزير لتسهيل الانتقال إلى شارع ونفق الأزهر ومن ثم إلى وسط البلد.
4- إنشاء محور عرضي هام بين صلاح سالم وباب الحديد وذلك بتوسيع الطريق من صلاح سالم إلى شارع الجيش وبورسعيد الممتد محاذيا لسور القاهرة الفاطمية الشمالي (سكة قايتباي وشارع البغالة)، مع إنشاء ساحات لانتظار السيارات أمام بوابتي النصر والفتوح. وذلك لخدمة الحركة إلى قلب القاهرة القديمة في النحاسين والجمالية، مع امتداد المحور إلى باب الحديد بطريق كامل صدقي لخدمة منطقة الفجالة التجارية.
5- تحسين شارع الأزهر بعد إزالة السور الأوسط (وربما الكوبري العلوي) بحيث تقام جراجات متعددة لخدمة الأعمال في الصاغة وخان الخليلي والتربيعة والغورية وجوامع الأزهر والحسين والغورى وقلاوون الخ، وتنمية الحركة السياحية والترفيهية في هذه المنطقة المجيدة ذات الشهرة العالمية بخاناتها المتعددة وبيوتها السكنية القديمة ومسارحها التجريبية ومعارضها الفنية. كما أن تحسين هذا الشارع يخدم أسواقا متخصصة حول العتبة والموسكي وبين الصورين ودرب البرابرة الخ...
6- تحسين شارع تحت الربع ومحاولة تحسين امتداده جنوب الأزهر أو عند الباب المحروق إلى صلاح سالم، ومن ثم نخلق محور هام مواز لمحور الأزهر ويمتد جنوب القاهرة الفاطمية إلى باب الخلق وحسن الأكبر ومن ثم باب اللوق ليرفد محور شارع التحرير إلى الدقي ـأي من شرق القاهرة إلى الجيزة. ويمكننا هذا الطريق من تنمية منطقة الدرب الأحمر بآثارها الإسلامية ومشغولاتها اليدوية وخاصة الخيامية.
7- ميدان باب الخلق يمثل دائرة انطلاق على جانب كبير من الأهمية في سيولة الحركة من العتبة إلى القلعة وصلاح سالم والإمام الشافعي، والسيدة زينب ومن ثم إلى جنوب شارع القصر العيني، خاصة بعد توسيع شارع السد . وهو بذلك يخدم الحركة إلى منطقة الوزارات في لاظوغلي ونوبار.
8- تحسين الطرق من البساتين إلى دار السلام ومن ثم إلى كورنيش النيل شمال المعادي وربطه بشارع آخر عند الكنيسة المعلقة وجامع عمرو لتحسين حركة السياحة والتنمية العمرانية معا مع الاحتفاظ بمنطقة آثار الفسطاط محمية أثرية لمزيد من الحفائر والتعرف على جانب هام من تاريخ القاهرة.
نوتات للملاحظة:
الكباري العلوية والأنفاق عملية مكلفة غير ودودة بالبيئة. ولهذا فإن أهم التوصيات عدم الالتجاء إلى أي منهما إلا عند الضرورة القصوى. والملاحظ أن بعض الكباري العلوية، مثل كباري ميدان الجيزة تسهل الحركة في قطاع صغير ثم تلقي بها في خانق شديد الوعورة مثل جزيرة الروضة أو شارع مراد أو شارع فيصل فهي حل جزئي يترتب عليه ضرر متضاعف! وقد حدث هذا أيضا عند افتتاح محور 26 يوليه أن تكدست السيارات في ميدان لبنان مما اضطر إلى شق طريق في قرية ميت عقبة (مع كم من التعويضات؟) ولم يعد أمام هذا المحور من سبيل إلى وسط البلد إلا بالتفكير في عمل كوبري علوي أو إضافة إلى كوبري الزمالك. ومثل ذلك أيضا ما نتوقعه في العتبة والأوبرا حين يبدأ استخدام نفق الأزهر الذي سوف يلقي بأكداس من السيارات في بحيرة شبه مغلقة لأنها مكدسة هي الأخرى في شوارع وسط البلد.
ما سبق ليس إلا نماذج من مشكلات المرور في القاهرة فإذا كنا نقف أمامها طويلا بحثا عن وسائل وطرق لتخطي هذه العقبات، فما بالنا أن تُلقَى على القاهرة أعباء مرور وخدمات أكثر في صورة مدن وأحياء لصيقة بالقاهرة تضاعف من همومها. ومثل هذه المدن والأحياء، فضلا عن تكلفتها الاستثمارية العالية وتجميد مدخرات الناس في فيلات وشقق، فإنها تصبح جاذبة لمزيد من الهجرة السكانية من الأقاليم إلى القاهرة في الوقت الذي تطلب فيه الدولة انتشار الناس على مسطح مصر بصورة أحسن مما هي عليه الأوضاع الراهنة بدلا من التركيز المرهق في حيز ضيق، والتكديس المخيف في مدينة القاهرة وحدها.
فقد كانت القاهرة الكبرى تساوي 18,9 % من مجموع سكان مصر عام 1947 وأصبحت بعد نصف قرن تستحوذ وحدها على نحو ربع سكان البلاد ـ أي من 3,6 مليون إلى نحو 15 مليون من البشر. فأي انفجار نتوقع في السنوات العشر القادمة؟؟ وهل هذا هو ما سنورثه لمن بعدنا؟
القاهرة: الأسس العويصة لإشكالية المدينة ـ الدكتور محمد رياض
القاهرة المدينة الكبرى في الشرق الأوسط مدينة العالم العربي ومدينة إفريقيا كل هذا مهم ويهم الجميع، لكنها مدينة مصر، بل هي مصر المحروسة كما وصفت منذ قرون. هي مدينتي ومدينة سبعين أو مائة مليون مصري. مستقبلها يهم الجميع ومشكلاتها اليوم هي إشكالية مزمنة ومهما طرحت حلول فهي جزء من كل لأن الإشكالية يجب أن تعالج من الجذور التي كونتها وجعلتها معضلة عويصة. وقد سبق لي أن عالجت الموضوع عشرات المرات في الصحف والكتب لكن هيهات. لست الوحيد الذي كتب وإنما سبقني الكثير وسيلحقني الكثير طالما لم يعطي أصحاب القرار رأي الخبراء قيمة التداول مهما كانت التكلفة ومهما كان الوقت في إيجاد البدائل المتخصصة لحل إشكالية القاهرة...
مقدمة المشكلة:
مركزية القاهرة هي جوهر إشكالية المدينة. ليست المركزية الجغرافية بل المركزية السياسية والاجتماعية والإنتاجية والخدمية والتخطيطية هي ما تجب معالجتها.
1. المركزية السياسية واضحة ومعروفة ويتشبث بها الحكم تشبث الغريق بقشة –لماذا؟ الجاه والسلطة والنفوذ والإعجاب الذاتي بهذه الأمور هي إشكالية نفسية تقوم على افتراض أن الوزير هو كل شيء في مجاله بينما الوزير والوزارة اشتقاق لغوي من الوزر فهل يتحمل الوزر أم يسقطه على غيره دون مسائلة حقيقية؟
2. أمثلة العملية المركزية في التطبيق كثيرة، منها 43% من سكان المدن في مصر متمركزين في القاهرة، 46% من المستشفيات، 43% من فرص العمل في القطاع العام و40% من فرص العمل في القطاع الخاص و55% من مؤسسات التعليم الجامعي وأعلى نسب في الاستثمارات التجارية والصناعية والشركات والمقار الرئيسية للبنوك والأحزاب والجمعيات الحكومية وغير الحكومية والإعلام والصحافة والثقافة والترفيه من مسارح وسينما ومعاهد التدريب ومقاهي الكمبيوتر وووالخ كلها وراء متاريس القاهرة لا تبرحها إلا بين الحين والآخر!
3. نجم عن مركزية السلطة تضخم الوزارات وتضخم الخدمات وتزايد السكان بأقدار مختلفة يعرفها المتخصصون في شتى المعلومات الرقمية وتحليلاتها الاقتصادية-الاجتماعية. زاد السكان في أربعة عقود من 6 إلى نحو 13 مليونا عام 1996. يتوقع الخبراء الإحصائيون أن يزيد السكان بعد 15 سنة إلى 24 مليونا عام 2020، بل ربما يصلون إلى 34 مليونا نتيجة قوى دفع أكبر قوة من أجهزة التخطيط! إن زيادة عشرة ملايين عن توقعات المخططين تعني بصريح العبارة تسيب في ضبط النمو نتيجة استمرار سيل الهجرة للقاهرة وأن هناك قوى أكبر من السيطرة، فما هي؟
4. أيا كانت الأرقام والتوقعات فالحال الذي يعرفه الجميع أن القاهرة الحالية بملايينها العديدة غير قابلة للانضباط لا عمرانا ولا مرورا ولا استثمارا وأنها تطغى على كل الأراضي الزراعية سواء في الجيزة من القناطر إلى البدرشين أو جنوب التبين إلى الصف وصول، أو مراكز القليوبية الجنوبية. نظرة عابرة من على الطرق الدائرية جولة القاهرة تصدم المشاهد بهذا النمو السكني القبيح على أرض كانت منتجة بورها الملاك أو المستثمرون تمهيدا لعمران جديد أحيانا عماليق أبنية وأحيانا أكثر مباني الفقر من جدران رفيعة من الطوب الأحمر تهدد بالانهيار في حال التحميل الشديد...
كيف تحكم المدينة:
المحافظ رأس الحكم في المدينة يعاونه رؤساء أحياء ومجالس محلية. لكنه في القاهرة الكبرى يقع في ظل قوى أكبر. فقوة تنفيذ القرارات تقبع في وزارة الداخلية، وتنفيذ المخططات الإعمارية في أيدي وزارات عديدة على رأسها الإسكان والأشغال والتعليم والصحة الخ.
حلول جزئية:
إذا كانت سيولة الحركة المرورية هي مقياس صحة أي مدينة فإن مشكلات القاهرة في هذا المجال تؤذن بشلل جزئي قد يستفحل سريعا. كيف نتدارك الشلل؟ ليس هناك حل سحري شامل ولكن الحلول المطروحة مجرد ترحيل العقد المرورية من نقطة إلى غيرها بإنشاء كوبري أو نفق أو نظام "يو تيرن" الالتفاف عند فتحات متباعدة تثير مشاكسة استخدام الطريق كما نعرفه لأنه ينقصه استكمال شروط تنفيذه.
نقص أشارات المرور الكهربية وتضارب بعض شرطة المرور في إشارات كل منهم بالتوقف أو السير وفزلكة السائقين في كسر الإشارات وقلة شرطة المرور الراكب –كلها عناصر تسبب فوضى السير ناهيك عن تعطل السيارات التي انتهي عمرها وما زالت تزحف وتعطس وتزاحم وتتعطل وتسبب الحوادث مع انباعاثات كربونية تسهم في تكوين السحابة السوداء.
أين المشاة:
في خضم التنظيمات الجزئية للمرور ينسى المسئولون أننا شعب في معظمه فقير. كيف يأمن الإنسان عبور شوارع الاتجاه الواحد؟ ليست هناك أماكن عبور المشاة إلا النذر اليسير. بل أن بعض الاتجاه هو توسيع نهر الطريق باقتطاع أرصفة المشاة! أليست الحياة مهمة حتى للفقراء؟
ويتبع >>>>: صالون خليل فاضل الثقافي الثاني والعشرين2
اقرأ أيضاً :
صالون خليل فاضل الثقافي، خاتمة / الشباب العربي مشاكل وحلول