"البَطحُ: البَسْطُ.
وبطحه على وجهه يبطحُه بطحاً أَي أَلقاه على وجهه فانبطح".
والانبطاح هو الاستلقاء أرضا ، ويقال بطحته أي ألقيته أرضا.
وفي بلادنا هناك مدن يستخدم فيها الصبية كلمة "نتباطح" بمعنى نتصارع وأيهما يمكنه أن يلقي الآخر أرضا.
والتباطح قد يكون بين الأقوياء، أو بينهم وبين الضعفاء الذين لا طاقة لهم على مواجهة صولاتهم وعنفوانهم.
والشعوب المبطوحة هي المَلقية أرضا في حلبات التباطح المعاصر، حيث يريد القوي ما يريد، والجماهير الغفيرة تصفق وتنتشي بالبطح الحضاري الرائع، كما أنها تتصف بالتبعية والإذعانية والخنوع لإرادة فردٍ ما، يحركها وكأنها الدمى أو الأرقام الجامدة.
ومن الملاحظ أن الشعوب المنبطحة توفر أسباب انبطاحها من داخلها، وتعمل بقوة انتحارية فائقة لتأكيد دورها في تنمية إرادة الانبطاح الذاتي، والتدمير الشامل لوجودها الاجتماعي والجغرافي والتأريخي. وهناك عوامل متنوعة تتفاعل فيما بينها لصناعة الحالة المضادة المتحركة نحو هدف الانقضاض على الوجود الشعبي والوطني للمجتمع البشري. ويلعب الظلم دورا كبيرا في هذا السلوك، فكل ضياع يكون مولودا من رحم الظلم، فالظالم يوفر طاقات سلبية عنيفة لصيرورات مدمرة وضارة بالحياة العامة.
كما أن غياب العدل واستحضار دواعي السلوك الغريزي المتفاقم في فضاءات النفس الأمارة بالسوء، يؤدي إلى ردود أفعال سيئة تتنامى حتى تتحول إلى بركان انفعالي حارق وهائل الحمم. ويكون على قائمة العوامل والأسباب التسلط والتمسك بالقهر والكرسي الجائر، وإعدام القيمة الإنسانية وتجاهل الحاجات اليومية، واغتصاب الحقوق، وغياب القانون، وفقدان القواعد والأصول الدستورية، وانفراط العقد الاجتماعي الصالح، وعدم وعي المشترك العام، ونسف التأريخ والتصريح بالمظلومية، وغيرها الكثير من العوامل السلبية، التي تؤجج الانفعالات السيئة وتجلب الأفكار الشريرة البغيضة، وهذا يدفع إلى استنزاف الطاقات ودفع القدرات الاجتماعية إلى ما دون خط الصفر بكثير. وينجم عن محصلة التفاعلات، أن ينبطح الشعب أو المجتمع وتدوس على بدنه سنابك خيول الطامعين من المستثمرين في مآسيه.
ذلك أن الشعب قد انشغل في إحراق ذاته وإضعاف قدراته، واستسلم لأمر الآخرين أيا كان نوعهم وتطلعاتهم. وبهذا يكون الشعب المنبطح مسلوب الإرادة والمصير والثروات والقدرات، ويتم تعيين مَن يقوده كما تقاد المخلوقات المعصوبة العيون وتساق إلى حيث يراد لها أن تصل. والأنكى من ذلك أن الآخر لا يسحل أو يسحب المنبطح، وإنما يبتكر وسائل تكلفه قليلا جدا، ولا تستهلك شيئا من طاقاته.
ومن أول هذه الوسائل أن ينشغل المبطوحون ببعضهم، وأن يتباطحوا ويتناطحوا ويستهلكوا ما عندهم من الطاقات، فيتحولون إلى وجود يستدعي من مفترسهم أن يحميهم من بعضهم. وبمعنى آخر تتحول الشعوب المنبطحة إلى قطيع مواشي في حلبة تحيطها الذئاب، وكل ماشية تستنجد بذئب ليحميها من رفسات المواشي المنبطحة المترقبة ليوم الجزر الأكيد.
ولا يُعرف لماذا تستلطف الشعوب المنبطحة ويلات الانبطاح، ولماذا لا تعرف الجلوس أو الوقوف، أما السير والمراوحة أو الركض فذلك لا يخطر على بالها أبدا.
والبعض يرى أن الشعوب المنبطحة تعبر عن نوازع انتحارية جماعية كامنة، وتستحضر أدوات وأساليب إهانتها وتعذيبها وجلدها الشديد بكل أدوات وهراوات الضرب، التي ابتكرها البشر للنيل من البشر.
واقرأ أيضاً:
العرب ضد العرب!! / الزمن والكرسي!! / هيبات وخيبات!! / نمطية التفكير الخائبة!! / أين العقل يا أمة يعقلون؟!! / الانحشارية!! / مواطنتنا مستقبلنا!! / مَن يتبع يقبع!!