التحصين: الحماية والمناعة.
ومفهوم التحصين معروف منذ الأزل، فالمدن كانت تُحَصَّن بالأسوار والخنادق والقلاع وغيرها إلى قرون قريبة، وسور الصين العظيم لايزال شاهدًا على ذلك... وتطوَّرت فكرة التحصين، وصارت البشرية لها قدرات وآليات لتحصين نفسها من الأعداء.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين تعلَّمت البشرية كيف تُحَصِّن نفسهَا من الأوبئة والأمراض السَّارية والمُعدِيَة، فابتكرت اللِّقَاحات التي تُعَزِّز المناعة الذاتية، واتَّخذ التحصين مفاهيم ومعاني جديدة مُتوَافِقة مع ما وصلت إلية الدنيا من تطور وتقدم في مناحي الحياة.
وفي القرن الحادي والعشرين صار التحصين العقلي والنفسي من متطلبات القوة الأساسية، فالمجتمعات تتحصن نفسيًّا وفكريًّا، وتَتَوَقَّى من الأفكار السامة والسيئة التي تُزَعزِع وجودها العزيز، وتهدف لتمزيق مجتمعاتها وتدمير كيانها.
فأصبحت الدينا ذات قدرات فتاكة لإلحاق الهزيمة الذاتية بالآخر بتسريب المعلومات التخريبية الهدَّامة القادرة على النيل من الهدف وتحويله إلى قوة مُناهِضَة لوجوده بتفعيل عوامل التدمير الذاتي، وتحطيم الكيان والبنيان النفسي والروحي والفكري.
وبتطور وسائل التواصل والتفاعل ما بين البشر تكثَّف التركيز على القوة الناعمة التي يمكنها أن تحقق ما لا تحققه القوة العسكرية من خسائر في الأهداف المطلوبة.... وتلعب وسائل الإعلام دورها الخطير في زعزعة المناعة الوطنية لدى الشعوب المستهدفة، وتتعاون على تدميرها خبرات نفسية وسلوكية واستخبارية مُعقَّدة ومُرَكَّزة تقوم بِبَثِّ ما تراه مناسبًا للنيل من الهدف.
والعديد من المجتمعات أصبحت ضحايا للهجمات الفكرية والنفسية، وتحوَّلت إلى موجودات منهزمة منكسرة مُعبَّأَة بالمشاعر السلبية ضد ذاتها وموضوعها.
فهل من قدرة على التَّحصُّن ضد فايروسات ومايكروبات الأفكار الفتَّاكة؟!
واقرأ أيضاً:
سقوط الإمبراطوريات / اصنع أملًا / الاستدراجية