كان توقيع القيادة الفلسطينية، لاتفاق (أوسلو) في مثل هذا اليوم من عام 1993، هو أكبر ضربة تلقتها القضية الفلسطينية في تاريخها؛ من حيث أنه أول تنازل يُقدمـه أي فلسـطيني عن 78% من فلسـطين للعدو الصهيوني، وأول إعتراف فلسـطيني "بشـرعيـة" دولـة (إسـرائيل)، كما تضمن تنازل عن الحق في المقاومة وحمل السلاح، والالتزام بالتفاوض طريقاً وحيداً، وتعهد بمطاردة وتوقيف ومحاكمة كل من يُقاوم (إسرائيل)، وتنفيذ كل طلبات العدو الأمنية، في إطار ما يُسمى بالتنسيق الأمني المشترك.
***
ولم يكن مقبولاً على وجه التبريرات التي قدمها أبو عمار حينذاك، من أنه لم يكن هناك خيار آخر، بعد أن انسحبت مصر من الصراع، ووقَّعت اتفاقيات (كامب ديفيد) مع (إسرائيل)، وتواطأت هي وكل الدول العربيـة مع الولايات المتحدة و(إسـرائيل)، على طرد قوات المقاومـة الفلسـطينيـة من لبنان عام 1982 ونفيها إلى تونـس بعيداً عن الأرض المحتلـة. وأنهم على الأقل تمكنوا بموجب (أوسلو)، أن يعودوا إلى الأرض المحتلة، وأصبح بإمكانهم مرة أخرى أوراقاً سياسية للضغط والمناورة، بعد أن كانوا قد تم تجريدهم منها تماماً بعد نفيهم في 1982.
***
فرغم أننا نتفق على أن الجريمـة العربيـة الأولى والكبرى بحق فلسـطين، هي اتفاقيات (كامب ديفيد)، التي باعت فلسـطين (لإسـرائيل)، مقابل انسحاب (إسـرائيل) من سـيناء، وما تلاها من توابع في (أوسـلو) ووادي عربـة ومبادرة السـلام العربيـة 2002... إلا أن هذا لا يُمكن أن يكون مبرراً للتنازل عن أرض الوطن المحتلـة لقوات الاحتلال لألف سـبب وسـبب، على رأسـها أن لا أحد يملك صلاحيات التفريط بالأوطان، من حيث أنها ملكيـة مشـتركـة بين كل الأجيال، لا يحق لجيل واحد، ولو بالإجماع، أن يتنازل عنها...!!!
وأيضاً، لأن الشعب الفلسطيني، أثبت على امتداد قرن من الزمان، أنه قادر بعد كل ضربة أو نكبة أو نكسة، أن يقف على أقدامه مرة أخرى، وأن يلد أجيالا جديدة من المقاومة؛ وهو ما حدث بالفعل في إنتفاضة الحجارة عام 1987، حين كان قادة المنظمة يتفاوضون على شروط التسوية والاعتراف. وتكرر ثانية مع إنتفاضة الأقصى عام 2000 وما صاحبها من عمليات استشهادية، ومرة ثالثة فى مواجهة الاعتداءات الصهيونية المتكررة على غزة... إلخ.
أما أبو عمار الذي تصوَّر أنه قادر على "التحايل" على (إسرائيل) و(أوسلو)، فقد تم تصفيته واغتياله، مثله في ذلك مثل كل قيادات المقاومة الذين رفضوا الاعتراف (بإسرائيل)، مثل أبو جهاد وأحمد ياسين.
***
- أما ما تبقى من (أوسلو)؛ فهو إستيلاء (إسرائيل) واستيطانها لمزيد من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، وحصار القدس بأكثر من نصف مليون مستوطن يهودي، مع إجراءات حثيثة لتهويد القدس وتقسيم المسجد الأقصى. مع عدم إعادة دونم واحد للفلسطينيين.
- وتم شق صف الشعب الفلسطينى، وإخضاعه بالإضافة إلى قوات الاحتلال، إلى سلطة فلسطينية موالية (لإسرائيل) وتابعة لها، مهمتها الرئيسية هي مطاردة كل فصائل المقاومة، ووأدِ أي انتفاضات في مهدها، وتأمين الساحة وإخلاءها أمام (إسرائيل) لتمكينها من ابتلاع ما تبقى من فلسطين..!!
- وترتب عليها أيضاً إعطاء ذرائع إضافيـة للأنظمـة العربيـة لتسـريع انسحابها من دعم الشـعب والقضيـة، وتنازل عربي رسـمي عن فلسـطين 1948، بموجب مبادرة السـلام العربيـة 2002، ومن قبلها وادي عربة 1994 الشقيقة الصغرى (لكامب ديفيد) و(أوسلو)..!!
- ثم ما تلى ذلك من التواصل العربي مع (إسـرائيل) سـراً، ثم التطبيع والتحالف معها علناً وفي وضح النهار. وتراجعت القضيـة الفلسـطينيـة إلى ذيل أذيال الأجندات العربيـة والإقليميـة والدوليـة، بعد أن كانت على رأس أجندات الجميع، وتحولت (إسـرائيل) إلى "قطر شـقيق"...!!!
- وترتب على (أوسـلو) أيضاً، أن سـارعت العديد من دول العالم إلى الاعتراف (بإسـرائيل) و"بشـرعيتها"، و"حقها التاريخي" على أرض فلسـطين، بعد أن رأت أن أصحاب الأرض أنفسـهم يعترفون لها بذلك...!!!
- وترتب كذلك نشأة موقف دولي وعربي "رسمي"، يُدين المقاومة الفلسطينية، ويُصنفها كمنظمات "إرهابية"، ويُشارك في حصارها، ويحظر دعمها بالمال أو بالعتاد والسلاح. ويُبارك سرا أو علانية كل أعمال الاغتيال والقتل والإبادة والتجويع التي تقوم بها (إسرائيل) للمناطق الحاضنة للمقاومة.
***
ورغم كل ذلك، فإنه لا خوف، بإذن الله تعالى، على الشعب الفلسطينى، الذي لم يستسلم أبداً، ولم يتوقف عبر أجياله المتتالية، عن المقاومة لحظة واحدة، رغم كل ما تعرض له من ضربات واعتداءات، وغدر وخيانة.
القاهرة 13 سبتمبر 2015
واقرأ أيضاً:
كل مجلس أمن وأنتم طيبون / نحن وحركة فتح فى ذكراها الخمسين / القدس رايتنا! / دفء العلاقات المصرية الإسرائيلية