حكاوي القهاوي (58)
(264)
يارب بارك في الثوار
طلع لي أخيراً صوت؛ وأنا اللي طول عمري مابنطقش. يجي عليّ الليل ولا عمري مرة سألت ليه النجوم تطلع بس في عز الضهر.
(265)
حكاية شمس
الاسم: محمد شمس
الجنسية: مصري
المهنة: طالب بكلية صيدلة الإسكندرية
التهمة: مواطن
محمد كان راجع من الساحل الشمالي الساعة تلاتة ونص العصر، إعترضته سيارة ملاكي، اللي راكبين فيها أشخاص عاديين ولبسهم عادي زينا كلنا. محمد خاف منهم يكونوا بلطجية وعايزين يسرقوا منه العربية، وحاول يهرب منهم. العربية طاردته وقطعت عليه الطريق، وخرج منها واحد معاه رشاش. محمد حاول يرجع بعربيته علشان يهرب منه، وهو بيبص في المرايا الجانبية علشان يرجع ويلف بعربيته، أطلق عليه الشخص رصاصة موت إخترقت زجاج السيارة. ولكن من ستر ربنا لأن محمد كان بيبص بجنب مرت الرصاصة وصابت عينه الشمال إصابة غير مباشرة بدل ما تقتله. محمد عينه نزفت بشدة.
الشخص طلع ظابط واللي معاه بهوات زيه. محمد طلب من الظابط إنه يوديه بسرعة المستشفى علشان يلحق عينه قبل ما تتصفى. البيه الظابط رد ببساطة وقال تقول إنها حادثة أوديك؛ أو ح البسك قضية هرويين. محمد رفض، فالبيه الظابط أخده ع القسم، وهناك ف القسم أخد محمد في غرفته، وفضل المسكين مرمي بيصرخ من الألم وعينه بتنزف، والبيه الظابط يقوله؛ قول إنها حادثة للمستشفى أوديك.
محمد وافق في النهاية على إنها حادثة، وأخده الظابط للمستشفى الميري الجامعي الساعة تمانية بالليل. الطبيبة المحترمة رفضت تقبل إن الإصابة مجرد حادثة عربية، وإن زجاجها إتكسر ودخل في عينه. الظابط لما مالاقاش فايدة منها أخد محمد ورجع ع القسم. أترمى محمد على حصيرة للساعة إتنين صباحاً، وبعدها الظابط أخده ورجع لنفس المستشفى تاني. ورمى محمد في نقطة الشرطة بتاعة المستشفى، وأخدوا منه كل حاجة حتى الموبايل علشان ما يتصلش بأهله.
محمد إترمى في النقطة لغاية الساعة تمانية الصبح لما دخل غرفة العمليات اللي عملوا له خياطة للعين مش أكتر. محمد خرج من غرفة العمليات لقى الشرطة العسكرية في إنتظاره، وأخدوه ع النيابة العسكرية ولقاها بتحقق معاه بتهمة الإتجار في الهرويين الخام، وأعطوه خمستاشر يوم حبس على زمة القضية وتحويله للنيابة العامة لعدم الإختصاص. محمد أغمي عليه أثناء التحقيق وحولته النيابة للمستشفى الإيطالي العسكري، وهناك عملوا له عملية جديدة، لأن العملية اللي تمت في المستشفى الميري كانت على حد كلام الدكتور ف المستشفى العسكري مجرد طلسئة، ومش معقولة يكون اللي عملها طبيب.
محمد قعد في المستشفى العسكري لمدة عشر أيام، ومنها خرج من المستشفى على سجن الحضرة. وهناك شاف الويل ضرب وإهانة لكل المساجين، اللي كل عشرة منهم بيناموا في غرفة أتنين × اتنين متر. محمد صرخ وقال فين حقوق الإنسان، وهنا بقى كان ح ينضرب منهم بجد الجد. محمد راح النيابة وجابوا العربية اللي حرّزتها الشرطة اللي كان فيها كيس الهرويين، بس المفاجأة إن النيابة وهي بتعاين العربية تاني لقت كيسين هرويين صغيرين، جداد غير الكيس الأول اللي إتعملت القضية لمحمد على أساسه، كيس كان ع الكرسي الأمامي وكيس كان ع الكرسي الخلفي. يعني يا شرطة كيسين زي دول معقولة ماحدش شافهم، دول جداد بقى؛ طب مين اللي حطهم.
وكيل النيابة ضحك من السخرية وأعطى محمد إخلاء سبيل على ذمة القضية اللي بتنظر أمام المحكمة. محمد قال لوكيل النيابة الحكاية كلها بس هو سجل إن محمد جاي وعلى عينة حتة شاش، يمكن شاف إن ده موضوع غير قضية الهرويين وعلى المجني عليه تقديم شكوى جديدة ضد الظابط بتهمة إطلاق الرصاص عليه. محمد عايش في ذهول حاول يقابل وزير الداخلية ويشتكي، بس ماعرفش. محمد تصور إن بعد خمسة وعشرين يناير والقبض ع الكبار، إن الصغار ح يخافوا ويتلموا، بس محمد لقى كل حاجة زي ماهي ومفيش تغيير.
هي دي حكاية شمس من البداية بس لسه النهاية ما جتش،حاولت أفهم اللي حصل بطريقتي وطلعت بالآتي:
1- جهاز الشرطة والعاملين فيه جواهم غل من الشعب وكره فظيع من يوم ماقام بثورته. الشرطة بتتعامل مع الشعب على إنه عدو ولازم الإنتقام منه. وده باين في طريقة إطلاق الرصاص، رصاصة واحدة في الراس، رصاصة موت. وزي ما قال محمد للظابط إنت عايز تموتني؟!! كان ممكن تضرب رصاصك في كاوتش العربية وتقبض عليّ. الظابط عمل كده علشان هو عايز يقتل مواطن مش يقبض عليه. الظابط لو كان عارف إن محمد شكله مجرم كان لا يمكن يقتله، وكان بس قبض عليه. لكن الظابط شايف محمد وواثق إنه مجرد مواطن ويبقى هو ده الهدف.
2- الشرطة بتشتغل بإسلوب محو أي دليل إدانة ممكن يدينها، وأول الأدلة هو الضحية اللي ح يتكلم ويقول اللي حصل. يعني مفيش مانع إن محمد يتساب ينزف تمنتاشر ساعة لما يموت، علشان الظابط يستريح ويكتب اللي هو عايزه في المحضر وتخلص القضية. بالظبط زي ما بيحصل في قضايا الإغتصاب، تلاقي المغتصب يقتل الضحية علشان ماتقولش مين اللي عمل عملته، خصوصاً لو كان معروف بالنسبة للضحية، أو ممكن تستدل عليه.
3- لا توجد في الحقيقة أقسام للشرطة، ولكن توجد أوكار للشرطة، يعمل بها تشكيلات عصابية بزي رسمي. لأنه ببساطة شديدة محمد إترمي في غرفة الظابط من الساعة أربعة العصر لغاية الساعة إتنين صباحاً بيصرخ من الألم، ومفيش حد فكر يدخل ويسأل ويعرف ويرفض اللي حصل ويبلغ عن البيه الظابط ده. الغرفة دي في القسم مش في مبنى تاني معزول عنه، والقسم ده فيه بدل الظابط عشرة وله كمان مأمور. محمد فضل في القسم من الساعة أربعة العصر لغاية إتنين صباحا، وده معناه إن طقم العمل إتغير وجه ضباط تانين ومفيش حد فكر يسأل مين اللي بيصرخ وليه؟. معنى كده إن الصراخ والتعذيب لسه أمر عادي في أقسامك يا مصر، وكل اللي بيشتغلوا في القسم من أصغر رتبة إلى أكبر رتبة موافق ومشترك في الجريمة اللي بتحصل.
4- منين جاء الهرويين الخام اللي دسوه لمحمد وعملوا به له القضية. هرويين خام؟!!! خام!!! دا تمنه غالي قوي ياحضرة الظابط، ياترى عندك كام كيس غيره عشان تستغنى بالسهولة دي عنه. هو أنت بتاجر فيه لاسمح الله؟ ولاّ اللي بتمسكوه من التجار بتقسّموه عليكم، عملاً بالمثل اللي بيقول "شيال السم يدوقه". الله يرحم خالد سعيد لما جاب الفيديو اللي بسببه قتلتوه، وكان عايز يحطه ع اليوتيوب، واللي فيه السادة الظباط بيقسّموا على نفسهم المخدرات اللي ضبطوها. ولاّ يمكن تجار الهرويين الكبار قوي اللي بيشتغلوا في الخام حبايبكم، وعايشين تحت ظلكم وفي حمايتكم، ومفيش مانع عندهم لو خدموا البيه الظابط في كيس يعمل به قضية أو حتى يستخدمه مع أصحابه وشلته. خام ياحضرة الظابط!!
5- وحتى يستمر الظابط في فساده لازم يكون فيه طبيب فاسد، يكتب التقرير الطبي اللي عايزه الباشا، وعلشان كده لما الدكتورة المحترمة رفضت التعامل مع حالة محمد على إنها حادثة سيارة، الباشا أخد محمد ورجع تاني للقسم. ورجّع محمد للمستشفى للمرة التانية الساعة إتنين صباحاً لما جه اللي يقبل يعمل للبيه الظابط اللي هو عايزه. بس السؤال هنا إيه اللي ماسكه الظابط عليه علشان يوافق يعمل اللي هو عايزه؟ وعلشان يرعرع الفساد في الشرطة يبقى لازم يكون فيه طبيب شرعي فاسد يكتبه تقرير مفصّل على مقاس الباشا. الله يرحم الشهيد خالد سعيد اللي جثته راح تشهد يوم القيامة على الأطباء الشرعيين اللي قاموا بتشريح جثته. ظابط ومواطن وطبيب؛ وبكده تبقى القضية والورق ميه ميه قدام النيابة والقاضي، وياخد البيه الظابط براءة، ويمكن كمان تعويض ع الضرر المعنوي اللي أصابه من جراء الإتهام. ويسلام بقى لو الباشا الظابط رتبة كبيرة، مساعد الوزير مثلا، يبقى إحتمال الكرم الحاتمي يتعدى الطب الشرعي والكلام الهايف ده.
هو ده اللي أنا طلعت به من حكاية شمس، وعشان كده خطوات تحقيق العدالة لازم يحصل فيها تغيير. بمعنى أن يقتصر عمل الشرطة على الجانب الوقائي لمنع الجريمة والجانب الجنائي لتحديد المشتبه فيهم في إرتكابها. أن تكون النيابة، والطب الشرعي، والقضاء جهات مستقلة لا علاقة لها بوزير العدل. أن تكون مصلحة السجون جهة تنفيذ أحكام القضاء تابعة لوزارة العدل وليس الداخلية. أن يقتصر عمل جهاز الأمن الوطني على مكافحة الإرهاب، مع وضع تعريف دقيق ومحدد لمعناه، على أن تكون مهمته هي الوقاية من جرائم الإرهاب والكشف عن مرتكبيها ولا تكون هي جهة التحقيق في جرائم الإرهاب، وأن يكون لهذا الجهاز مقر واحد في القاهرة فقط، ينتقل العاملين لمواقع العمل ثم يعودون للمقر بعد إنتهاء المهمة. وأخيراً أن يتم إلغاء كلية الشرطة بنظامها الحالي، فيقبل فيها خريجي كليات الحقوق ليتخرجوا منها بعد الدراسة لمدة ستة أشهر المواد الشرطية وقانون الإجراءات، وستة أشهر أخرى لدراسة التخصص دقيق، ليتخرج الضابط ليعمل في تخصص معين يظل فيه حتى ينهي خدمته؛ مما يتيح له إمكانية تراكم الخبرات في هذا التخصص.
(266)
ما بين الترغيب والترهيب
أهم عامل ساعد على إن الفساد يستشري في مصر، كان جهاز أمن الدولة، وكانت الأداة الأساسية لهذا الجهاز هي الترغيب والترهيب. أما الترغيب فكان يتمثل في منح الامتيازات للمتعاونين معه، مثل منح المناصب في الجهات اللي بيشتغل فيها، أو حتى منحه امتيازات في المنطقة اللي عايش فيها. كان لي صديق طلبت منه أمن الدولة يتجسس على زمايله في الشغل، وكان أول ترغيب له إن الظابط قاله "قول لنا مين من جيرانك مضايقك وشوف ح نعمل لك فيه إيه".
أما الترهيب فكان يبدأ بالتعذيب وينتهي بعمل ملف فيه أي تصرف أو سلوك مشين ممكن يفضحوا به الراجل ويبدأوا يضغطوا عليه علشان يتعاون معهاهم. زمان قال لي ظابط في أمن الدولة عن شخصية مهمة "عارف فلان ده بنته لسه عاملة عملية ترقيع لغشاء البكارة علشان فرحها الاسبوع ده". تخيلوا بقى لو أمن الدولة هددت الراجل ده إنهم مسجلين لبنته كل مكالمتها التليفونية وهي بتطلب مساعدة صديقة تشوف لها دكتور، تفتكروا الراجل كان يقدر يقول لأ على أي حاجة في أي حاجة لأمن الدولة. ما بالكم لو صوروا شريط جنسي لأي شخص مع واحدة أو كانوا هم اللي بعتوها له. هو ده اسلوب أمن الدولة والشرطة وعلشان كده سهل جداً يلفقوا تقارير طيبة من دكتور أو من طبيب شرعي أو حتى من قاضي.
(267)
نعم.. ولكن
نعم يُحمد لوزير الداخلية الإتصال ببرنامج ف الميدان ليطلب مقابلة محمد شمس في اليوم التالي بمكتبه، ولكن هذا دليل على أن الوزير لا يعرف ما يجري في مكتبه فكيف نثق في أنه يعرف ما يجري خارجه. محمد حاول يقابل الوزير، وراح مكتبه بالفعل، وقابل نقيب في العلاقات العامة وسمع الحكاية كلها من محمد، ومر شهر ولا حد سأل فيه. ده معناه إن محدش قال للوزير، يعني فيه ناس هي اللي بتحدد إيه اللي يتقال وإزاي يتقال وإيه اللي ماينقالش، هي دي المصيبة إنْ فيه أوصياء عليك يا سيادة الوزير.
7/7/2011
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (60)
واقرأ أيضاً:
أهم من الاستفتاء، وأخطر من ثورة مضادة/ هنا والآن.. الثورة تكون إزاي؟؟/ كشف الطيش.. في مسألة الجيش/ حكاوي القهاوي