تميزت سنة 2015 من الناحية الحقوقية لأن جدلا بالغ الأهمية والجدية حول حقوق النساء أثير بشكل أكثر انفتاحا عن ذي قبل. سَلّطت مجلة العلوم العالمية nature الضوء على قضية التمييز على أساس الجنس Sexism أو التحيّز الجنسي. التعصب الجنسي، أو التمييز على أساس الأنوثة أو الذكورة، وكلها مصطلحات تؤدي نفس المعنى. اختارت المجلة أيضا عالمة الفلك جوان شميلز التي تصدَّت لأكبر عملية تحرش جنسي في وسط علماء الفلك الأمريكيين كأهم الشخصيات العلمية المؤثرة للعام باعتبارها صوتا لكل النساء.
تنامى هذا الجدل حول التمييز على أساس الجنس علنا في عام 2015 مدفوعا للسطح بعدة حوادث بيّنت كيف أن الشوفينية مازالت تجتاح العلم طبقا لنيتشر. في أبريل، أعلنت عالمة الجينات النشوئية فيونا إنجلبي من جامعة ساسكس Sussex في برايتون بالمملكة المتحدة على تويتر بأن دورية PLOS ONE قد رفضت ورقة بحثية اشتركت فيها مع زميلة لها بعدما كتب المراجع أن إضافة باحث مشارك "رجل" أو أكثر كان من شأنه أن يرفع مستوى التحليل في البحث. قامت الدورية على إثر ذلك بإزالة اسم المراجع من قاعدة بياناتها وطلبت من المُحَرّر الأكاديمي المسئول عن مراجعة الورقة البحثية بأن يتنحّى عن مجلس التحرير.
في يونيو، أثار البيولوجي الحاصل على جائزة نوبل تيم هانت Tim Hunt عاصفة من الانتقاد حينما أعلن عن "مشكلته مع الفتيات في المختبرات" قائلا أنت تقع في حبهن في المعمل، هن يقعن في حبك. وعندما تنتقدهن فإنهن يبكين. صرّح بهذا في المؤتمر الدولي للصحافة العلمية في سيول. أعلن هانت الذي استقال بعدها بيومين من منصبه كأستاذ كرسي بكلية لندن الجامعية أنه كان يقصد أن يكون مرحا لكنه أيضا وقع في ورطة بلا مناصر. شغل هذا الجدل الأوساط العلمية ردحا من الزمن. في النهاية لم تعده الجامعة لمكانه مرة أخرى. وبغض النظر عما إذا كانت الجامعة قد تعسفت مع تيم هانت أو لا، فإن ما حدث فتح بابا للنقاش حول التحيز الجنسي ونسبة النساء في أعلى السلم الأكاديمي بالجامعات.
أما شهر أكتوبر فقد حمل لنا أكبر قصص التحيّز الجنسي كافة وهي الكشف عن أن الفلكي الشهير جيوفري مارسي Geoffrey Marcy قد تحرش جنسيا بالعديد من الطالبات على مدار عقد من الزمان إن لم يكن أكثر. في خضم الغضب العارم تجاهه من قبل الزملاء في الجامعة ومجتمع علماء الفلك كذلك، استقال مارسي من موقعه الوظيفي في جامعة كاليفورنيا ببيركلي. هذه الحالة أدت إلى البحث عن الروح المفقودة في المجتمعات العلمية، وإلى أن يعمل الكثيرون على تطوير أو إعادة تقييم للسياسات المنوط بها منع التحرش الجنسي في اجتماعات العمل واللقاءات وغيرها من الأحداث.
يُعَرَّف التحيّز الجنسي قاموسيا على أنه معاملة مُجْحِفة للناس على أساس جنسهم وخاصة النساء، ويندرج تحته مفهوما التحامل والتمييز باعتبارهما مجموعة من التوجهات الفكرية والسلوكيات التي تعزِّز من قولبة الأدوار الاجتماعية بناء على جنس الفرد، بمعنى أن المجتمع يرى النساء أدنى ويحرمهن من الفرص.
يُشار أحيانا إلى التحيز الجنسي على أنه تحرّش نوْعي "ذو علاقة بالنوع ذكر أو أنثى" يتضمّن تعليقات جنسية أو سلوكيات تهين وتزدري أو تحرج النساء. التوجّه الفكري للمتحيز يتبنى وجهات نظر مقولبة حول السلوك الذي ينبغي أن يليق بنوع ما. غالبا ما يعتقد المتحيزين جنسيا أن السمات الرجولية تشمل العقلانية والمخاطرة والعنف، وعلى النقيض، تشيع فكرة أن السمات الأنثوية تشمل الحُنوّ والتعبير عن العواطف والتبعية؛
هذا التوجّه يؤدي إلى اعتناق معتقدات مقولبة مفادها أن النساء في مرتبة أدنى من الرجال؛ خاصة في أماكن العمل بأجر وأن الرجال لديهم الحق بالمبادرة بأي نوع من السلوكيات الجنسية، بل واستخدام الضغط لتحقيق هذا إذا تطلب الأمر، مما قد يؤدي إلى خلق بيئة عمل متحيزة جنسيا رغم أن بعض السلوكيات المنتشرة فيها والمؤدية لها لا تستوفي التعريفات القانونية للتحرش الجنسي.
يرتبط التحيز الجنسي بكل من التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي لأن أصحاب التحيزات الجنسية من غير المُرَجَّح أن يصدقوا الضحية حين تعلن عن رفضها لهذا السلوك. لقد وُجِدَ أن التحرّش الجنسي شائع في أماكن العمل. 42% -88% من النساء العاملات قد ذكرن أنهن تعرضن للتحرش الجنسي. استنادا للمسعى المعرفي في بحث هذه القضية، وجد الباحثون أن التحرش الجنسي من قبل الرجال على النساء ينشأ أساسا من التحيز الجنسي. هذه النقطة ترجعنا إلى قصة شميلز ومارسي والتحرش الجنسي بطالباته.
جوان شميلز Joan Schmelz هي عالمة فلك كبيرة متخصصة في فيزياء النظام الشمسي ورئيسة لجنة بحث أوضاع المرأة في الجمعية الفضائية الأمريكية من 2009 وحتى 2015. الفلكيات الشابات بحثن عنها ووثقن بها وروين لها عما احتملنه من تحرش جنسي. الكثير من تلك الحكايات كان بطلها نفس الرجل تقريبا، وعليه فقد عملت جوان على الكشف عن ذلك المتحرش الجنسي البارز. طمأنتهن شميلز بأنهن لسن وحدهن، وسألتهن إذا ما كن يرغبن في الحديث مع أخريات كن في نفس موقفهن. الفضل يرجع في جزء منه لتلك المقدمات، فلقد قامت أربعة من النساء في النهاية بتحرير شكاوى في مارسي.
ما فعلته تلك السيدات أُعلن على الملأ هذا العام مما أدى إلى تقاعد جيوف هانت صائد الكواكب خارج المجموعة الشمسية المعروف بجامعة كاليفورنيا ببيركلي، وهو أحد الباحثين الرئيسيين في مشروع تلسكوب ناسا الفضائي "كيبلر". لقد كانت فضيحة جيوفري مارسي الحلقة الأكثر درامية في مسلسل الجدل حول المساواة بين النوعين في 2015.
قالت ميج آري كبيرة علماء الفلك بجامعة يال ورئيسة جمعية علماء الفلك إن مجهودات شميلز خلف الكواليس قد ساعدت على تعرية التحرش الجنسي من أجل إحداث تغيير قوي وإيجابي في فهم المجتمع له. بعدما تمت الإطاحة بمارسي، دشنت أقسام علم الفلك في الجامعات والمعاهد نقاشا صريحا حول "السلوكيات غير المقبولة" داخل الحرم الجامعي. بدون جوان شميلز لم نكن لنرى هذا التغيير الهائل.
شعرت النساء براحة لمشاركة قصصهن مع شميلز فلقد مرت شميلز بنفس التجربة. في بداتها المهنية كانت شميلز هدفا للتحرش من قبل مشرفتها. تقول شميلز: "لقد كنتُ مُنعزلةً وليس لدي من أثق به". لقد أدركت بالضبط ما حدث لها بعدها بسنوات في 1991، عندما اتهمت المحامية أنيتا هيل القاضي كلارينس توماس المرشح لعضوية المحكمة العليا بالولايات المتحدة بتهمة التحرش الجنسي. لقد بدأت شميلز ببوست على الموقع الإليكتروني للجنة بحث أوضاع المرأة في الوسط الفلكي ثم توالت قصص مارسي في الظهور.
أعلن مارسي أنه أخطأ وأنه على استعداد لتحمل المسئولية كاملة عن أفعاله. في البداية ماطلت جامعته في اتخاذ موقف صارم من جريمته على أن تغفر له ما مضى شريطة ألا يتكرر مرة أخرى. شعر علماء الفلك الزملاء بالضيق إزاء مماطلة الجامعة وضغطوا باتجاه الإطاحة بمارسي.
لقد كان الشغل الشاغل لشميلز لفترة هو كيفية تحريك الموضوع للأمام، ولذا فقد قامت بالتواصل مع العديد من الأشخاص الفاعلين في المجتمع لبحث ما يمكن عمله من أجل هؤلاء النساء، وفي النهاية ظهر بديل تحرير الشكوى طبقا للتشريع المعروف بـ Title IX الذي يحرم التمييز الجنسي داخل الجامعات التي تتلقى دعما حكوميا. في يوليو 2014، ضربت الشكوى الأولى بيركلي بضراوة. قالت شميلز بأنها لم تكن واثقة بإمكانية حدوث هذا.
لقد أنجزت شميلز ما أنجزته بينما لديها حياة مهنية حافلة في علم الفلك الشمسي، فلقد كانت في منصب نائب مدير مرصد أريسيبو في بورتوريكو. بعدها بعدة أشهر استقال المدير، فحَلَّت مكانه مسئولة عن أكبر تليسكوب في العالم. تعرف شميلز جيدا بأن ما حدث ما هو إلا بداية وأن أمامها مشوارا طويلا في مكافحة التحرش الجنسي. ترغب أيضا في دفع ضحاياه في الجامعات إلى تحرير شكاوى مكتوبة ضد المتحرشين آملة أن ترفع العبء عن كاهل النساء كي يتفرغن لأعمالهن. تقول شميلز: "دعونا نغير النظام".
لقد ضرب "الوسط الفلكي" مثلا رائعا في كيفية أن يُطّهِّر قطاعٌ مهني ما نفسه. لم نر تكتلات تناصر الفساد أو تعمل على إخفائه. لم نر تنكيلا بمكتشفي الفساد. على النقيض رأينا تكريما للجهود الرامية لكشف الأخطاء وسرعة تصحيحها. رأينا الطريقة التي يدير بها مجتمع العلم مشاكله وورطاته، وكيف يكون الانتصار للقيم والحقوق المهدرة أكبر من الكيان الجامعي نفسه. لن أقول إن جامعاتنا تمتليء بالأساتذة المتحرشين لكنها تعج بالتمييز الجنسي المُقَنَّن والمنتشر حتى يكاد ألا يستوقف أحدا. وددت - بالأساس - أن ألفت الانتباه لما يعرف بالتحيز الجنسي.. ذلك المصطلح الغائب عن أذهاننا.. غائب حتى عن النساء اللائي يتعرضن للإزدراء كل يوم.
واقرأ أيضًا:
العادة السرية وموقع مجانين / الحياة الجنسية للمرأة الإرجاز Orgasm / اضطرابات التفضيل الجنسي Sexual Preference Disorder / ملفات جنسية