ألتراس (Ultras) هي كلمة لاتينية تعني الشيئ الفائق أو الزائد، وهي فئة من مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها وتتواجد بشكل أكبر بين محبي الرياضة. وتميل هذه المجموعات إلى استخدام الألعاب النارية أو "الشماريخ"، وأيضا القيام بالغناء وترديد الهتافات الحماسية لدعم فرقهم، كما يقومون بتوجيه الرسائل إلى اللاعبين. وتقوم هذه المجموعات بعمل دخلات خاصة في المباريات الهامة، وكل ذلك يضفي بهجة وحماس على المباريات الرياضية وخاصة في كرة القدم.
وللألتراس مبادئ أساسية تعكس التركيبة النفسية لهذه المجموعات وهي:
٠ لا يتوقف الغناء أو التشجيع خلال المباراة، ومهما كانت النتيجة.
٠ يمنع الجلوس أثناء المباراة.
٠ حضور أكبر عدد ممكن من المباريات (الذهاب والإياب)، بغض النظر عن التكاليف أو المسافة.
٠ يظل الولاء قائم للمجموعة المكونة (عدم الانضمام لأخرى).
وجماعات الألتراس عادة ما يكون لها ممثل، والذي يتولى الاتصال بأصحاب الأندية من أجل توفير التذاكر، وتخصيص مقاعد معينة، وأماكن لتخزين الأعلام والرايات. وبعض النوادي توفر للألتراس أرخص التذاكر وغرف تخزين اللافتات والأعلام، والوصول المبكر إلى الملعب قبل المباريات من أجل الإعداد للعرض.
ويرى البعض أن الألتراس يعطون حيوية وسخونة وبهجة للمباريات الرياضية بينما يرى البعض الآخر أنهم مجموعات متطرفة ومتعصبة وأنهم قابلون لإثارة الشغب في الملاعب. وفي مصر (وخارج إطار الأندية والمباريات) أصبحنا نرى جداريات ضخمة في مدن كثيرة في الشوارع وتحت الكباري تعلن عن وجود الألتراس, وهي مكتوبة بخط كبير وغير تقليدي ينم عن روح شابة وعن قوة بكر تحمل الجدة والنزق والجمال والبراءة والإندفاع في آن.
وربما نفهم ذلك بعد الهجمة الأمنية على ألتراس وجمهور الأهلي في مباراة الأهلي وكيما أسوان في دور ال32 من دورة كأس مصر, خاصة بعد ترديد هتافات تندد بحبيب العادلي والرئيس المخلوع مبارك أثناء المباراة, وإلقاء بعض الشماريخ تجاه قوى الأمن, مما دفع بالأمن إلى عملية إغارة غاشمة على جمهور الدرجة الثالثة أصيب فيها الكثيرون, ومن وقتها أصبح هناك ثأرا بين الألتراس الأهلاوي وبين الشرطة.
وحين رأى شباب الألتراس أهالي الشهداء يتعرضون للضرب والإهانة من مجموعة "أبناء مبارك" ومجموعة "آسفين يا ريس", تحت سمع وبصر الأمن, ذهبوا للدفاع عن هؤلاء الناس, وتعرض بعضهم للقبض عليه وتحويله للمحاكمة بتهم إثارة الشغب والبلطجة.
وهنا ظهر أن الألتراس يتحركون من الملعب الصغير للكرة إلى ملعب الحياة الكبير, ويتحركون من الثورة على قرارات الحكم في الملعب إلى الثورة على الحكام في السياسة, لقد نزل الألتراس الشارع, وأصبح رقما له ثقله في حسابات موازين القوى, وكأنهم يشكلون الموجة الثانية للثورة بعد ثبوت تآمر الكبار من كافة التيارات عليها, وبعد انصراف شباب الثورة إلى حياتهم أو إلى ائتلافاتهم, وبعد التأكد من احتواء الثورة وتفريغها من مضمونها الثوري الأول وتحويلها إلى حركة تنقلات وتحسينات جزئية هنا أو هناك مع إهدار دماء الشهداء وحقوق المصابين وروعة الفعل الثوري الحضاري الذي بهر العالم أجمع.
وربما لا ننتبه إلى أن المليونيات الكروية سبقت بكثير المليونيات السياسية, وأن الانتماء الكروي كان نشطا جدا في الوقت الذي ضعف فيه الإنتماء الحزبي والانتماء السياسي وربما الإنتماء الوطني, ولا ننسى خروج الملايين إلى شوارع مدن وقرى مصر بعد الفوز بالبطولات الكروية للفريق القومي, وكأنها كانت بروفات للخروج الشعبي في الثورة, نفس الملايين ونفس الأعلام, ونفس الشباب والناس, ونفس الهتافات: مصر... مصر... مصر.
كان ألتراس في مثل هذه الأحداث يشكل رأس حربة للجمهور الكروي, وقوة منظمة ومترابطة تشكل قاطرة يتحرك خلفها جمهور كروي هائل من أقصى مصر إلى أدناها, وهم يشكلون الإنتماء الكروي في أشد درجاته التي تصل كثيرا إلى درجة التعصب, ولهذا قد تتسم تحركاتهم بالإندفاع والنزق أحيانا ولكن هذا لا ينفي عنهم روح البراءة والطهارة والتجرد في تشجيع ناديهم المحبب إليهم , وهم يبذلون الوقت والجهد والمال في سبيل مؤازرة الفريق ودعمه, ويحركون حماس الجماهير وهتافاتهم في الملعب خاصة حين يستشعرون حاجة الفريق للدعم المعنوي في لحظات الشدة والانكسار. وهم لا يكتفون بذلك بل قد يثورون على الحكم إذا أخطأ, ويثورون على المدرب إذا وضع لاعبا في غير موضعه, ويثورون على الجهاز الفني والجهاز الإداري إذا خرج أحدهم عن الخط الصحيح. هم إذا يمثلون طاقة الفريق وروحه المعنوية, ويمثلون أيضا الضمير الذي يرفض الإنحراف في التحكيم أو اللعب, وهم أيضا يمثلون القوة المتعصبة التي تنطلق أحيانا لتواجه الخصوم حسب تقديرهم لهؤلاء الخصوم.
لقد اقتحم الألتراس عالم السياسة حين اشترك أفراده في ثورة 25 يناير وكان منهم من أبلى بلاءا حسنا في موقعة الجمل (نظرا لخبرتهم في الإشتباك الجماهيري), ثم تحرك كقوة حين تمت إهانته والإعتداء عليه بشكل غاشم وغير مبر من قوى الأمن في مباراة الأهلي المذكورة, وأصبح الألتراس قوة جاهزة للحركة في أي اتجاه, وهم يشكلون كتلة منظمة قادرة على الحركة السريعة القوية والمرنة والمؤثرة, وقادرون على تحريك الجماهير الصامتة, وليست لديهم حسابات معقدة فهم يتحركون بين 4 خشبات ومستطيل أخضر و22 لا عبا وحكما. وقد علمهم عشقهم للكرة أن لا يقبلوا خطا داخل المستطيل الأخضر, وهم يطلبون من اللاعبين القوة والجمال في الأداء ولا يتساهلون في أخطائهم, ولديهم استعداد لخوض المعارك وإصرارا على تحقيق النصر.
إن الألتراس الكروي الآن يتجه إلى عالم السياسة حيث شعر أن الثورة التي شارك فيها بأعصابه وهتافاته ودمه يتم سحلها ومرمططتها ووأدها بين قرارات سلطوية خاطئة أو متواطئة وبين مناورات سياسية وحزبية انتهازية, وهذا وضع مهين ومسئ لا يحتمله وعي الشباب الثوري بوجه عام وشباب الألتراس بوجه خاص, لهذا تتشكل قوة سياسية من هؤلاء الشباب قابلة للتحرك في أي وقت لإعادة عجلة الثورة مرة أخرى وسحبها من يد العواجيز, وقد نرى في سياق ذلك نزقا ثوريا واندفاعا شبابيا وربما عنفا حماسيا فهم يتعاملون مع السياسة بالمنطق الكروي.
واقرأ أيضاً:
طفله مصرية تبحث عن "رئيس" / حديقة حيوان طره وما حولها / الجدار العازل وأزمة الإدراك وغياب الفهم / إحباط ما بعد الثورة