الشعب الجزائري يعلمنا درسا قد غفلناه منذ تأسيس دولنا خلاصته، أن مجتمعاتنا محكومة بكراسي فاقدة الصلاحية الدستورية والقانونية والسياسية والنفسية والفكرية والعقلية، أي أنها تضم أرهاطا (الجماعة من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة) من المعوقين نفسيا وسلوكيا، مما تسبب بتحقيق أفظع التداعيات والامتهانات للوجود الإنساني في دول المنطقة.
ومَن يدرس سلوك الكراسي منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم سيتضح له مدى عَوَقها وفقدان صلاحياتها للعمل، وهذا يفسر ما أصاب الدول التي استحوذت على مصائر أهلها، وحولتها إلى موجودات لا تصلح لمكانها وزمانها.
نعم الشعب الجزائري يوقظنا من غفلتنا المروعة ويؤكد لنا وجوب رفض القبول بالكراسي الفاقدة للصلاحية، لأنها تتحول إلى دمى ووسائل للطامعين بتدمير البلاد والعباد، وتصبح أسلوبا لانفلات النفوس الأمّارة بالسوء والفحشاء، عند الذين يستثمرون فيها ويستخدمونها لتمرير عاهاتهم السلوكية.
فالشعب الجزائري يواجه رئيسا فقد الكثير من قدراته لكنه يجلس على كرسي الرئاسة، والذين حوله يديرون أمور البلاد ويسيّرونها وفقا لمقتضيات منافعهم ونوازعهم، وقد تحمل الجزائريون الأمر لسنوات، لكنهم أدركوا أن لا بد من النهوض بوجه هذا الانحراف والامتهان السياسي والأخلاقي للشعب، الذي يستحق مَن يعبر عن قيمته ودوره الوطني الأصيل.
وهذه الحالة ليست فريدة وقد تحصل في الشعوب الأخرى، لكنها تُعالج بمواد دستورية واضحة، وهناك هيئات حكم لديها إجراءات فاعلة في تسيير أمور الدولة والحفاظ على أمن البلاد، وفي كل منها هناك نائب للرئيس ومؤسسات ذات فاعلية في الحكم.
أما في مجتمعاتنا فيتفرد الكرسي ولا يعرف التوصيف المؤسساتي، يكاد يكون نظام عصابات ومافيات بمسمياتها المتنوعة، بل في أكثرها عبارة عن حالة متصلة بقوة خارجية، وتعمل على تمرير ما تريده منها لتأكيد مصالحها وبرامجها ولأطماعها.
ولو استيقظنا ونظرنا إلى أنظمة الحكم التي أوجعت أوطانها ومجتمعاتها، لتبين لنا بأنها فاقدة لصلاحية الحكم من أعلاها إلى أسفلها، برئاساتها ومجالسها، وتتمتع بأمية شاملة، وتجيد التعبير عن عاهات نفسية وسلوكية وانحرافات فكرية، وتترجم ضلالات ومنطلقات بهتانية سوداء، تساهم في استعباد الناس ودفعهم إلى جهنم الدنيا وبئس مصيرها.
فهل سنتعلم من الشعب الجزائري، ونتخلص من الفاقدين للصلاحية، لكي نتمتع بالحرية والأمن والاستقرار، ونستثمر بطاقاتنا وثرواتنا وقدراتنا الإبداعية؟!!
واقرأ أيضاً:
اليأساوية والمأساوية!! / الدين والنفس الأمّارة بالسوء!! / ما أرخص أرواح الناس!! / شرور الاختراعات!! / الصافع والمَصفوع وأمة الدموع!! / النفس أقوى من العقل!!