من طرائف الحُكَّام في بلداننا أنهم يتحدثون عن تحديد النسل، ويُعِيدون ذات الكلمات والاقترابات، وما فكَّروا بتغيير المنهج والعمل للتصدي للمشكلة التي تتفاقم مع الأيام، والموارد تقل، والقدرة على استيعاب القادمين تضعف وتتهاوى.
فعلى سبيل المثال، لو تَتَبَّعْتم خطابات رؤساء مصر منذ خمسينيات القرن العشرين لرأيتم أنهم تكلَّموا بذات الأسلوب، وما حلوا مشكلة زيادة النسل، ورُبَّما الرئيس الحالي اقترب منها بأساليب ذات قيمة علاجية.
والأغرب أن الكُتَّاب والمُفَكِّرين يُبَرِّرون المشكلة بالإرث الثقافي والديني الذي يمنع تحديد النسل، فيتَنَصَّلون عن المواجهة وابتكار الحلول المعاصرة... ويتناسى الجميع أن السلوك البشري مرهون بآليات بقائِيَّة يمكن الانتصار عليها بتوفير ما يُؤَمِّنُها، وبفقدان الأمان البقائي فإن المواجهة تكون بزيادة النسل مثلما يحصل في عالم الأسماك التي تأكل بعضها، ولِتَدُوم وتحافظ على نوعها لا بُدَّ من التناسل المليوني.
وفي مجتمعاتنا الحياة غير آمنة فَنَاعُورُ القتل يدور وبِسُرَع متفاوتة، والفتك بالبشر ومحْق قيمته ودوره في الحياة على أَشُدِّه، ونطالب الناس بتحديد النسل مِمَّا يتنافى مع الطبيعة البقائية، ويدفع بهم إلى التناسل الأسرع والتكاثر الأبرع.
إن تحديد النسل يستدعي توظيف الطاقات الاقتصادية والفكرية والثقافية والعلمية لتأمين أسباب البقاء والعيش الرَّغِيد للناس، وعندها سيَنْهَمِكون بصناعة الحياة والشعور بالمسؤولية وضرورات تواصل الأجيال وتطورها ونمائها، وسيدرك البشرأن عليه أن يربي ويبني جيلًا مُتَفَوِّقًا لتتقدم البلاد وترتقي، وهذا يعني أن يَقَظَة الأمل قد دَبَّت في ربوع وعيه، مِمَّا يدفعه للعطاء الأوفر والاستثمار بطاقاته البقائية بإنتاجية عالية، بدلًا من التناسل.
وهذا واضح في المجتمعات المتقدمة، ومنها اليابان التي تعاني من محدودية النسل، وكذلك الدول الأوربية، مِمَّا يدفعها لاتِّخاذ الهجرة وسيلة أسهل للحفاظ على قوتها العاملة وإنتاجيتها عالية... أما في مجتمعاتنا فأنظمة الحكم تفتقد الآليات الصَّائبة للتصدي للزيادة السكانية، وعاجزة عن توفير ميادين صناعة الحياة والاستثمار بالطاقات البشرية، وما تُقَدِّمُه هو التَّشَكِّي وإلقاء اللَّائمة على الإنسان البسيط المحروم الذي لا شيئ عنده يُشْعِرُه بالسعادة إلَّا التناسل.
فلكي يتحدَّد النسل يجب أن يشعر المواطن بأن الحياة آمنة ومستقرة وتتوفر فيها أسباب العيش الكريم الذي يدعوه للمساهمة بدَيْمُومته وتنميته وبذل جهده وطاقاته في المشاركة بصناعته وتقويته، وعندها سيَحْسِب ألف حساب قبل أن يفكر بالإنجاب.
فحرِّرُوا الإنسان من قيود الحرمان، وسيعرف طريقه الصحيح.
واقرأ أيضاً:
فقه الغنيمة والكرسي / أنياب الديمقراطية! / الاستبداد طبعنا