أخبار الموقع هذه المرة هي "أخبار بايته" مع الأسف كما نقول بالعامية المصرية أي أخبار قديمة وليست طازجة فقد قاربنا مرور ثلاثة أسابيع على هذه الأخبار، ربما لأنني لم أكتب شيئا أثناء الحدث ولا في أثناء رحلة العودة، ثم التهمتني مشاغل مصر المعروفة، وانتظرت أن يكتب سداد فوجدته منشغلا بكتاب يقوم بإعداده عن مرض الصرع وأسعدني أن أشاركه فيه، ووعد بأن يكتب مختصرا، ثم أخيرا أخيرا جلست إلى نفسي لأكتب شيئا لابد أن يسجل على ذاكرة مجانين، فسامحونا على التأخير.
مساء الاثنين 17 أكتوبر هبطت بنا طائرة مصر للطيران مطار الملكة علياء في عمان، هذه هي الزيارة الثالثة لي، مرة في مؤتمر الجمعية الأردنية للطب النفسي الأول 2008 ثم الثالث 2014 ثم ها أنا لحضور مؤتمر اتحاد أطباء النفس العرب والذي يعقد للمرة الثانية في عمان.... هذا المؤتمر ليس كغيره لأسباب كثيرة لكن أهمها اثنان هما أني بعد فوز كتاب العلاج التكاملي للوسواس القهري سأنوب عن شركائي فيه (أ. رفيف الصباغ ود. محمد شريف سالم وأ. يوسف مسلم) جائزة الاتحاد في البحث العلمي باسم سليم عمار من رئيس الاتحاد المنتهية مدته أ.د شارل بدوره وأتسلم درع الاتحاد من الرئيس الفخري للاتحاد أ.د أحمد عكاشه، والسبب الثاني هو أني سألتقي سدادا للمرة الثالثة وهذه المرة في غير لندن أي على أرض عربية.
بداية المؤتمر كانت الخميس 20 أكتوبر لكن نشاطا علميا آخر سافرت لحضوره الثلاثاء والأربعاء، كانت المحاضرة الأهم يوم الثلاثاء لد. وليد سرحان عن عقاقير علاج الذهان الحديثة وهو بالنسبة لي أخ أكبر وصديق عزيز هو بالنسبة لي مدخل الطب النفسي في الأردن، لكن المحاضرة بعيدا عن ذلك كانت شاملة خفيفة عدد كبير من شرائحها من النوع الذي يعلق في الذهن ربما لفرط بساطته وعمق معناه، وأجمل ما في تلك المحاضرة الدسمة كان طريقة المحاضر التي مزجها بخبرته العملية بأسلوب شيق رشيق.
رافقني من صبيحة ذلك اليوم د. لطفي الشربيني وهو بالنسبة لي قمر الإسكندرية النفساني المضيء، وأ.د عادل سراج الدين صاحب واحدٍ من أول المقالات المتنوعة على موقع مجانين هو المس واللبس والسحر في العيادة النفسية، وتحادثنا طويلا ما بين المحاضرات عن أوضاع البلاد والعباد.
انقر الصورة لترى حجما أكبر
في حوالي الواحدة ظهرا جاءني سداد واحتسينا القهوة سويا على عجل وكنت أظنها المرة الأولى التي أضيفه فيها على حسابي... لكنه بخفته وأسلوبه الحازم لم يمكني كما اعتدت منه،.... أحضر معه البوستر الذي عرضناه وكان الوحيد في المؤتمر عن "الوسواس القهري الديني Scrupulosity"... أعده د. عماد التميمي أخو سداد وأهداه لي وأصر أن أحمله معي إلى مصر،...... أوصلناه لرعاة المؤتمر ليقوموا بإيصاله إلى مقر المؤتمر صباح الخميس أول أيام المؤتمر....
واكتشفت في ذلك الوقت أن المطوية التي كلفت من قبل أمين اتحاد الأطباء النفسانيين العرب د. جمال تركي وهو الرجل خلف الشبكة العربية للعلوم النفسية، بإعدادها تحت عنوان ما هو الوسواس القهري كجزء من نشاط شعبة اضطرابات الطيف الوسواسي التي أترأسها وأشركت معي فيها رفيقي في الشعبة د. يوسف مسلم، وكنت قد اتفقت مع ممثلي الشركة المنظمة للمؤتمر وأنا في مصر أن يقوموا بطبعها لتوضع في حقيبة المؤتمر... اكتشفت أنها لم تطبع!
كان علي أن أسعى جاهدا بمعاونة أخي د. وليد سرحان وممثلوا شركة الحكمة الأردنية لتقديم ما وعدوا به لاتحاد الأطباء النفسانيين العرب، وهو طبع مطوية الوسواس القهري التي أنوي نشرها غدا إن شاء الله على مجانين.... وبالفعل قام المسؤول الأردني بتدارك الموقف لكن مع الاستغناء عن بعض الملامح الفنية للمطوية... في خضم هذا تركني سداد ولم نتفق على شيء في المساء... كنت أعرف أنه في ضيافة أخيه د. عماد ولم أكن أعرف ماذا ينوي د. لطفي الشربيني في المساء......
كذلك ألح علي د. وليد سرحان بضرورة مد فترة بقائي في الأردن حتى أنهي محاضراتي وكنت أحاول إقناعه بمحاولة تغيير مواعيد محاضراتي مع أي من إخواننا الأردنيين أو الذين اعتذروا عن المؤتمر في اللحظات الأخيرة، ثم اكتشفت أن الوحيد الذي اعتذر هو مستشارنا القديم الذي ظل متميزا لكنه توقف عن عمله التطوعي في مجانين، د. ملهم الحراكي وكان موعد ورشته أصلا بعد مواعيدي كلها... وجدت باقتناع -ورغبة سابقة داخلي لم أكن أظهرها لد. وليد- أن انتظاري حتى نهاية التزاماتي في المؤتمر...
وأما سبب ذلك فله قصة لم أذكرها من قبل هي أن مجموعة شركة الحكمة التي سافرت من مصر قد قرروا –في الخفاء أو مع بعض الأطباء المتعجلين أن يقدم موعد سفر المجموعة المصرية مكتفين بأول يوم ونصف اليوم التالي من المؤتمر وهو أمرٌ عرفته في طريقي للمطار-....... المهم أني استطعت أن أؤجل سفري واستضافني المؤتمر أو بالأحرى أكمل استضافته لي ليلة الجمعة.
وحين حل مساء الثلاثاء تكاسلت عن مرافقة د. لطفي الشربيني الذي قرر السير إلى أسواق الحسين ليستطلع لا ليشتري، وقلت له أني امرؤ لا يزور السوق إلا محدد الهدف والدينار الأردني = 25 جنيه مصري فكيف سأشتري؟... ضحك قائلا (ومن إذن يشتري يا عم وائل؟؟!!)...... وغالبا صعدت إلى غرفتي أراجع المحاضرة وورشتي العمل، وإحداهما عن الاستعارات والتشبيهات في العلاج المعرفي السلوكي للوسواس القهري يشاركني فيها يوسف مسلم مثلما شاركني في كتابة هذا الفصل في الكتاب الفائز، وأما الورشة الأولى فسبق أن قدمتها في مؤتمر السعودي الألماني الأخير في جدة 2016 عن سلوكيات أو احتياطات التأمين في مرضى الوسواس القهري، وأما المحاضرة فكانت تواكب الرهاب الاجتماعي مع الوسواس القهري هل مجرد تواكب؟ وهي محاضرة تظهر التداخل بين الاضطرابين في أكثر مما يفترقان في الخصائص النفسية ونقاط الضعف المزاجية والعيوب المعرفية والعصبنفسية.
صباح الأربعاء 19 أكتوبر وهو عيد ميلادي تلقيت اتصالات من ولدي الكبيرين وزوجتي الأولى، ومن كثيرين من رفاقي في المؤتمر أثناء الإفطار عرفت أن الفيسبوك قام بالواجب.... وبعدها صعدت غرفتي ثم اتجهت إلى قاعة المحاضرات لأجد مفاجأة جميلة هي أن سداد قرر قضاء اليوم العلمي معي ولم يكن أخبرني البارحة،... وتحادثنا كثيرا... أثناء الفواصل وعارفته بد. لطفي الشربيني... ولعله سيذكر كل التفاصيل كما وعد في مدونة عن صحبتنا في عمان...، ثم كانت المحاضرة الأكثر تشويقا في ذلك اليوم وهي محاضرة أ.د مها يونس عن اضطرابات ما بعد الولادة لكنها قدمت عرضا شيقا عن الأساطير التي ارتبطت بالحمل والولادة في كل الثقافات ثم طعمت شرحها للأعراض التي تشكل ذهانات ما بعد الولادة بقصص عن الحالات الحقيقة من العراق الشقيق، وكانت الأولى بين المحاضرين في اليومين العلميين التي تحركت من مكانها واستطاعت أسر انتباه ما لا يقل عن 200 من الحاضرين في القاعة.... وكانت بالفعل مسك الختام لذلك الحدث العلمي.... قمنا بعدها أنا وسداد وحييناها معربين عن إعجابنا الصادق،.... وفي لمح البصر اختفى سداد وذهبت للغذاء.
انقر الصورة لترى حجما أكبر
بعد نصف ساعة من الآن إذن علي أن أرافق مستشارنا الأردني يوسف مسلم للقاء مع مجموعة من المهتمين بالعلاج المعرفي السلوكي في مركز كلمة.... وكنت قد تواصلت مع يوسف مسلم وأعطيته موعدا في الرابعة عصرا، يعني أمامي نصف ساعة فصعدت إلى غرفتي وفوجئت بحقيبتن من كابلو عرفت أن فيهما زيت الزيتون والزعتر أحضرتهما د. حنان طقش... شعرت بالخجل أن تكون وصلت الفندق ولما عرفت أني في الغذاء أرسلت هديتها إلى الغرفة... وحين سألت عرفت من استقبال الفندق أن أحدهم ترك هذا عندهم وطلب إيصاله لغرفتي.
صليت الظهر والعصر جمع تأخير ثم تلقيت اتصالا على الغرفة وعرفت أن يوسف وصل ويسألني أأصعد غرفتك أم تنزل لي فقلت اصعد وبعد دقيقتين طلبني ليبلغني أنه يحتاج مفتاح الغرفة ليصعد في المصعد... قلت له إذن أنا نازل فقال تمام فمعي زيت الزيتون من أرضنا في نابلس وشيء من الزعتر،... نزلت وتعانقنا وحملت هديته إلى الغرفة بينما انتظر هو في السيارة، ورجعت بعد ستة دقائق وخرجنا بسيارته من الفندق، واتفاقنا أنه سيعيدني إلى فندق الرويال لحضور اجتماع اللجنة التنفيذية لاتحاد الأطباء النفسانيين العرب كرئيس تنتهي مدته لشعبة اضطرابات الطيف الوسواسي...... وبينا في الطريق إذا بالميكروباص الذي يسير أمامنا يتسمر فجأة في مكانه ويحاول يوسف مفاداته ويكاد لكن تبقى صدمة متوسطة الشدة بين صدام سيارته الأيسر وركن الميكروباص الأيمن!... قدر الله وما شاء فعل... وعندما نزلنا من السيارة خطر ببالي كيف سيتصرف السائقان وقد صدم أحدهما الآخر بسبب توقفه المباغت؟!... ظللت أتلقى جرعات متتالية من الدهشة لم أكن أعلم أن القدر مصر على تضخيمها حتى عدت إلى بيتي في الزقازيق كما سأوضح لاحقا.
ما حدث لبعض دهشتي كان أن يوسف والسائق الآخر بدأ كل منها بالسؤال على الآخر! فيك شيء؟ الحمد لله في رفقيك شيء؟ الحمد لله تأمينك ساري؟؟ الحمد لله ... وخلال دقيقتين على الأكثر وصل ضابط المرور وتضخمت بعض دهشتي لسلوكه المؤدب بشكل واضح سأل أولا عن الموجودين في السيارتين ثم أخذ بعض البيانات... وشرح لي يوسف بعدها أنه الآن سيدفع 90 دينارا مخالفة اصطدام... لأنه السيارة الخلفية.. وأننا في طريقنا إلى أقرب مخفر لمقابلة الكروكي أو الضابط الذي سيحرر ويصور السيارتين... ولا أريد أن أطيل في التفاصيل لكني اكتشفت أن الشرطي في البلاد العربية يمكن أن يكونا ودودا ومؤدبا ولا يتعالى على خلق الله!
واصلنا بعد ذلك طريقنا وحدثني يوسف عن قرب حصوله على درجة الدكتوراه في علم النفس العيادي وقد ابتكر نموذجا جديدا لإبلاغ الأنباء السيئة للمرضى وذويهم.... وأخيرا وصلنا إلى مركز كلمة والتقيت رفاق يوسف وتحدثنا عن الوسواس القهري وعلاجه بالوسائل المعرفية السلوكية في الكبار والصغار، إلا أن وقت الندوة لم يكن متاحا منه بعد ما حدث إلا ساعة أو أقل... وانطلقنا بعدها حتى فندق الرويال في وسط عمان لحضور اجتماع اتحاد الأطباء النفسانيين العرب.
ويتبع >>>>>>: الأردن مؤتمر الأطباء النفسانيين العرب الدولي(14)2
واقرأ أيضًا:
مقص السعدني: لأنه غالٍ ثمين/ شكرا سوريا: مؤتمر مختلف/ ثانية ألتقي سدادا .... جمعا في لندن