بيوت تأهيل المدمنين (1)
إذن هيا بنا ندخل سوياً بيت من بيوت التأهيل، نتعرف عليه، إذا كان لديك ابن، ابنة، أخ، أخت... إلخ. يعاني من مرض الإدمان فإن أول خطوة هي الذهاب به إلى الطبيب المعالج، ومن خلال الطبيب يتم تحويله إلى مكان علاجي يتعامل مع أعراض الانسحاب Detox والطبيب سيتابع حالته حتى يرى أنه بالفعل مستعد للالتحاق ببيت من بيوت التأهيل.
يبدأ بيت إعادة التأهيل بعمل التقديم لهذا النزيل يتم فيه تعريف المدمن ما هو بيت التأهيل وما هو البرنامج،فهذا من أهم نقاط فلسفة العلاج في بيت التأهيل وهو أن المدمن يلتحق به حسب رغبته ومن المتوقع جداً كما تتساءل أنت بداخلك الآن؛ ماذا لو رفض؟ أشعر بقلق ولكن أحب أن أوضح أنه من الممكن عمل جلسات فردية لدفع –أي زيادة- الدافعية عنده إلى أن يوافق على الالتحاق.
إذن ما هو البرنامج؟
البرنامج عبارة عن فلسفة علاج جديدة في مصر بالنسبة لعلاج الإدمان، اُدخلت منذ حوالي عشر سنوات ويسمى بالعلاج الجمعي أو الجماعي وهو بمعنى أن العلاج يقوم بواسطة مجموعة يشتركون في نفس المشكلة وهي إدمان المخدرات، ويحاولون سوياً بمساعدة بعضهم البعض أولاً الامتناع عن التعاطي ثم مساعدتهم لبعضهم البعض في تغيير طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع مشاعرهم وتغيير سلوكياتهم التي تجعلهم يرجعوا إلى مرة أخرى والتي تجعلهم يعانون في حياتهم، وأن يتعلموا طريقة جديدة للعيش بدون تعاطي مخدرات وأن يقبلوا الحياة بشروطها تحت إشراف الطبيب والمعالج وبقيادة المجموعات العلاجية. إن هذه الطريقة (العلاج الجمعي) حققت أكبر نسبة تعافي على مستوى العالم.
يظهر دور الأطباء والمعالجين في المكان العلاجي بتوفير جو التعافي وهو جو القبول الغير مشروط وجو الأمان ورغم أن المريض قد وافق على الالتحاق وأن المدة لا تقل عن ثلاثة شهور وتتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر أو أكثر قليلاً حسب الاستعداد وشغل النزيل واستجابته للنظام العلاجي وتطبيق الخطة العلاجية، فإنه من الممكن أن يغير رأيه بعد الالتحاق بقليل أو بعد فترة وهذا متوقع جداً ومحتمل لوجود ما نسميه (ازدواجية الوجدان) وهو وجود صراع داخلي أو صوتين بداخله؛ صوت يرغب في إكمال العلاج والامتناع عن التعاطي، والصوت الآخر يطلب منه أن يغادر المكان العلاجي ليرجع للتعاطي (قلب الترابيزة). ولا نتوقع أن يقول لك ذلك صراحة حتى هو نفسه يصدق نفسه (لا يكذب بالعقل) لكن ما نسميه –نحن- الإنكار (خداع المرض)، فتراه يقدم لك من التبريرات المقنعة (وأؤكد لك مقنعة) لمغادرة المكان وأن سيكمل العلاج بنفسه أو أنه بالفعل تعافى وسوف يؤكد لك أنه لن يتعاطى مرة أخرى، هذا كما قلنا ما نسميه خداع المرض أو الإنكار، فمريض الإدمان له دفاعيات يدافع بها عن نفسه.
وهنا تبرز أهمية دور الأسرة فنحن فريق متكامل لمساعدة المدمن يتكون من الأطباء والمعالجين أو الفريق العلاجي والأسرة وكل من يريد أن يقدم مساعدة له. كما ذكرنا أن المرض يتصف بأنه ماكر مخادع خبيث لدرجة أنه يقنع صاحبه أنه تعافى ولا يريد أن يرجع لهذه الحياة، وأنه يشعر بالتحسن ولن يرجع إلى المخدرات مرة أخرى. أحب أن أكرر هو لا يكذب ولكنها كذبة كبيرة هو يصدقها وهو ما نسميه إنكار وهو من أخطر ما في المرض وهي حيلة دفاعية يدافع فيها المرض عن نفسه حتى لا يقاومه صاحبه فيخدعه، وهذا الخداع على مستوى التفكير وأيضاً الإحساس مثلاً: أنه كَرِه المخدرات تماماً ولن يرجع لها. يا لها من كذبة كبيرة يصدقها وربما الأهل أيضاً يصدقونها. لكن كيف؟ والتجارب تشير بكل قوة أنه عاجز تماماً على أن يتحكم بمفرده في الامتناع عن المخدرات!! كيف وهو لا يعرف أي شيء عن طريق التعافي؟!! أم أن المرض رُفِع عنه فجأةً بعد كل هذا العناء!! قلنا أنه مرض مزمن، لكن من الممكن محاصرته، فأين تعلم كيف يحاصر هذا المرض؟!!
هنا يأتي دور الأسرة. لا بد من الوقوف بموقف حازم. أننا هنا لمساعدته كي يتجاوز هذه المحنة، رسالة تعلمه بأي أسلوب أننا على استعداد لمساعدتك، لكن إذا رفضت المساعدة فلن نقبل أن تخرب حياتك وحياتنا في وسط العائلة، اختر طريقاً بعيداً عنا. لابد أن يشعر المدمن بالجدية لأنه من داخله يشعر بل يتأكد (وذلك من تجاربه السابقة) بقوة تأثيره على من حوله خاصة من يحبونه، وطالما أن المدمن يجد بصيص من الأمل بأن يستمر في التعاطي فلن يفوت هذه الفرصة، فمهما قال من قصص وأشعار وقصص لابد أن يعترف أن الامتناع عن المخدرات ليس باليسير خاصة في المرحلة الأولى.
لا بد من وقفة من الأهل، وألا يعتمدوا على الفريق العلاجي فقط، أقول: إن دوركم مهم جداً جداً في إنقاذ ابنكم أو أخيكم. أرجو لتسهيل الأمر الرجوع دائماً للفريق العلاجي لمعرفة كيف التصرف معه، مهما قال المدمن الذي تريدون مساعدته، اسمع منه كما تحب لكن لا تتخذ أي قرار ولا تتصرف إلا بعد الرجوع إلى الفريق العلاجي.
دور الأسرة: إننا في المكان العلاجي نحدد يوماً أسبوعياً لعمل اجتماع الأهل family meeting لمقابلة أسر المدمنين فيها لزيادة الوعي، وأيضاً من أجل شيء مهم جداً؛ الإدمان مرض معدي ينتقل لكل من تعامل المدمن معه. فمن يتعامل مع المدمن تجده دائم القلق مكتئب لفترات ليست قصيرة، ينتابه شعور بالحزن الطويل، يتعرض مضطراً للكذب والمراوغة (أي: كما يفعل المدمن) للخروج من المأزق الذي يضعه فيه المدمن... إلخ حتى تتفاقم الحالة فينسى فيها كل نشاطاته الحياتية وهواياته وينسى نفسه وينشغل كل الانشغال بإصلاح هذا المدمن وتغييره، حتى يصل لحالة لا يكون فيها سعيداً، أو لن يرتاح أو يشعر بالتحسن حتى يشفى هذا المدمن وهذا ما نسميه بـالاعتمادية المتواطئة.
أريد أن أوضح أن هذا التصريح يكون بوعي أو بدون وعي، فأي محاولات للتحكم في الاستقرار الداخلي للإنسان بأشياء خارجية مهما كانت فهي اعتمادية تحتاج الشفاء والتعافي، وهذه المجموعات أو اللقاءات الأسبوعية تساعد أهل المدمن على الشفاء من الآثار السلبية التي خلَّفها وجود مدمن يعيش معهم، وأيضاً تلقى المعلومات لمساعدته في الحياة الجديدة في التعافي وهذه من الخدمات التي يقدمها المكان العلاجي مجاناٍ لأسر المدمنين.
عندما يلتحق المدمن بالمكان فأول مرحلة (شهر تقريباً) نساعد النزيل في التأقلم على المكان وعلى المجموعة وأن نساعده على إزالة هذه الدفاعيات ونهيئ له جو القبول والأمان ليبدأ في الشغل الحقيقي في المجموعات العلاجية بالتكلم والمشاركة بما يدور بداخله من أفكار ومشاعر. هذا هو بداية شغله ولن يبدأ بذلك إلا بعد أن يطمئن للجو حوله من المجموعة والأطباء والمعالجين، ودفاعيات المرض لا تنتهي فهي من وقت لآخر ومن مواقف يتعرض لها تأتيه مرة أخرى، فبعد أن يبدأ في التكلم عن نفسه نساعده على التكلم عن أسرار هو نفسه لا يحب أن يسترجعها، ربما في طفولته ليس له دخل بها لكنها تؤلمه ربما هو نفسه فعلها في مرحلة من مراحل عمره وتشعره بالندم والخزي والعار والإحساس بالذنب، إنها مؤلمة حقاً، فبعد تهيئة جو القبول والأمان والحب يبوح بهذه الأسرار ويتكلم بها أمام المجموعة أو أمام الطبيب أو المعالج ربما هذا يجعله يشعر بالراحة سريعاً أو ربما يمر بمشاعر مؤلمة تستمر فترة لمواجهته لهذه الأحداث واسترجاعها قبل أن يشعر بالراحة.
في هذه المرحلة يحتاج المدمن لمساندة وتقديم العون من الفريق العلاجي فهنا تكمن الخطورة، فأنا أعتبره كمن دخل لعمل عملية جراحية وبعد أن بدأ الجرَّاح بفتح بطنه أو صدره وقبل أن يُكمل الجراحة أفاق من المخدر وأراد أن يغادر غرفة العمليات بل المستشفى كلها. أرى أن ما يتعرض له المدمن أو النزيل لا يقل خطورة عن الجراحة، لأننا نساعده في أن يكشف ويواجه بأسرار ومواقف أمضى سنين عمره في إخفائها وحتى الهروب منها بينه وبين نفسه، إنها بالنسبة له مؤلمة جداً فكيف نتركه وهو بهذه الحالة.
هذا ما جعلني أهتم بإتمام البرنامج العلاجي كله، وعدم مفاجئة الفريق العلاجي أو الطبيب المعالج برغبة النزيل واتخاذه قرار نهائي بمغادرة المكان، فنحن أولاً: نجلس مع النزيل قبل أن أوضح المراحل الأربعة التي سيمر بها قبل تخرجه من المكان، يتم التأكيد على فكرة أننا أسرة واحدة تعمل لإنقاذه ومساعدته من هذا المرض الخطير الذي أودى بحياة الكثير من أصدقائنا وأقاربنا ومعارفنا، وأن هذه الأسرة تتكون من هذا النزيل وأسرته والفريق المعالج وأيضاً المجموعة التي ينتمي إليها community فأي قرار بما فيه قرار مغادرة المكان يجب أن تجتمع هذه الأسر لأخذ مثل هذا القرار وليس وحده فقط إلا إذا اختار هو أن يتخلى عن الفريق العلاجي فهناك ترتيبات أخرى.
بعد أن عرفنا طريقة العلاج الجمعي، عن طريق المجموعة أو المشاركة بما يدور بداخله، والأسئلة التي يجيب عنها عند بدئ التحاقه (التقييم الشخصي- تشخيص الاعتماد الكيمائي- قصة حياته- خطوة أولى تمهيدية)
يتضح لنا كفريق معالج جوانب من حياته للتعامل معها ومساعدته على مواجهتها واجتيازها بنجاح بمساندته وتقديم العون من المجموعة والفريق العلاجي، ومازالت الرحلة العلاجية تأتي بثمارها بتعلمه مبادئ روحانية يبدأ في تطبيقها في حياته مثل الأمانة فهي العمود الفقري للبرنامج، فأول ما يبدأ به ألا يكذب مهما كان وإذا وقع في الكذب أو فعل ما ينافي الأمانة يعترف سريعاً ويحاول إصلاح ذلك سريعاً، ويتعلم قبول النقد من المجموعة لمعرفة عيوبه ويتلقى المساعدة من الأطباء والمعالجين لإعطاء المعلومات النافعة اللازمة لتعريف هذا السلوك ومضاره وتأثيره على حياة المدمن ومساعدته في كيفية التخلص منه.
وهكذا يستمر في التغيير، تغيير الشخصية الإدمانية التي إن لم يغيرها فلابد أن يتعاطى المخدرات مرة أخرى لأن هذه الشخصية القديمة –بطريقة تفكيرها ومشاعرها وبسلوكياتها- اعتادت أن تتعاطى المخدرات فلابد من تغييرها، وبالفعل فالنزيل ببيت إعادة التأهيل يستمر في التغيير والنضوج والنمو وتطبيق مبادئ روحانية جديدة في حياته، والتخلص من العيوب في شخصيته مثل الاندفاعية والغضب والوحدة والعزلة وإرضاء الآخرين على حساب نفسه والأنانية والانحرافات الجنسية وكثير من العيوب.
أيضا يتعلم مهارات اجتماعية جديدة فكيف يتعامل مع الشعوذة (الرغبة المُلِحّة لتعاطي المخدرات) كيف يتعامل مع مشاعره؟ كيف يتعرف عليها ويسميها ويقبلها وكيف يستغلها إيجابياً.... إلخ؟. يتعلم كيفية اتخاذ القرار الناضج وتوكيد الحقوق بطريقة إيجابية، الفِخاخ النفسية، المواقف عالية الخطورة وكيفية التعامل معها وكيفية التعامل مع الاكتئاب والقلق والخوف وتعلم اتزان الحياة الكبرى والصغرى... إلخ.
أيضاً من طرق العلاج التي يتلقاها النزيل في المكان العلاجي السيكودراما psychodrama وهي من طرق العلاج التي تثمر نتائج سريعة وتغير ملموس خاصة في المشاكل الأسرية في مراحل العمر المختلفة أو في الوقت الحالي، وتحل كثير من المشاكل في العلاقات الأخرى التي يمر بها النزيل أو حتى مشاكل مع نفسه، وأيضاً نستخدمها في توديع المخدرات لمساعدة النزيل في تقليل الانشغال والاشتياق للمخدرات... إلخ.
ومن الطرق العلاجية أيضاً برنامج صحة العلاقات نوضح فيها الأسر السوية والأسر المضطربة والأسر التي نشأ فيها والأدوار التي فرضت علينا لتمثيلها في الأسرة، وأيضاً العلاقات الصحية والغير صحية وكيفية وضع الحدود الصحية في العلاقات، ودراسة الاعتمادية... إلخ.
من البرامج التي يتعلمها النزيل البرنامج الذي سيستمر عليه بقية حياته وهو من أهم البرامج التي أثمرت أفضل النتائج عالمياً للتعامل مع مرض الإدمان وهو برنامج الـ12 خطوة فنساعد النزيل في حضور 90×90 اجتماع ومساعدته في الاتصال بزملائه ومساعدته في دراسة هذه الخطوات ومناقشتها والانتقال من خطوة إلى خطوة حتى الوصول إلى مشاركة الخطوة الخامسة فيكون مستعداً للتخرج من المكان وهو يشارك الخطوة 5 ويكمل باقي الخطوات مع مُشرفِهِ عند التخرج وذلك عندما يكون قد وصل إلى آخر المرحلة 4.
قبل أن أبدأ في شرح المراحل العلاجية أحب أن ألفت نظركم إلى شيء مهم أرى أن هذا المفهوم قد اندثر وسط مفاهيم مغلوطة البعض يظنها جاءت من زمالات الـ12 خطوة وبيوت التأهيل بريئة منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب، هذا المفهوم الخاطئ هو ما يظنه البعض –وللأسف بعض منهم معالجين وأيضاً مشرفين في زمالة الـ12 خطوة- أن التعافي والتبطيل قائم على أن يتم تسليم المدمن الذي يريد أن يتعافى عقله تسليماً تاماً إلى مشرف أو معالج أو طبيب!!! هذا المفهوم غير موجود في برنامج الـ12 خطوة ولا في أي منهج من مناهج بيوت التأهيل.
إننا نوضح للمدمن أن أفكاره القديمة هي السبب في كل النتائج التي وصل إليها الآن وهو يحتاج إلى تغييرها ونساعده أيضاً لاعتناق مبدأ مهم جداً هو التفتح الذهني وهو فتح عقله لمفاهيم وأفكار جديدة، ومبدأ التسليم هو التسليم لمبادئ روحانية جديدة يعتنقها ونحن نشجع على ذلك لكن لا نشجع أن تنعدم شخصيته لمجرد أن عنده مشكلة مع المخدرات ونفرض عليه أن يتخلى عن شخصه تماماً حتى يكون مثلنا.
هذه الفكرة خطيرة وليس لها أصل في علاج الإدمان لأنني أؤكد لكم من خلال ما تعلمته ومن خلال خبرتي أننا لو فرضنا على أي مدمن أن ينفذ كل قراراتنا وألا يأخذ أي قرار في حياته إلا بعد الرجوع إلى طبيبه أو معالجه أو مشرفه واستمر الترهيب والتخويف دون أن يستعمل عقله أو بأخذ أي قرار فبذلك نجعله شخصية مهزوزة لا يثق بنفسه تماماً.
المطلوب أن يفتح عقله لأفكار جديدة لا أن يسلم عقله، هناك فرق أن نعلمه كيفية اتخاذ القرار الناضج ونعلمه مهارات الحياة وبين أن نلغي شخصيته بل إنسانيته وهذا ما نسميه انتهاك روحي spiritual abuse ، وكما في المثل (لا تعطين سمكة ولكن علمني كيف اصطاد السمكة). هذه هي الفلسفة العلاجية لبيوت التأهيل؛ مساعدة المدمن أن يعود إلى التفكير السليم وتحمل مسئولية قراراته وأن يشارك ويشاور ويأخذ الآراء ويفكر بعدها ما يناسبه وما لا يناسبهما جماعة من مشاركات ومشاورات. نحن نريد شخصية جديدة ولا نريد copy نسخة أو صورة طبق الأصل من المعالج أو المشرف، ولو طبقنا هذا الأسلوب العقيم (فرض الآراء واتخاذ القرارات بالنيابة عنهم) نكون قد ظلمناهم وحرمناهم أن يكونوا شخصيات فريدة. نحن نؤيد أن يكون لنا قدوة ولكن نحذر من أن نكون صورة طبق الأصل ونعدم شخصياتنا.
أحب أن أتكلم في نقطة أخرى يتحفظ معظم أماكن التأهيل عنها وأنا لا أعارضهم ولا ينتقص من مجهودهم شيء، لكن أذكر ذلك حتى لا يقع آخرون في المعارضة دون دراية. يتحفظ معظم الناس على إظهار أي شعائر دينية في بيوت التأهيل وهذا نتيجة ظنهم أنهم يطبقون نظام أو فلسفة الـ12 خطوة فهي خطوات روحانية ليس لها علاقة بالدين، لكن لابد أن نفرق بين بيوت التأهيل وزمالة الـ12 خطوة. فنحن في مركزنا لتأهيل المدمنين نحاول أن نوفر جو من القبول والحب الغير مشروط والأمان وأيضاً التعامل مع آثار العيش مع أسر مضطربة من خلال توفير الأسرة السوية في مجتمع بيت التأهيل، ومن سمات المهمة جداً للأسرة السوية الاجتماع على الشعائر الدينية فلماذا ينتقد البعض هذه النقطة المهمة جداً مع أنها من أهم النقاط لخلق جو أُسري (الاجتماع على الشعائر الدينية، الاجتماع على الواجبات، وجود وقت للاجتماعيات.... إلخ). فلابد من إعداد الطبيب النفسي والمعالج والمشرف المؤمن الصادق العارف بدينه والذي يستطيع أن يُلْصِق المريض بربه تعالى ويوجهه إلى المعاني الإيمانية، ولابد أيضاً من إلمام الطبيب النفسي والمعالج والمشرف بطبيعة مجتمعه وبيئته ودينه وأهمية وجود تدريب على عمل دعم روحي نابع من معرفة حقيقة الإسلام ودور الدين في حياتنا.
ألم تسمع قول الله عز وجل (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)؛ أنك إذا اشتريت جهازاً كهربائياً فلابد من حصولك على الكاتالوج المرفق للاستعمال الأمثل للجهاز، فالذي كتب هذا الكاتالوج هو صانع هذا الجهاز، ولله المثل الأعلى، فالله هو خالق وصانع ومدبر هذه النفس وهو أعلم بها فشرع الله هو الذي يصلحها، وهذه أصول ثابتة وليست نظرية قابلة للثواب والخطأ.
ربما ينتقدنا البعض بأننا نوجه الناس بالحرام والممنوع وهي كلمات محظورة في تأهيل الإدمان بل وفي الطب النفسي عامةً؛ من قائل هذه الكلمات؟! إنسان مثلي ومثلك، في الحقيقة نحن لا نقول لأحد حرام ولا حلال، ممنوع أو مرغوب. بل برنامجنا واضح ومعلن فمن اتفق مع طريقة تفكيرنا وسلوكنا وقبلها مصادرنا فأهلاً به معنا لكي يفيض علينا جميعاً مشاعر الإيمان والرضا والقبول ثم التعافي.
نحن نطبق فلسفة الـ12 خطوة ضمن برامج عدة ذكرناها من قبل في أول التقديم. نؤكد أن زمالة الـ12 خطوة ليس لها أي علاقة بأي مكان علاجي ولا تعطي اسمها أبداً لأي مكان، أذكر هذا حتى يتضح للقارئ مفهوم بيوت التأهيل. قد يختلف البرنامج من مكان لآخر وهذا لا يؤثر أبداً في نظام العلاج فالكل يجتمع على نفس الفلسفة العلاجية.
ويتبع >>>>: بيوت تأهيل المدمنين (3)
واقرأ أيضاً:
آلية حدوث القلق / التفكر(2)