الأخوة التونسيون لا يقبلون الكلام ولو بكلمة إيجابية واحدة عن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ويحسبونه كما يرونه وعاشوا أيامه، و"أهل مكة أدرى بشعابها"، ولا أكتب عنه مديحا وتمجيدا، وإنما أقارن حالته بأحوال الحكام العرب الذين ذاقوا مصيرا مهينا من بعده.
فالرجل ربما استيقظ (أو جاءه الأمر، أو الجيش أجبره على المغادرة)، فركب الطائرة وتاه في الفضاء يبحث عن مهبط ومأوى، وترك الأوضاع على حالها للشعب الذي ثار عليه، أن يقرر مصيره.
وربما حصل ما حصل قبل ذلك لكنه أدرك أن لا فائدة من التحدي والمكابرة والعناد، وفعلها بهدوء وصمت وسرية باغتت الجميع.
الرجل قال "فهمت"، وربما كان يعني أنه قد أدرك أن الحكم للشعب، وأن مرحلة الأنظمة الاستبدادية قد ولت، وما عادت لها حاجة لأنها أدت ما عليها، فأوصلت الأحوال العربية إلى ما هي عليه الآن من ضعف وهوان وانهيارات وتبعيات واستسلامات مذلة.
قال ذلك في بداية 2011 وبعده ما فهم الحكام العرب الرسالة، فأصاب البلدان ما أصابها، في مصر وسوريا وليبيا واليمن والجزائر والسودان وباقي الدول العربية، ولا يزال الكثير من حكام المرحلة الاستبدادية لا يفهمون، وينتهون إلى سوء المصير.
انظروا ما جرى للرئيس الجزائري والرئيس السوداني، وهم يؤكدون بأنهم لا يفهمون، لكن الرئيس التونسي أعلنها بوضوح بأنه قد فهم الدرس واتخذ القرار، أو علموه كيف يتخذ القرار، أو أفهموه، قل ما شئت، لكن السلوك الذي قام به برغم ما له وعليه، هو أرقى من سلوك جميع الحكام الذين أصابهم ما لا يخطر على بالهم من الخسران.
ولا يزال الحكام العرب لا يفهمون، ويبدو أنهم يسعون لمسيرات الانتحار اللذائذي، وكأنهم في هذياناتهم يعمهون!!
فهل سيفهمون؟!!
أم أنهم يتوهمون؟!!
واقرأ أيضاً:
الكراسي والثورات!! / الأمة متفائلة وأنتم اليائسون؟!! / مجتمعات لماذا وكيف!! / المعرفة بين الإنتاج والاستيراد!! / مرايا مسيرتنا خلفية وجانبية!!