أنظمتنا تُعانِي مَأزِقًا الافتراق والتناقر ما بين الفكرة والفكرة، فنظام الحكم يعيش في خيمة الكرسي وخندق الحزب، ويمضي في حفر حفرة انقراضه لانعدام تواصله مع متطلبات الحياة الجارية في نهر الوجود الدفاق، ومعظمها يغفل أن الناس تعيش في بحر الدنيا ومحيطاتها وأنهارها المُتَسارِعة نحو خِلجَان الصَّيرُورات الجديدة.
فالناس اليوم تتعلم وتتدرب في مدرسة الدنيا وأَروِقَة صفوف العَولَمَة والثقافة البشرية المشتركة، فالكرة الأرضية بأحداثها ونشاطاتها الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية عبارة عن جهاز صغير بحجم كف اليد ومحمولة في جيوب البشر.
فالناس وإن لم تتعلم في المدارس فإنها ذات مَدَارك ورُؤى وتَصوُّرات عالمية ودنيوية شاملة ومأسورة ومُؤَدلَجَة وفقًا لمعطيات التفاعلات القائمة على شبكات الإنترنيت، ومعظمهم أعضاء في إمبراطوريات التواصل الاجتماعي كإمبراطورية الفيس بوك وأخواتها.
فالناس ما عادت تأبه لأصوات الكراسي ونعيق أصحابها لأنها مُنشَغِلة في عالم آخر بعيد عن منطوقها وفحوى إرادتها.
ومعظم كراسي المنطقة تشترك بأنها لا تتوافق مع إرادات وتَطَلُّعات الناس، ولكي ينتصر أصحابها على الناس أخذوا يُوَظِّفون الدين والطائفية وغيرها لتحقيق مآربهم السُّلطَوِيَّة ورغباتهم الكرسوية... فما يجري مصالح فردية وفئوية مُعَضَّدة بمصالح إقليمية ودولية تسعى لامتلاك الآخرين والحَيلُولة دون تفاعلهم الإيجابي مع الحياة ليتحقق الاستعباد والاسترقاق المُعَاصِر الذي تعاني منه المنطقة... فالجالس على كرسي المآسي والويلات والتداعيات سيِّد مُؤَزَّر ومَسنُود من قِبَل أصحاب المصالح الكبرى، والناس يجب أن يكونوا عبيدًا حول قوائم كرسي الفساد والجور والامتهان اللذيذ.
ووفقًا لما يجري في الدنيا فإن هذه الآليات ستنقلب وبالًا على أصحابها، لأن الدنيا تَمَازَجت وصارت لُغَتُها الحضارية واحدة، ومفاهيمها مشتركة وصريحة، فالحرية عقيدتها ودينها، والديقراطية منهجها، ولا يمكن لأية قوة أن تصادر هذه القيم العالمية الجديدة مهما توهمت.
وما يجري في المنطقة بأسرها عبارة عن فُقَّاعة ومُنَازَعَة ما بين الوجود الإنساني السعيد الرحيب والوجود الانقراضي السوداوي المبيد... ووفقًا لمُعطَيَات التاريخ ومنطق الأكوان، فالغثيث سينتهي، والجديد سيتواصل، والإنسان وُلِدَ حُرًّا، وخُلِقَ حُرًّا، ولا يمكن لأَيَّةِ قوة في الوجود أن تَسرِق حقَّه الإنساني الطبيعي، فقدرات وقوى الأكوان تُسَانِدُه وتتفاعل معه بإيجابية عالية.
فهل من صحوة ووعي وتواصل إدراكي مع واقع الحياة وأنوار المستقبل والحاضر المُتَوَهِّج بالأفكار؟!
واقرأ أيضاً:
السهللة / الجدل العقيم عَمَلُنا! / أقلامٌ يائسة ورؤوس بائسة