الطاغي في واقعنا العام هو سلوك الَّتشكِّي والتظلُّم وعلى كافة المستويات، ويتأكد بوضوح متكرر في الإبداع وخصوصًا الشعر، فلن تَجِد غير البُكائِيَّات والرَّثَائِيَّات الذاتية والموضوعية والنُّواح على الوجود العربي في كل مكان.
وهو اقتراب سلبي تدميري تمكَّن من وعي الناس، وهَيمَن على قدراتهم التعبيرية والتفاعلية مع التحديات مما جعلهم لا يجيدون سوى الندب الذي تطور فتحوَّل إلى مسيرات دموع وسفك دماء وجلد مروع للذات... ويبدو كظاهرة فاعلة في حياة الأمة، ومُوَجَّهة لخطواتها المُتَمَيِّزَة بالاندحارية والانكسارية والقنوط واستلطاف الوجيع والأنين والداء المهين.
ومن الصعب أن تجد مَن يتحرر من قيود الاستنقاع في الذُّل والهوان، ولا يستطيب التفاعل الدامع مع المواقف والأحداث، فالسائد أن ما يحصل يتحقق استثماره بآليات رثائية مُوجِعة، فالشعر _مثلًا_ لم يخرج عن أغراضه المُتعَارَف عليها، وبَقِيَ يُراوِح في موضوعاته ويتوهَّم بأنه يجدد ويأتي بما هو معاصر ومفيد.
فكأنه لكي نتقبّل الإبداع عليه أن يكون باكيًا ومكتوبًا بمداد الويلات والجراح والعِلَل المُتَعَاضِلَة في أعماق وجودنا المقهور بنا... وهذه تُمَيِّزُنا عن باقي الأمم التي لا تركن إلى الإذعانية والخنوع، بل تتحدى وتتمسك بجوهرها وبثقتها بقدراتها على تجاوز محنها وصناعة كينونتها اللائقة بها.
ويساهم في تنمية هذا النهج التأبيني العديد من الكُتَّاب والمثقفين والمفكرين الذين أصبحوا من أدواته الفتاكة القاضية بموت الروح الوطنية وإرادة الحياة الحرة الكريمة.
ولا بُدَّ من الانتباه للوَرطَة الحضارية التي وقعنا فيها، ونشد العزم ونؤمن بأننا سنتجاوزها ونكون... فاكتبوا بمداد الإصرار والأمل والإيمان بأن مستقبل الأجيال أفضل.
واقرأ أيضاً:
الكلمة الميتة!! / الفردي والجماعي / التهجير والتدمير