كان المجلس العسكري يحلم ببقاء الوضع على ما هو عليه حتى نهاية عام 2013 كما كان محدداً من قبل كموعد لتسليم السلطة معتقداً أن الثورة ستكون قد ماتت من تلقاء نفسها لتتحول هذه الثورة العظيمة لمجرد حركة إصلاحية ليس أكثر، هذا إن لم يعتبرها البعض في مراحل لاحقة مجرد انتفاضة حرامية. كان المجلس العسكري يحلم أن ييأس الثوار ويهدأ الشعب كعادته وكما هو متعود من المصريين أن يقوموا ثم يهدؤوا ولا يفهم أحد لماذا قاموا ولماذا ناموا، ففي أحداث الثورات المصرية دليل على ذلك منذ قيام ثورة عرابي وحتى انتفاضة عام 1977. غير أن أحداث محمد محمود ثم أحداث مجلس الوزراء جاءتنا لتقضيا على أحلام المجلس فيجد نفسه في مواجهة مع الشعب ومع الثوار، مواجهة فرضت عليه الإسراع من تحركاته حتى يحقق حلمه في الاستيلاء على السلطة في المدة الزمنية القصيرة المتبقية، فقام المجلس بعدة تحركات متوازية للقضاء على الثورة والاستيلاء على السلطة، وتمثلت هذه التحركات فيما يلي:
تمثل التحرك الأول في مداعبة التيار الإسلامي وعقد الصفقات معه لتقسيم الكعكة فيما بينهما وبما يرضي التيار الديني ويحقق أحلامه المتواضعة مؤقتاً في الاستيلاء على مجلس الشعب ثم تشكيل الحكومة فيما بعد، في مقابل تيسير مهمة العسكر لتحقيق حلمهم في الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بما لهم من امتيازات إن لم يزيدوا عليها.
التحرك الثاني تمثل في تشويه الثوار وقد بدأ هذا التحرك إبان نظام المخلوع واستمر فيه العسكر، فاخذوا في تشويه البرادعي وأيمن نور وجماعة 6 إبريل وغيرهم من شباب الثورة واتهامهم بالعمالة للخارج أو التمويل من جهات أجنبية، أو أن شباب الثورة هم مجرد متعاطون للمخدرات. وقد ساعد في حملة المجلس هذه التيار الإسلامي وأيضاً أعضاء من مجلس الشعب.
تمثل التحرك الثالث في العمل على تفريغ الثورة من الثوار وذلك بإلقاء القبض عليهم وتلفيق التهم ومحاكماتهم سواء أمام المحاكم العسكرية أو أمام المحاكم المدنية فيما بعد. حدث ذلك مع الكثيرين من الثوار أمثال علاء عبد الفتاح وأحمد دومة وحتىً أبو العز الحريري وبثينة كامل وزياد العليمي ونوارة نجم وعلاء الأسواني ووائل غنيم وممدوح حمزة وجورج اسحق وأسماء محفوظ. إن أهم ما يلفت النظر في هذا التحرك هو أنه شمل اثنين من المرشحين للرئاسة إضافة إلى عضو بمجلس الشعب وهذا يشير إلى أن المجلس لم يعد لديه خطوط حمراء في حربه على الثوار، مما يعني أن المجلس يلقي بأوراقه الأخيرة لإنهاء الموقف لصالحه.
أما التحرك الرابع فقد تمثل في القضاء على الإعلام الحر المساند للثورة فكانت البداية باقتحام مقر قناة الجزيرة مباشر مصر والتشويش المستمر على إرسالها، ثم حملات التشويه لنجيب ساويرس لملكيته لقناة أون تي في ذات البرامج الواضحة المستنيرة والمعارضة لحكم العسكر. وقد استعان المجلس برجال التيار الإسلامي لتحقيق هذه المهمة، كما استعان المجلس أيضاً برجال الأعمال الموالين له للقضاء على قناة التحرير لتتحول بين ليلة وضحاها إلى قناة العباسية وليس التحرير، فتم إقصاء كل إعلاميين الثورة بدءاً من بلال فضل ثم دعاء سلطان ثم المقاتلة الشرسة دينا عبد الرحمن التي تذكرني بعبد الله ابن الزبير الذي لم يقدر عليه الحجاج إلاّ بهدم الكعبة عليه ليقتله. ثم قام رجال الأعمال هؤلاء بالقضاء على من تبقي منهم سواء كان إبراهيم عيسى أو حتى معتز عبد الفتاح الذي انضم للقناة قبل تحولها بقليل. لم ينتهي الأمر عند هذا الحد ولكن أكمل المجلس تحركه مؤخراً بعد فشل محاولات ترهيب نجيب ساويرس فقام المجلس العسكري بمعاونة بعض من "المواطنين الشرفاء" بتقديم ريم ماجد ويسري فوده وباسم يوسف من قناة "أون تي في" أيضاً للمحاكمات في محاولة أخيرة للقضاء على الإعلام الثوري في هذه القناة.
أما التحرك الخامس فتمثل في تشويه جغرافية مكان الثورة وذلك بتعمد إظهار ميدان التحرير بأنه مكان لا قدسية له تمارس فيه الأفعال الخارجة عن الأخلاق والقانون. ثم أمتد التشويه إلى الميدان المحيط بمجلس الوزراء فجعلوا منه مكاناً لتعاطي المخدرات، وقد دعم المجلس العسكري هذه الإدعاءات بالصور وأفلام الفيديو المصورة من كاميرات مجلس الوزراء أو من بعض المباني المحيطة به. ثم قام المجلس مؤخراً بمعاونة أجهزة الأمن بتحويل ميدان التحرير ليكون بالفعل وكراً لبيع المخدرات وممارسة الدعارة في بعض الخيام التي أقيمت لهذا الغرض برعاية أجهزة الأمن. فعندما تسير الآن وفي هذه الأيام في ميدان التحرير تجده وقد تحول لوكر يرتع فيه مروجو المخدرات، كما تجد أيضاً بعض من القوادين الذين يقومون بتوصيل الزبائن إلى الخيام التي أقاموها للدعارة، ثم يقومون بحراسة الخيمة حتى ينتهي الزبون ويخرج بسلام.
طبعاً هذا العمل من ترويج المخدرات وممارسة الدعارة يتم حتماً برعاية جهاز الأمن الوطني ويتم بالتأكيد تصويره بكاميرات خفية وسيقومون حتماً باستخدام هذه الأفلام في توقيت بعينه إما للضغط على الأشخاص الذين تم تصويرهم في هذه الأفلام ليقوموا بتنفيذ بعض المهام المطلوب تنفيذها من أشخاص لا يبدو لهم انتماء سياسي فيكونوا هم المواطنون الشرفاء لأداء هذه المهام، وسيتم أيضاً استخدام هذه الأشرطة لإذاعتها على الفضائيات لإثبات دعاوي المجلس أن الميدان لا يوجد فيه سوى الخارجين على القانون، وسيؤدي ذلك حتماً إلى تعالي الأصوات بتطهير الميدان وإطلاق يد المجلس للقيام بهذه المهمة. بهذا التحرك سيتم تشويه جغرافية الثورة ممثلة في ميدان التحرير ولن تعد له قدسية ولن يكون مركزاً إشعاعياً لشحن الثوار إذ صار مكاناً للأفعال الخارجة عن القانون.
التحرك السادس، ولا أعلم إن كان هو التحرك الأخير أم لا، ويتمثل في تدريب كوادر من شباب التيار الإسلامي المتواطئ مع المجلس العسكري لتكوين ميليشيات مدربة على استخدام السلاح بدعوى المشاركة في الحفاظ على الأمن مثلما فعلت اللجان الشعبية وقت انسحاب الشرطة في بدايات أيام الثورة. ولكن سيكون لدى المجلس قائمة بأسمائهم وكل التفاصيل الضرورية للوصول لهم وقت اللزوم. إن المجلس العسكري يعقد النية لاستخدام هذه المليشيات لتصطدم بالثوار بدلاً من الجيش أو قوات الأمن المركزي. وأعتقد أن من أوحى للمجلس بهذا التحرك هو خروج شباب الإخوان ووقوفهم كحائط صد أمام مجلس الشعب ضد المتظاهرين ضد أعضاء المجلس.
نعم سيحدث حتماً الصدام بين الثوار والمجلس العسكري بمجرد البدء في إجراءات انتخابات الرئاسة والإعلان عن الرئيس التوافقي بين المجلس والتيار الإسلامي، نعم سيحدث ألف في المائة الصدام بين المجلس والثوار عند إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة والتي لا يجوز الطعن عليها بحال من الأحوال. سيقوم المجلس حينها بالدفع بهذه المليشيات لميدان التحرير لتطهيره من الثوار الذين سيتم الترويج حينها وبالدليل القاطع من خلال الأشرطة التي تم تصويرها في التحرك الخامس أنهم مجرد مروجي للمخدرات وقوادين وباحثين عن المتعة مع الموامس.
ستقوم هذه الميليشيات بدلاً من قوات الأمن المركزي وقوات الجيش بضرب الثوار والمتظاهرين في حال نزولهم للميدان لأي سبب من الأسباب. سيتم وفقاً لهذا التحرك إيقاع الشعب في الشعب، ليقف المجلس والداخلية مشاهداً وساخراً حيث يقتتل الشعب مع الشعب، لتنتهي حكاية الثورة المصرية نهاية مأساوية. ستقوم هذه المليشيات بطبيعة الحال بعد شحنها من قياداتهم بضرب الثوار بيد من حديد فهؤلاء الثوار لن يكونوا في نظرهم سوى مجرد علمانيون ليبراليون كفرة، يستحل قتلهم وتطهير البلاد منهم حتى تقام دولة الإسلام، ولن يعتبر أي منهم شهيداً أو له أية حقوق على الإطلاق لأنهم مجرد كفرة فجرة، وبالطبع سيكون أول الشهداء في هذا التحرك هم الثوار من أمثال علاء عبد الفتاح ونوارة نجم وعلاء الأسواني المكروهين من هذه التيارات الدينية لمواقفهم المناهضة للاتجار بالدين، وبعد أن يقتلوهم سيقوم التيار الإسلامي بعمل الأفراح للتخلص من هؤلاء الكفرة.
وماذا بعد
سينتهي الثوار وستخلو الساحة للمجلس ولرئيسه المعين سواء كان هذا الرئيس منصور حسن أو حتى أحمد شفيق، وسيقوم المجلس في ضربة واحدة بالقبض على جميع الإخوان والتيار الديني وتلك المليشيات التي تم تكوينها بمباركة المجلس. سيقوم المجلس بالتنكيل بهم حتى لا يصدر لهم صوتاً قد يمثل إزعاجاً له وهو يعلم جيداً أن أي ما سيفعله المجلس بهم سيلقى شماتة وتشفياً من القوى الثورية القادرة على الاعتراض، أما باقي الشعب فسوف يصمت كالعادة ويكتفي بمصمصة الشفاه والخوف حتى من إظهار علامات الامتعاض وسيقوم البعض الأخر بالترحم على أيام المخلوع. ولكن لن يستمر الوضع كثيراً على هذا الحال لأن هناك ثواراً يحبون هذه البلاد ولا يخافون الموت في سبيل الوطن، وسيقوم هؤلاء بعد أن ينضم لهم شباب الإخوان الذين تعلموا الدرس وتعلموا أن التيار الديني ما هو إلاّ أكذوبة تلاعبت بهؤلاء الشباب الأتقياء وصدقوها.
8/3/2012
واقرأ أيضاً:
شرق أوسط جديد بلحية إسلامية!!!/ للسلطة فتنة... لكن لصبرنا حدود/ المرحلة الخرسانية/ القانون ليس حلاً/ نصيحتي للإخوان/ الفلول تحييكم!!/ كأنك ماغزيت!/ مازوخية المصريين: باي باي ثورة!/ دليل الحاكم المسلم: لحكم شعب مؤمن/ الانشقاق العاطفي للإخوان/ حكاوي القهاوي