واقع الكرسي منذ تأسيس دُوَلِنَا يتميز بالدم، فانطلقت مسيراته لتأمين الحكم، وتواصلت إلى الوقت الحاضر... فالتغيير مّقرُونٌ بالدم، فالأُمَوِيُّون أخذوها بالدم، والعباسيون كذلك، وكل حاكم أو خليفة في الدَّولتين كان يأخذها بالدم، وتواصلت علاقة الدم بالتغيير في زمن الدولة العثمانية، وبعد سقوطها استمر العرب بدولهم ينتهجون التغيير بالدم، والمثل الواضح في العراق وسوريا واليمن والدول الأخرى.
إنه الدم الذي نجيد سفكه... دم الأخ العربي المسلم، فنحن نقتل من بعضنا ما لم يقتله أحدٌ منَّا... العباسيون قتلوا من الأمويين العرب المسلمين مئات الألاف، وأبادوهم إبادة جماعية مروعة... وفي مسيرة دولنا أعدم الحُكَّام من مواطني دولهم عشرات الآلاف لأنهم يعارضونهم أو لا يتفقون معهم... أضف إلى ذلك الاغتيالات وغيرها من أساليب القتل التي أبدعوا فيها.
ومنذ انطلاق الدولة ونُشُوء السلطة والحكم قُتِل من العرب والمسلمين الآلاف تِلَو الآلاف باسم الدين، وبِمُوجَب فتاوى شياطين الكراسي الغانمين... فعلاقة الكرسي بالدم موروثة ومُتَأَصِّلَة في أعماق الخلايا ومُتَرَسِّخة في الوعي الجمعي، ومن الصعب تَصَوُّر تَغيير بلا دم، فأيِّ تحدِّي للكرسي يُصَاحِبه قتل مُرَوِّع واغتيالات واعتقالات وتعذيب مُتوَحِّش، ولهذا لن تُفلِحَ أي تظاهرات، ولن تُنجِز أهدافها لأنها ستواجَه بقوة مَسعُورة فَتَّاكة، فالقتل دَيدَن الكراسي لكي تبقى في السلطة.
ومَن يتصَوَّر أن الديمقراطية سَتَستَتَب في دُوَلِنا فهو على وهم، فهي وسيلة لتأكيد الفردية والفئوية والتدمير المُنفَلِت للدولة، وهيمنة العصابات على مُقَدَّرات المواطنين... فديمقراطياتنا دَمَوَيِّة وذات فتاوى مُلزِمَة وفوق القانون والدستور، وفيها للتَّبَعية سلطان، وللخيانة مكان وأمان... فسفكك الدماء ديننا ومذهبنا وشريعتنا التي بها يتحقق الظلم والانتقام والفساد والغنيمة وامتهان الأنام... فالكراسي بخير مادام الشعب مُستَضَام، والرعب من الحُكّام إمام!.
فهل من قدرة على بناء نظام حكم راسخ رشيد؟!
واقرأ أيضاً:
الاستدراجية / التحصين والتمكين / التربية الوطنية الصارمة