دَلَس الوعاء: ما تجمع فيه الشيء.
المخلوقات الأرضية لكي تحافظ على بقائها عليها أن تكون في أوعية تعرفها وتتفاعل فيها لديمومة وجودها, والأوعية المقصودة هي المساحات المحدودة التي تتوطنها المخلوقات, وبالنسبة للبشر هناك أوعية القرى والمدن والأوطان التي فيها يتمكن من التعبير الأمثل عن طاقاته وقدراته ويحافظ على أجياله. فلكل مخلوق مهما كان نوعه وعاء يتحقق فيه!!
والأرض عبارة عن أوعية متنوعة تسمى أوطاناً أو دولاً, وفي كلِ منها بشر بما فيه وعليه من العادات والتقاليد والمعتقدات واللغات وحتى الأطعمة والسلوكيات اليومية التي تعوّد عليها.
وما تواجهه البشرية أنها أصبحت أمام حالة غير مسبوقة تتلخص بتحطم الأوعية, واندفاع الخلق نحو وعاء الكرة الأرضية الذي يُسمى العولمة التي انطلقت بسرعة فائقة فامتزج البشر ببعضه بآليات فورية وآنية لا قِبل له على مواكبتها واستيعابها والتفاعل النافع معها. وهذا التفاعل المتسارع أصابه بمخاوف وقلق واضطرابات سلوكية متنوعة تسببت بتداعيات كبيرة وخطيرة, ويأتي في مقدمتها ضعف قدراته على مواجهة الأوبئة والأمراض المعدية التي كانت تنحصر في أوعيتها, أما اليوم فإنها صارت متمكنة من كافة البشر, وهذا ما عبّر عنه فايروس كورونا الذي أصاب الدنيا بأسرها في اللحظة التي تم التعرف عليه وتقدير مخاطره.
أي أن العولمة لها أضرارها الفادحة المناهضة للوجود البشري السليم, وفيها مؤهلات للقضاء على البشر بسبب الأوبئة والأمراض الأخرى التي كانت تموت في أوعيتها الصغيرة. ويبدو أن علينا أن نستوعب لماذا البشرية عاشت في أوطان ومدن وبلدان وكانت تسوّرها وتحميها من الآخرين الذين قد يحملون معهم مخاطر الأوبئة القاتلة الفتاكة, ويجب أن تتعاون البشرية لتعزيز سيادة الأوعية على نفسها وما فيها لكي يعيش الناس في جميع الأوعية بسلام واطمئنان, وعدم الخوف من المخاطر الغير منظورة.
فما هو قائم في الأرض ناجم عن تجارب قاسية مرّت بها الأجيال وتعلمت منها, وها نحن ننكر ما تعلموه وكأننا نريد أن نبدأ من جديد بذات المسارات المرعبة التي عاشتها الأجيال على مر العصور. فما نعيشه اليوم من مواجهة صعبة مع وباء الكورونا يُعلِّمنا بأنه لا بد لنا أن نعيد للأوعية الأرضية قيمتها ودورها للحفاظ على الحياة وبناء الحاضر الآمن والمستقبل السليم.
فهل لنا أن نعود إلى أوعية وجودنا لكي نبقى؟!!
واقرأ أيضاً:
الحجاج وما أهاج!! / عالم بلا قيود!! / التقديس والتدليس!!