تكثر ملاحظة هذا العقار (والمعروف تجارياً باللامياكتل Lamictal) على استشارات الموقع واستعماله في اضطرابات عقلية مثل الاكتئاب والثناقطبي والشخصية الحدية. لا تقتصر الوصفات على هذه الاضطرابات وإنما قد يشمل ذلك الفصام والرهاب الاجتماعي وغير ذلك. هذا المقال يحاول الاجابة على سؤال واحد وهو: ما هو موقع هذا العقار المضاد للصرع في الطب النفسي وما هو الدليل على فعاليته وما هي الكوارث الناتجة عن استعماله بصورة غير علمية حتى يصبح جزء من وصفة من وصفات الجحيم ؟.
قصة العقار
قصة هذا العقار تستحق الذكر. بدأت شركة بوروز ويلكوم Boroughs Wellcome (التي تم ابتلاعها من شركة أخرى في التسعينيات) في السبعينيات في البحث عن عقار مضاد للفوليت Antifolate (فيتماين ب6 Vitamin B6) لاكتشاف عقار جديد مضاد للصرع لأن هذه الفعالية كثيرة الملاحظة في عقاقير الجيل الأول (الشائعة الاستعمال إلى الآن). ولكن البحوث انتهت بعقار مضاد للصرع لا يؤثر على هذا الفيتامين4.
تم إجراء البحوث الأولية5 لهذا العقار على المرضى المصابين بالصرع في مستشفى خاص للصرع في مقاطعة بكنكهامشر Buckinghamshire في جنوب شرقي بريطانيا التابعة لمعهد جامعة لندن للأمراض العصبية Institute of Neurology University of London في ذلك الوقت لاحظ الباحثون بأن الكثير من المرضى الذي لم يستجيبوا للعقار من ناحية الصرع قرروا الاستمرار عليه وتم استحداث مصطلح خاص في بحوث العقاقير يدعى تأثير العقار على جودة الحياة Quality of Life بعد ذلك بدأ فرع الشركة في أمريكا إجراء البحوث العلمية على فعالية هذا العقار في علاج الاضطرابات الطبية النفسية ودخل في نهاية التسعينيات في مجال الطب النفسي.
ولكن ما الذي حدث أثناء وبعد ذلك ؟
أثبت العقار وجوده في علاج مختلف أنواع الصرع مع غياب أعراض جانبية غير مرغوب فيها على البشرة وتركيبة العظام وفعالية الكبد واستعماله أفضل بكثير من العقاقير الأخرى أثناء فترة الحمل. لكن هذه الفعالية السريرية في علاج الصرع لم يتم تطابقها في علاج الأمراض النفسية.
يتوفر هذا العقار على شكل أقراص أو شراب. الأقراص متوفرة بقوة 25 ، 50، 100، و 200 مغم ويمكن تعاطي الجرعة اليومية الكلية مرة واحدة فقط كل 24 ساعة. ليس هناك ما يسند فائدة تعاطي العقار أكثر من مرة و احدة في اليوم، ويستحسن أن يكون ذلك في الصباح والسبب يعود في أن أحد أعراضه الجانبية هو الأرق وهي ظاهرة قلما ينتبه إليها بعض الأطباء الذي يتصورون بأن كل عقار مضادة للصرع يساعد على النوم.
لا ينتبه الكثير من الأطباء أيضاً إلى ضرورة وصف هذا العقار بصورة تدريجية لتجنب متلازمة جلدية خطيرة تسمى متلازمة ستيفن جونسون. الجرعة الأولى هي 25 مغم يوميا ويتم رفعها كل أسبوعين إلى 50 ثم 100 ثم 150 (أو 200) مغم يومياً. يتم تقييم الصرع عند هذه الجرعة العلاجية (200 مغم) ويتم رفع الجرعة تدريجيا وببطء إذا اقتضت الحاجة إلى 600 مغم يومياً كحد أقصى. ولكن الجرعة العلاجية في استعمال العقار في الاضطرابات الطبية النفسية غامضة وترى معظم الاستشارات التي ترد الموقع لجرعات هزيلة مثل 25 إلى 100 مغم يوميا ولا تفهم معنى استعمال هذه الجرع سوى وصول الطبيب إلى طريق مغلق في علاجه للمريض ولم يجد سوى هذا العقار لترضية من يراجعه.
ولكن ما هي الدلالة على استعماله في الطب النفسي؟
الدلالة الوحيدة لاستعمال هذا العقار في الطب النفسي هو الوقاية من الانتكاس في نوبة اكتئاب الثناقطبي وخاصة الثناقطبي الثاني والأخير يتميز بكثرة نوبات الاكتئاب مقارنة بالهوس وتقارب النوبات بعضها من البعض الآخر. الدلالة هي الوقاية وليس علاج النوبة كما يتصور البعض لأن الدراسات في هذا المجال متناقضة وتتميز بخلوها من الدليل القاطع الذي لا يحتمل الشك3. قد تناقش طبيبك في هذا العقار ويقول لك "خبرتي في استعماله" ولكن الممارسة العملية تستوجب الاستناد على الدليل العلمي القاطع وليس الخبرة الشخصية بحد ذاتها.
وفي هذا المجال الوقائي لاستعمال العقار يكثر بعض الأطباء من إضافته إلى عقارين أحدهما هو الكارباميزابين الذي تطرق إليه الموقع في الحلقة الثانية2 والآخر هو الفالبرويت أو ما يعرف في العالم العربي بالديباكين Depakne .
إضافته للعقار الأول وفي علاج الاضطرابات النفسية لا تولد سوى صداع لا يطاق أحياناً وبدلا من سحب العقار ترى الطبيب يضيف عقاقير أخرى لعلاج صداع يتصور أنه ناتج من التوتر النفسي. ينتهي أمر المريض باستعماله عقاقير الزاء1 ويستمر الكارباميزابين بتدمير العقار الأول الذي الا يصل إلى مستوى علاجي ويزداد استعمال عقاقير الزاء . عند هذا المنعطف تكون الوصفة من الجحيم بكل معنى الكلمة.
أما وصفة الجحيم الثانية التي تلاحظها في الممارسة السريرية وبعض استشارات الموقع فهي إضافة اللامتروجين إلى عقار الديباكين. العقار الأخير يمنع إنزيمات الكبد من التخلص من اللامتروجين وبالتالي يزداد تركيزه في الجسم. يمكن إضافة اللامتروجين إلى الديباكين بصورة بطيئة وتدريجية كما هو مبين أعلاه وبجرع أقل مثل 25 مغم كل يومين لمدة أسبوعين ومن ثم رفع الجرعة تدريجياً كما هو مبين أعلاه. لا يجوز زيادة جرعة اللامتروجين على 200 مغم يومياً مهما كان عذر الطبيب وإلا تسبب ذلك في تسمم بطئ يؤدي إلى تغيير شخصية وسلوك الفرد ونسميه التسمم السلوكي المزمن Chronic Behavioural Toxicity هذا التسمم قد يقضي على شخصية المريض ويصبح كثير التوتر لا يطيق من حوله ولا من حوله يرضى البقاء معه.
اختلال الإنية
وآخر المطاف في استعمال العقار فهو استعماله في اضطراب اختلال الانية Depersonalisation المتميز بشعور مختلف يصاحب الإنسان للعالم الذي حوله مبتعداً عن محيطه بجدار فاصل من أفكاره بل وحتى أفعاله.
اختلال النية يميل إلى كونه عرض من اضطرابات معينة متمركزة حول القلق ولا قيمة تشخيصية له غير انه في بعض الناس يكون الظاهرة المرضية الوحيدة ونسميه اضطراب اختلال الإنية ويصيب ما يقارب 1% من السكان. العامل الوحيد الذي تم التأكد منه والذي يعرض الفرد للإصابة بهذا الاضطراب هو ميله إلى القلق في الطفولة6.
لا يوجد دليل على فعالية العقار في علاج اختلال النية ولا يوجد دليل على فعالية عقار آخر في السيطرة على هذا الاضطراب إن لم يكن جزءًا من اضطراب عقلي آخر.
المصادر:
1- Al-Timimi S Jawad (2013). The Z drugs: Avoid them please. Maganin.com.
2- Al-Timimi S Jawad (2014). Prescriptions from Hell 2-Carbamezapine. Maganin.com
3- Goldberg J, Calabrese J, Saville B, Frye M, Ketter T, , Post M, Goodwin F(2009). Mood stabilisation and destabilisation during acute and continuation phase treatment with Bipolar 1 disorder with lamotrigine or placebo. Clin Psych 70: 1273-b1280.
4- Jawad S Richens A, Goodwin G, Yuen W (1989). Controlled Trial of Lamotrigine (Lamictal) in refractory partial seizures. Epilepsia 3, 356-36
5- Jawad S, Oxley J, Yuen W, Richens A (1986). The effect of lamotrigine, a novel anticonvulsant, on interictal spikes in patients with epilepsy. BJCP 22, 191-193.
6- Lee W, Kwok C, Hunter E, Richards M, David A (2012). Prevalence and Childhood antecedents of depersonalisation syndrome in a UK birth cohort. Social Psychiatry and Psychiatric Epidemiology. 47, 253-261.
واقرأ أيضًا:
الابن يفارق عائلته: قصة عقار وطب نفسي معاصر / فصام مضاد للعلاج وعقار مثير للجدل