البائع العصبي... وفقدان الوظائف
الفصل الخامس عشر
ولنعد الآن إلى الحديث عن تغيير عادة سيئة منتشرة لدى البعض منا وهي التخمة في تناول بعض الأطعمة؛ وذلك باستخدام مهارات مختلفة.
قد تكون هذه التخمة لدى البعض عندما يرون أطباقا شهية من اللحوم أمامهم، ولدى آخرين عندما يرون أطباقا من الحلويات، والبعض يعتمدون على الطعم الشهي والمذاق اللذيذ والرائحة الذكية للطعام أيا كانت مكوناته، والبعض يأكل لدرجة التخمة عندما يكون الطعام مجانيا كما في الولائم والأفراح والدعوات المجانية، والبعض يأكل لدرجة التخمة عندما يكون سعيدا ومسرورا، وآخرين يأكلون لدرجة التخمة عندما يكونون قلقين ومتوترين من أمر ما، وقد يكون الأكل لدرجة التخمة عادة موروثة في بعض العائلات، حيث يكون الطعام هو محور حياة أولئك العائلات، ومتعتهم الكبرى في الحياة، وقلة من الناس يأكلون للتخمة كنوع من الفعل القهري، وهذا النوع من التخمة منتشر بين الأمريكيين، فالشخص القهري يستمر في تناول الطعام والشراب حتى لا يُصبِح في جهازه الهضمي موضعا للقمة طعام أو شربة ماء!!، وعندئذ يكف مرغما عن تناول الطعام و الشراب!.
وبالطبع فإن تناول الطعام لدرجة التخمة من السلوكيات غير المرغوبة، ومن المهم بالنسبة لنا أن نبحث عن ما يعزز سلوك التخمة لدى الأشخاص الذين يعانون منه، وبالطبع فإن تلك المعززات تختلف من شخص لآخر، كما يَجِبُ أَن نبحث عن النتائجِ الفوريةِ للفعل "التخمة" (لكن ليس من الضروري أن تكون نتائج التخمة متشابهة لدى جميع من لديهم ذلك السلوك الضار)
يَعترضُ أخصائي الحميات على النتائجِ السلبيةِ للإتْخام؛ مثل الحموضة والغثيان وأحيانا القيء والمظهر القبيح أمام الناس وصعوبة توافر المقاسات المناسبة نتيجة لزيادة الوزن والسمنة وما يتبعها من أمراض كضغط الدم والسكر وتصلب الشرايين والجلطات القلبية والدماغية. لماذا النتائج غير السارةَ للتخمة لا تَقْمع كميات السُعرات الضخمة التي يأكلها مثل هذا الشخص؟، لأن تَحْصل على مثل هذا الشعور المؤقتِ من المتعةِ أَو الإغاثة مِنْ التَوَتّرِ عندما تَلتهمُ بيتزا كبيرة وحدكِ وطبق كبير لذيذ من الاسباجيتي باللحم المفروم؛ فالشخص المُحب للطعام ينسى النتيجة النهائية للتخمة من أمراض مزمنة مؤلمة ونقص في النشاط والحركة اليومية وكسل مُنتقَض ممن حول هذا الشخص؛ لذلك فأي سلوك بالتعزيز (سواء سلبي أَو إيجابي) يُؤدّيِ إلى زيادةِ ذلك السلوك الضار "التخمة".
وأي سلوك ضار يحتاج إلى منع التعزيز عنه حتى لا يستمر، وقد يحتاج أحيانا للعقاب الذاتي للمساعدة في منعه وإنهائه، والتعزيز في حالة حب الطعام قد يكون التخلص من القلق أو التغلب على الحرمان من الطعام اللذيذ أو نوع من التعود القديم على الأكل لدرجة التخمة، ولكن في كل الأحوال يكون هناك زيادة في إفراز بعض الناقلات العصبية بالمخ عندما يقوم هذا الشخص بفعل ذلك السلوك، وبالذات مادة الدوبامين، لذا نجد هناك العديد من الخطوات لعلاج مثل ذلك السلوك الضار، منها:
*محاولة تجنب معززات سلوك التخمة كالقلق وحضور الولائم والعزائم المجانية.
*محاولة تعزيز الدعم الاجتماعي مثل الثناء والمدح والتقدير من الأشخاص المحيطين عندما يقلع الشخص عن سلوك ضار كالتخمة المؤدية للسمنة.
*استبدال سلوك التخمة ببعض السلوكيات المفيدة الأخرى مثل ممارسة رياضة مناسبة لهذا الشخص كالسباحة أو المشي.
*أو عدم الجلوس في المنزل لفترات طويلة لتجنب الأكل لدرجة التخمة.
*اللجوء إلى أحد أخصائي الأغذية لتنظيم السعرات اللازمة للشخص المصاب بداء التخمة وفقا لعمره وظروفه الصحية ونشاطه ومجهوده اليومي.
*استخدام بعض العقاقير المناسبة لمثل هؤلاء الأشخاص.
والآن من المهم أن نتذكر ونُلخص بعض النقاط الهامة في كيفية تغيير سلوكياتنا غير المرغوب فيها:
*من المهم جداً تحديد معالم السلوك المُراد تغييره.
*من المهم جدا أتباع أسلوب التغيير التدريجي للسلوك غير المرغوب فيه.
*من المهم كتابة ما يريد الشخص تغييره في نفسه من سلوك، والدرجة من التغيير التي يطمح إليها.
*من المهم أيضا قياس درجة تمكن هذا السلوك المرغوب في تغييره لدى الشخص قبل اتخاذ أي خطوة للتغيير.
*من المهم قياس مقدار التغيير الحادث في المراحل المختلفة من محاولة تغيير سلوك غير مرغوب فيه، وتسجيل مقدار ما أحرزه الشخص من تقدم.
*من المهم أن يفهم الشخص إمكانياته في مواجهة المشاكل والصعاب الحياتية، وما أكثرها في حياتنا اليومية، وتأثير ذلك على قدرته في تغيير سلوك غير مرغوب فيه.
وهناك قصة طريفة توضح اختلاف استجابة الأشخاص للمشاكل الحياتية المختلفة:
تعدد أساليب المواجهة لمصائب الحياة مع اختلاف الأشخاص
ذهبت شابة إلى والدتها وأخذت تشكو لها عن الصعوبات التي تواجهها في الحياة، وأنها ترغب في الاستسلام لما تعانيه. اصطحبتها والدتها إلى المطبخ حيث ملأت ثلاث أوان بالماء ثم وضعتها على نيران قوية، وبعد وقت قليل اخذ الماء في الغليان، فوضعت في الإناء الأول جزرا وفي الثاني بيضا ثم وضعت في الثالث بنا مطحونا، وجعلت الأواني تستمر في الغليان دون أن تنبس ببنـــــت شفة.
بعد حوالي عشر دقائق أغلقت مفاتيح الموقد ثم أخرجت الجزر خارج الإناء ووضعته في طبق ثم أخرجت البيض ووضعته هو الآخر في طبق ثم صبت القهوة في وعاء آخر ثم استدارت لابنتها وسألتها أخبريني ما الذي ترينه؟ فقالت الابنة جزر وبيض وقهوة. فطلبت منها الأم أن تمسك بالجزء وتتحسسه ففعلت الابنة ولاحظت أن الجزر أصبح لينا، ثم عادت الوالدة وسألت ابنتها أن تأخذ بيضة وتكسرها، وبعد تقشيرها لاحظت الابنة كيف جمد البيض، وأخيرا طلبت منها الأم أن ترشف رشفة من القهوة. ابتسمت الابنة وهي تتذوق القهوة ذات الرائحة العبقة الغنية.
هنا سألت الابنة، وماذا يعني ذلك يا أمي؟ قالت لها الأم: إن كلا من الثلاث مواد قد وضع في الظروف نفسها، ولكن كل واحد منها تفاعل معها بطريقة مختلفة. فالجزر أصبح لينا بعدما كان صلبا، والبيض كان هشا، تحمي قشرته الخارجية الهشة مادته الداخلية السائلة ولكنه أصبح صلبا، ولكن البن المطحون كان مختلفا لأنه رغم بقائه في الماء المغلي إلا أنه استطاع أن يغير طبيعـــــة الماء.
عندها سألت الأم ابنتها فقالت: من أي هذه الأصناف أنت؟ يا بنيتي عندما تدق أبوابك الظروف غير المواتية، فكيف تستجبين لها؟ هل أنت مثل الجزر؟ أم مثل البيض؟ أم مثل البن المطحون؟
إن الناس في هذا العالم على ثلاث أصناف، فمنهم من تعركه الظروف والمصائب والأحداث فيضعف كما ضعفت الجزرة. ومنهم من تصهره الظروف والمصاعب فيقوى ويجمد كما جمدت البيضة، ومنهم من يتكيف مع أولئك الأحداث والمصائب والمحن لتكون عونا له فيستفيد منها ويضفي عليها طباعه وسلوكه وأخلاقه، كما هي القهوة التي تغلي في الماء الساخن فيفوح عبقها.
تقول الحكمة:
إذا كان الأمس ضاع، فبين يديك اليوم، وإذا كان اليوم سوف يجمع أوراقه ويرحل فلديك الغد، لا تحزن على الأمس فهو لن يعود، ولا تأسف على اليوم فهو راحل، واحلم بشمس مضيئة في غد جميل.
يتبع >>>>>>>>>>> مصاب بداء التخمة2