بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم القائم، نَتَعجَّب من اصطفاف الشعب الكوري الشمالي حول قيادته، وروعة الانتظام في السلوك، والدِّقة المتناهية في تقديم العروض العسكرية المُبهِرَة، والقدرة الابتكارية والتَّصنِيعِيَّة، والتفوق في المجالات المتعددة التي تضاهي قدرات الدول الأقوى في الدنيا.
والسبب الفاعل والكامن وراء هذا الإنجاز المُتَحِّدي الفائق الاقتدار هو التربية الوطنية الصارمة التي تعوَّد عليها الشعب الكوري الشمالي عبر الأجيال.... نعم إنها التربية الوطنية، فهل عندنا قيادات وطنية تُجِيدُ مهارات التربية الوطنية؟!
لو تأمَّلنا واقعنا على مدى القرن العشرين وحتى اليوم لتبيَّن أن التربية الوطنية غائبة إلا في بعض الدول العربية، وأخص منها بالذكر تونس التي اجتهد مؤسسها الحبيب بورقيبه بالاهتمام بالتربية الوطنية، وصناعة الشعب المثقف الواعي المُدرك لحقوقه وواجباته.
فمجتمعاتنا لم تَقُزُّ بقيادات وطنية بالمعنى الحقيقي للوطنية، وإنما أنظمة حكمها عبارة عن كراسي يجلس عليها المُرعِبون من الشعب، وينشغلون بالدفاع عن وجودهم في الكرسي، ومحاربة الشعب والشك في نواياه وتطلعاته وأهدافه، ولهذا تجدهم عدوانيين ظالمين، ويعدمون ما يستطيعونه من المواطنين ويعذبونهم ويُغَيِّبونهم ويُودِعُونَهم في معتقلات سرية مرعبة.
أي أنَّ القيادات التي توالت على حكم معظم دولنا قد تجاهلت التربية الوطنية، وركَّزت على احتكارها للحكم وتلميع صورة قائد النظام الذي عليه أن يُمَثِّل كل شيء، فيغيب الوطن وتنتفي قيمته، وتَتَسيَّد الصورة والبالون الذي يتم نفخه حتى يحين يوم إنفجاره المحتوم... فلماذا نتعجَّب من كوريا الشمالية، ونتناسى التربية الوطنية الصارمة الراسخة المُتوَارَثة فيها؟
ولنتساءل أين مبادئ ومناهج التربية الوطنية في دولنا؟ وما هي معانيها وممارساتها؟
الأنظمة الحاكمة (والتي حكمت) علَّمت الأجيال أن الوطنية حمل سلاح وسفك دماء وحسب، وما استطاع نظام حكم تجاوز هذا المفهوم الجامد، وأن يبيّن للأجيال الممارسات الوطنية التي تزيدهم قوة وعزة وكرامة كما تفعله القيادة الكورية الشمالية، ولهذا تصنع شعبَا حديديًّا لا يخاف أقوى قِوَىً مهما تمادت بتهديداتها له.
إن الوطنية خُلُق وإيمان وممارسات إيجابية مُعتَصِمَة بحبل الوطن المتين... فأين مبادئ التربية الوطنية في مجتمعاتنا المقهورة بالكراسي وأتباعها؟!
واقرأ أيضاً:
اصنع أملًا / الاستدراجية / التحصين والتمكين