الحجاج بن يوسف الثقفي شخصية مُحيّرة يصعب التعرف الصائب على معالمها وما يعتمل فيها لأسباب كثيرة أهمها: الكتابات التي تواردت عنه، فهي ذات اتجاهين مُتناقضين تماماً، وهذا التناقض الكبير ربما يعكس شخصيته. فهو المتديّن المتعبّد الحافظ للقرآن والمُحبّ الشديد له، والخطيب المفوّه البليغ العبارة والتأثير.
وهو القاتل الذي لا يرحم، وعنده قطع الرؤوس أسهل من قطف الزهور، ويروى أنه في العراق فقط قتل مئة وعشرين ألفاً، وكثيراً ما كان يقتل بيده فيهوي على الضحية بسيفه وكأنه يتلذذ بمنظر سفك الدماء وإزهاق الأرواح. فأول مَن قتل في العراق "عمير بن ضابئ" وقبل آخرهم "سعيد بن جبير".
والروايات عن سفكه للدماء وقتله المتواصل لا تعد ولا تحصى، ومن الجانب الآخر فهو الذي قضى على الفتن وأرسى دعائم الدولة الأموية في زمن عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، وانطلق بالفتوحات في الهند والسند والصين ونقط القرآن وجزّأه واهتم بقراءته وقرّائه.
وقتل الكثير مما يراه البعض جيداً والكثير الكثير مما يراه البعض سيئاً. والدارس لشخصيته يحتار بأمره ويصعب عليه الوصول إلى استنتاج يرضى عليه الأكثرية. فالعديدون يقتربون منه بانفعالية عالية ولا يستطيعون التفاعل معه بالعقل والموضوعية والحياد. ذلك أن السيء الشائع عنه قد طغى على مسيرته، ولا يمكن القول بغير أنه كان يُوظّف ما يستطيعه من الطاقات والقدرات لسفك الدماء، وعلى يديه تم قتل عشرات الآلاف من المسلمين وغيرهم.
وعلى مدى أكثر من ألف سنة لا يزال ذكره يثير المشاعر ويرمز للقسوة والجور والعدوان على الإنسان. لكنه قائد عنيف يتميز بالقوة والفتك بالخصم وبقسوة غير معهودة ليجعل منه مثلاً وعبرة. وأول خطبة له في الكوفة معروفة، وما أورده فيها من الشدة والوعيد، وابتدأ خطواته بقتل شخص من الكوفة فاتحاً به مسيرته الدامية.
والحجاج بنى مدينة واسط، وسك الدراهم، وحاول تنظيم الولاية وفقاً لما يراه صالحاً ونافعاً لخليفته الذي يتمسك به ويخدمه بوفاء مطلق. فهو قائد مخلص لخليفته، وكانت علاقته بعبدالملك بن مروان وابنه الوليد فائقة الطاعة حتى أمعن في سلوكه المتطرف من أجلهما. فالذي لا يطيعهما يقطع رأسه فوراً! ولا يُعرف ما هي الدوافع التي جعلته يترجم قسوة سلوكية فائقة وهو المستوعب لآي القرآن والمُلمّ بالعربية، وفي خطبه فكر عميق وحجج قوية، فهو الحجاج الذي يُحاجج ويُفحِم، وهو الذي يقول الشعر.
فهل هي إرادة السلطة والسيادة التي أوجبت عليه الإمعان بسفك الدماء؟
أم هي عاهة سلوكية كامنة فيه؟
لابد من قراءة موضوعية محايدة تغربل ما ورد عنه من روايات ومدونات في كتب التاريخ.
وسأحاول في مقالات قادمة أن أسبر أغواره بحذر.
واقرأ أيضاً:
التفاؤل الخجول!! / مجلس الأمن وأمة المحن!! / الدول المتقدمة والموت!!