للمرة الخامسة في 36 عاما (حياتي المهنية حتى الآن كطبيب نفساني)، أترك مرضاي في مكان عملي وهم أصحاب مواعيد جاؤوا في مواعيدهم مستأذنا لأمر جلل، المرة الأولى كانت وفاة أبي الله يرحمه، والثانية وفاة والدة زوجتي الأولى، والثالثة وفاة أمي حبيبتي رحمة الله عليها، والرابعة حين تعرض ابني الأصغر جواد وهو في عمر السنتين لنوبة حساسية مفرطة إثر وضعه لقطرة عيون جدته على شفتيه أما الخامسة فكانت حدثا جللا في منتهى العجب... هو مصيبة فقدان الفلاشه!
الجمعة الماضية حوالي الثانية بعد الظهر اكتشفت أنني فقدت فلاشتي فهي غير موجودة في مكانها في جيبي ولا في جهازي الذي أمامي وأذكر جيدا أني أخذتها في الصباح مع ساعتي وهاتفيّ وخاتمي ووضعتها في هذا الجيب الذي رحت أتحسس أدناه مرارا تكرارا من الصدمة حتى أخذتني منها صدمة أن زوجتي الثانية لم تغلق الفتق الذي أحدثه القلم في هذا القميص الذي لم ألبسه ربما منذ أربعة سنوات.... سبق أن وقعت فلاشة 2012 من هذا الفتق نفسه ولستر الرحمن الرحيم ولطفه بي كان وقوعها في بيت والد ابن عبد الله أ.د محمد عبد الله الشوربجي، ولحقت نفسي بعد ساعات..... وظننت طبعا أن زوجتي التي تعرف جيدا معنى فلاشتي أصلحت الفتق... لكنها لم تفعل سامحها الله.
كان علي أولا أن أتتبع خطواتي هذا الصباح بداية من البيت ثم مجانين ثم سيارتي ثم مستشفى الدار التي زرت فيها مريضا ومريضة... وكان كل هذا ممكنا دون ترك مرضاي في العيادة، فأجريت عدة اتصالات ليتفحصوا في البيت ومجانين وطلبت من سائقي أن يبحث في السيارة، ولما جاءت الردود كلها لا توجد فلاشة.... وما زال سائقي يكرر علي أكيد وأنت تصلي الجمعة يا دكتور حتى جعلني أحلف أنها لم تسقط مني وأنا أصلي!... كيف أقول له أن الفتق الذي أوقع فلاشة 2012 ورحت أحضرتها لي من بيت والد د. أحمد عبد الله لم تصلحه زوجتي!
عندما اقتنع قلت له إذن أحضر السيارة وانتظرني تحت العيادة لابد من البحث بنفسي الفلاشة التي ضاعت يصعب وصفها على الأقل علي أو هكذا بدا لي فهي متوازي مستطيلات صغير حوالي سم عرض في 4 سم طول بالتقريب وسمكها ربع سم أو أقل يعني ولونها فضي تحتاج تدقيقا كبيرا إذا أردت البحث على تراب مصر الأسمر الفاتح بشكل قد يخفي الفضي سيما إن كان بهذا الصغر.... لطفك يا إلهي!
... كان لزاما أن أعاود زيارة مدفن والدتي يرحمها الله وهو ما بدأت به جولة الجمعة الصباحية هذا الأسبوع.... في الطريق اتصلت بمستشفى الدار مرة أخرى وقلت لهم جائزة 100 جنيه لم يجدها من العمال.... ضحكت الطبيبة الناشئة وقالت حاضر يا دكتور وإن كنت بحثت بنفسي،.... وبينا أتفحص الطرق الترابية بين مكان إيقاف السيارة ومدفن الوالدة ومن خلفي سائقي ينصحني بمحاولة تذكر دعاء كانت أمي يرحمها الله قد علمته له إذا فقد شيئا... وحقيقة اكتفيت بأن دعوت الله بكل ما أملك من ضعف أمامه سبحانه اللهم رد علي ضالتي....
يا ربي لا تضيع علي أوقات عيد الأضحى الداخل بعد يومين والتي أسرقها لمتابعة مجانين وما عداه... إن محاولة استعادة كثير مما ضاع قد تستغرق كل الوقت... ثم بعد أن علا التراب رؤوسنا فضلا عن أحذيتنا واختلط بحبات العرق وإن لم تظهر الألوان بعد...... لم أجد شيئا ولا هو وجد....
ورحت تتقاذفني سيناريوهات الفقد، على الفلاشة لمن لا يعرف، أصول ما نشر على مجانين لسنتين على الأقل، النسخة الأخيرة من كتاب "مرضى الوسواس بين الفهم والعلاج" أو "مريض الوسواس كيف نفهمه ونعالجه" وهو الاسم الذي فاز به العمل بجائزة سليم عمار، وفيه كتاب يعده أخي سداد جواد التميمي وأشاركه فيه عن مرض الصَرْع وفيها آخر ما أنجزت من عروض شرائحية لورشتي عمل ومحاضرة سأقدمها إن أحيانا الله في مؤتمر اتحاد الأطباء النفسانيين العرب الشهر القادم بالأردن، وفيها أوراق بحثية وفيه مجلدات متعددة آخر تحديثات ملفاتها كلها على الفلاشة.... وهذا كله بين كثير مما يطول تعداده وحجمها 62 جيجا بايت منهم فقط أقل من ثمانية فراغ.... يعني فقد بالجيجا بايت ولا حول ولا قوة إلا بالله!
هذه الفلاشة تتنقل بين جهازي كمبيوتر في الزقازيق وجهاز على الأقل في القاهرة وجهازي المحمول في طرق السفر، يعني معظم عملي يتم عليها، وفشلت مرارا تكرارا في أن أعمل على الجهاز وأنقل النسخ الأخيرة مما حررت على الفلاشة قبل نزعها من الجهاز لكني فشلت بالثلث... الفلاشة عليها آخر فيديوهات صورتها لولدي جواد وأحمد، وقد نقلتهما من الهاتف النقال بالأمس فقط... لا حول ولا وقوة إلا بالله... استغفرت الله كثيرا.. ودعوته في حرقة المكلوم اللهم رد علي ضالتي!
وبينما أنا في تلك الدوامة الانفعالية فاجأني سائقي يكرر مرة أخرى يا دكتور صدقني مرة واسأل في المسجد... رددت عليه منفعلا وقعت من هنا يا عبد المنعم من هذا الخرق... وحمدت الله كثيرا أنه بدلا من أن يتذكر قال لي ولم لم تخبرني من قبل يا دكتور سأجد إن شاء الله الفلاشه وسبقني عدوا في حر مصر الشهير هذه الأيام وشمسها القاسية إلى السيارة.... وقلت له ولك مكافأة 100 جنيه إن وجدتها... وكم حمدت الله أن صدق قال لي يا دكتور حين عرفت من أين سقطت الفلاشة استنتجت أنه لابد من سحب كرسي السيارة إلى الأمام والوراء والبحث عن يساره... ومد يده بالفلاشة وما زلت أمسكها بيدي حتى رجعت إلى عيادتي ولم أغب عنها إلا 44 دقيقة وقررت وضع الفلاشة في حافظتي وليس في جيبي ولعلها نصيحة للجميع.
واقرأ أيضًا:
شيزلونج مجانين: عن الانتماء / يوميات مجانين: عربية المصريين / ساخن من لبنان:الضاحية الشامخة العالية
التعليق: وأنا أقرأ القصة.. أضحك..
ملحمة
لماذا لا تخصص قرصا صلبا خارجيا من نوع SSD صغير الحجم فهو متين (لأنه ليس مغناطيسيا ولا قابلا للكسر) وتستخدم برنامجا للتحديث التلقائي..
يعني كلما أدخلته فتّش البرنامج في USB key ليجد الجديد فيحمّله تلقائيا.. وذاك يكون في الحاسوب المكتبي في الزقازيق والقاهرة.. أما أثناء السفر تكتفي بالفلاش فقط..
وقد تركت HDD مع آخر تعديلات قبل أن تسافر أو تخرج.. إلى أن تصل للمكتب مجددا وتنقل ما استجد. ويمكنك تركُه في مكان واحد تختاره، (القاهرة أو الزقازيق) أو يكون عندك منها اثنين... فالله أعلم ما الذي يمكن أن يحصل لأحدهما أو للمكتب لا قدّر الله..