مرشح الرئاسة حين يفوز سيصبح رئيسا لمصر لذلك وجب علينا تتبع خطواته من البداية بمعنى أن نعرف تاريخه الشخصي والمهني وإنجازاته وإخفاقاته، هذا بجانب ملاحظة سلوكه في الوقت الحالي وخاصة في حملته الانتخابية والتي تعكس جزءا مهما من شخصيته وطريقة تفكيره وأسلوبه في العمل، وسوف نقتصر في هذا المقال على إعلانات المرشحين ودلالاتها ومدى اتفاقها مع النظام العام أو خرقها له.
وقد خصصت شركات الإعلانات لوحات ضخمة في الشوارع المهمة والميادين وعلى الطرقات وقد كتب عليها "الرئيس" وكأنها دعوة للمرشحين لوضع صورهم وإعلاناتهم عليها، ولكنهم لم يفعلوا ذلك وفضلوا لصق صورهم وإعلاناتهم على الجدران بما يخالف القانون والذوق العام وقوانين البيئة.
وللحقيقة فإن غالبية المرشحين قد وقعوا في هذا الخطأ ولكن تبدو بوسترات المرشح الدكتور حازم أبو إسماعيل الأكثر انتشارا وإلحاحا ومخالفة للقانون، وحملته تعتمد على طريقة في الإعلان تسمى الإعلان بالغمر، وهي تعني إغراق الشوارع والميادين في القرى والمدن بملصقات تحمل صورة المرشح، وترى الشارع بطوله يحمل صورا متكررة له، وصورته موجودة على الميكروباصات وسيارات الأجرة والملاكي. وقد ظهرت على صفحات الفيس بوك تعليقات كثيرة طريفة وناقدة لهذا الأسلوب نذكر منها على سبيل المثال:
"واحد بيسأل التاني على عنوان، قال له تمشي طوالي مع بوسترات أبو إسماعيل لحد آخر الشارع هاتلاقي تقاطع فيه صورة كبيرة لابو إسماعيل، تاخد يمين وتسيب رابع بوستر وخامس بوستر وسادس بوستر تدخل شمال تلاقي قدامك أبو إسماعيل نفسه"
"ده حتى البنزينات اللي مافيهاش بنزين فيها بوسترات حازم ابو اسماعيل"
" في حالة نجاح ابو اسماعيل سيتم تنفيذ شعار الحملة: بإذن الله سنحيا كراما، أول ما نشيل البوسترات بعون الله"
""مصر بلد النيل .. وبوسترات ابواسماعيل "
"المرشحون المنافسون لأبواسماعيل يطلبون من الدول العربية الشقيقة لزق بوستراتهم على جدرانهم لعدم وجود جدران فاضية في مصر"
"حملة دولية بعد انتخابات الرئاسة لجمع 5 مليار دولار لإزالة آثار بوسترات أبواسماعيل"
وبالمناسبة فإن طريقة الإعلان بالغمر تعتبر طريقة بدائية في الإعلان، وهي قبل ذلك تحمل معنى الإلغاء للآخر والتضخيم لنرجسية المرشح على أنه هو الأوحد ولا يصح أن يجاوره أو يزاحمه أحد. وكأننا نعيد إنتاج سلوك معمر القذافي وصدام حسين وحسني مبارك في وضع صورهم وأسمائهم على كل شيء وفي كل مكان. والغريب أن غمر الشوارع بالصور يأتي من مرشح التيار السلفي بوجه أخص على الرغم من أن هذا التيار كان يحرم الصور حتى وقت قريب وربما ما زال الكثيرون من رموزه يحرمونها. ولم يهتم أعضاء الحملة بتوزيع "بروشورات" تحوي البرنامج الانتخابي للمرشح واستسهلوا بوسترات الصور، وهذا عيب كبير في الحملة لأي مرشح إذ أننا في النهاية لا ننتخب صورة مبتسمة مهما حلت ابتسامتها، وإنما ننتخب برنامجا إصلاحيا ثوريا تطوريا يناسب المرحلة التي نمر بها.
وعلى الرغم من التزام حملة أبو الفتوح لمبدأ المحافظة على البيئة طوال الفترة الماضية والتزامهم بتوزيع "بروشورات" تحوي البرنامج الانتخابي، إلا أنه يبدو أن وسيلة الإعلان بالغمر التي اتبعها حازم أبو إسماعيل ومرشحين آخرين بعضهم غير معروف قد حفزت حملة أبو الفتوح لاتباع نفس الوسيلة فغطوا جدرانا بأكملها ببوسترات أبو الفتوح.
وقد ركزنا على أبو إسماعيل وأبو الفتوح بوجه خاص لكونهما فرسا رهان مهمين في الانتخابات القادمة، ولكونهما يمثلان تياران إسلاميان مؤثران في المجتمع ونتوقع منهما أن يكونا قدوة في الحفاظ على القانون والذوق العام وأن يكونا صورة مشرقة للإسلام . ومعروف أن هذين المرشحين بالذات لهما أنصار كثيرون من شباب الإخوان وشباب السلفيين الذين يتفانون في خدمة مرشحهم انطلاقا من دوافع دينية مخلصة، ولست أدري ما هو رأيهم فيما يفعلونه بالبيئة ومدى موافقته أو عدم موافقته لقواعد الإسلام؟.
نتمنى أن يستفيد المرشحون جميعا من التجربة الراقية للسيد محمد الصاوي حين كان مرشحا لمجلس الشعب وامتنع تماما عن لصق صوره على الجدران حتى لا يلوث البيئة والتزم التزاما صادقا بالدعاية فقط من خلال لوحات الإعلانات وكانت دعايته هادئة وراقية ومتحضرة ومؤثرة في ذات الوقت وقد كتب له النجاح في الانتخابات.
وإذا جاز للمرشح (أو أفراد حملته) أن ينتهك قواعد المحافظة على البيئة وأن يلصق صوره وشعاراته على الجدران مما يعطي منظرا قبيحا خاصة حين يحاول أحد بعد ذلك إزالتها، فإن من حق المجتمع ممثلا في وزارة البيئة وفي اللجنة العليا للانتخابات أن تحاسب المرشحين على تلك التجاوزات وأن تلزمهم بالقانون الذي يترشحون للمحافظة عليه وصيانته من التعدي والانتهاك. والمرشح يمثل قدوة لبقية الناس ولا يقبل منه أن يدوس القانون وهو على أعتاب منصب رفيع كرئاسة الجمهورية.
واقرأ أيضاً:
مرشحو الرئاسة والبيئة / عمر سليمان.. السيناريو الأسود / بروفيل مرشحي الرئاسة3 / تحليل نفسي لخطاب مبارك أمام المحكمة