على الرغم من كل آلام وأحزان وأخطاء الفترة الانتقالية تأتي الذكرى الأولى ليوم 25 يناير، ذكرى ميلاد الإرادة الشعبية، ذكرى كسر حاجز الخوف من السلطة، ذكرى خروج الشعب المصري عن صمته، ذكرى استيقاظ المارد الشعبي ليزيل عن عينيه غشاوة السنين وليزيل "غشومية" و"حمورية" السلطة التي استبدت به واستلبت إرادته وسرقت ثروته وزيفت وعيه وخنقت صوته وهمشت وجوده وأهدرت ثقافته ودوره وحضارته.
على الرغم من أخطاء المجلس العسكري وتباطئه في القصاص ممن قتلوا الثوار بل ومسئوليته في قتل مزيد من الثوار في ماسبيرو ومحمد محمود وأمام مجلس الوزراء، وعلى الرغم من تمكين عناصر الثورة المضادة، وعلى الرغم من ترك القيادات القديمة في وزارة الداخلية تعبث بأمن البلاد وتطلق البلطجية أو تتغافل عنهم وتترك الشارع المصري مفتوحا للمجرمين وتصطنع الأزمات والصراعات لإجهاض الثورة، وعلى الرغم من التدهور الاقتصادي المتعمد والمترتب على الانفلات الأمني المقصود والمخطط، وعلى الرغم من اعتقال الثوار وتشويه صورتهم واتهامهم بالعمالة، وعلى الرغم من "بهدلة" و"مرمطة" أهالي الشهداء؛
وعلى الرغم من تعرية الفتيات الثائرات في الشوارع بواسطة الجنود والضباط المصريين، وعلى الرغم من كشف العذرية السافل عليهن، وعلى الرغم من إطلاق قنوات فضائية عديدة لفلول الحزب الوطني، وعلى الرغم من براءة بعض قتلة الشهداء واحتمالات براءة الآخرين، وعلى الرغم من تدليل مبارك وأبنائه وحبيب العادلي ومساعديه، وعلى الرغم من خطأ اختيار عصام شرف كرئيس وزراء للثورة وهو عضو في لجنة سياسات الحزب الوطني وعلى الرغم من كل خطاياه في الحكومة وضعف إدارته وإرادته إضافة إلى استكانته وإهداره لمكانة رئيس وزراء الثورة الذي جاء من الميدان عن طريق الخطا والغفلة؛
وعلى الرغم من التفافات يحيى الجمل، وجريمة وثيقة السلمي التي كادت تشكل وصاية أبدية للعسكر على الثورة والشعب المصري لعشرات السنين القادمة، وعلى الرغم من فقأ عيون الثوار ورمي أجسادهم في الزبالة بواسطة ضباط وجنود ينتمون للشرطة والجيش، وعلى الرغم من مؤامرات أبناء مبارك ومحبيه وجماعة "آسفين يا ريس" في مصطفى محمود وروكسي والعباسية، وعلى الرغم من ارتداد حزب الكنبة على الثورة والثوار بسبب تزييف الوعي الصادر من مبنى ماسبيرو ومن برنامج القاهره اليوم ومن صدأ البلد، على الرغم من كل هذا يبقى يوم 25 يناير ميلادا حقيقيا لشعب مصر ولثورة مصر على كل المعاني القميئة وعلى كل الزيف والخداع والقهر والاستبداد.
ذلك يوم سقطت فيه دولة الخوف وانهارت عصابة مبارك وأجهضت مؤامرة التوريث وسقطت أقنعة الشياطين واللصوص، والأهم من ذلك عادت الروح للشعب وعاد الوعي وعلا الصوت للشارع المصري وأصبحت السلطة تعمل له ألف حساب وتخافه، فقد اعتدل الميزان في صالح الشعب ولم تعد هناك قوة ترهبه أو سلطة تستعبده، وعادت مصر المخطوفة، وتخلى الشعب عن خضوعه واستسلامه ولامبالاته وكسله وخموله وسلبيته، وتخلص من أخلاق العبيد. وتمت الانتخابات في النقابات والجامعات ومجلس الشعب وستستكمل في الشورى والرئاسة بإرادة شعبية كاملة، ومع هذا بقيت بعض الأخطاء وبقيت بعض جيوب التآمر وبقيت قيادات من النظام القديم هنا وهناك تحتاج لاستمرار اليقظة والتطهير، ولكن هذا كله لا يفسد للعيد فرحته، فكل سنة ومصر طيبة والمصريون أحرار، والشمس تشرق دائما من ميدان التحرير.
واقرأ أيضاً:
سيناريوهات الذكرى السنوية للثورة/ من 25 إلى 25 ثوار مجانين!