المحاور الثلاثة في المنطقة ذات مصير واحد، شاءت أم أبت، توهمت أو تعنتت، تطرّفت أم اعتدلت، فلا خيار وراءها ولا أمامها إلا التفاعل الإيجابي الأخوي التجاوري، الضامن لمصالحها كافة، والصائن لمصيرها المشترك. فما يصيب أي محور يؤثر بالآخَريْن سلبا أو إيجابا، فالجغرافية والتأريخ والثقافة ذات طبيعة واحدة، بجميع مفرداتها ومنطلقاتها وتطلعاتها.
ومهما يحصل أو يُراد له أن يحصل، فأن الحقيقة الدامغة أن أبناء المحاور الثلاثة يعيشون مع بعضهم منذ آلاف السنين، وكل ما حصل بينهم وكأنه مثل الذي يحصل ما بين أبناء العائلة الواحدة. ولا يمكن مقارنة الصراعات التي جرت بينهم على مرّ العصور، بالتي حصلت في أوربا على مدى قرون ولا تزال.
وما يجري اليوم - ومنذ عقود - هو دفع شديد وضغط عنيد للإيقاع التدميري التخريبي بينهم، لإستنزاف الطاقات والثروات والقدرات الهائلة الكامنة في الأرض والإنسان والتأريخ. فالمحاور الثلاثة تمثل أعظم الحضارات والإمبراطوريات التي سادت الأرض لآلاف السنين، وقادت المسيرة الإنسانية في رحلتها الطويلة نحو التقدم والرقي.
وفي فترات متتابعة تتحقق بينها تفاعلات هيمنة وسيطرة، وتنافسات للتحكم بالقوة والسلطة والحكم، لكنها في الزمن المعاصر عليها أن تغادر تلك الأساليب البالية، وتدرك بحسن وعيها وسديد حكمتها أن عليها السعي لتفاعلات المصير المشترك، والشروع بوضع الأسس والمنطلقات الصالحة لإقامة إتحاد حضاري بينها، لكي تعبّر عن جوهر قدراتها ودورها الراسخ في الأرض.
ولا يمكنها أن تتعادى وتتمادى بالغفلة والتورط بمسيرات إتلاف للقدرات الذاتية والموضوعية، فكل ما فيها يحثها على إصلاح ذات البين والإعتصام بحبل المودة والأخوة والجيرة، فمعظم ما عندها مشتراك ومتفاعل مع بعضه لدرجة الإندماج الخلاق. فلماذا تتجاهل قوتها المتلاحمة وهيبتها الحضارية، وتنهمك بتفاعلات سلبية ذات تأثيرات خسرانية، ولماذا تورط نفسها في مسارات تحقق أهداف الطامعين بها، والسعداء بصراعاتها وتمحّنها ببعضها؟
لا بد للجميع أن يستيقظ من التصورات الخاطئة، والضلالات والإنحرافات الفكرية والعقائدية البائدة، ويعبق من هواء العصر الفوّاح بالأفكار والتطلعات الجامعة، المُفاعلة لمفردات الإنسانية في بودقة صيرورة عوْلمية لا مَفر منها، ولكي تكون المجتمعات الثلاثة متماسكة عليها أن تذوب ببعضها لتصنع سبيكة وجودها الحضاري الأقوى والأبقى.
فلا طريق أمام العرب وتركيا وإيران إلا السير المتكاتف والعمل سوية ومعا، فهذا قرار الجغرافية والتأريخ والدين، والحضارة بمثلثها الذي يرتكز عليه عطاء آلاف السنين، وتلك حقيقة تستوجب الوعي واليقين!!
فهل من راشدٍ وعارفٍ بالمَعين؟!!
واقرأ أيضاً:
بلاد الأرقام أوطاني؟!!/ العقيدة العلمية الغائبة!!/ هل نراجع لكي نكون؟!!/ الاعتماد القاتل!!/ صوت الكلمة!!/ تحيا مصر قدوة عربية منيرة!!/ السلطة والدولة!!/ عيدٌ؟!على من عائدٌ يا عيدُ؟/ أين العيد؟!!/ الأمانة والهجرة!!/ الانكسار العلمي!!/ الجمال والاقتراب الأفلاطوني!!/ المُقسّم يتقسّم!!/ وحدة المعنى الإنساني!!