تقول الأخبار أنَّ الحكومة الفُلانِيَّة قد وَضَعَت السَّنَة الماضية في ظهر المرآة، وأخذت تنظر إلى سُلُوكِها بمرآة العام الجديد، فتحَيَّرْت من الخَبَر لأننا نُلَطِّخُ مرآة وجودنا بالآثام، ولا نمتلك طاقات نفسية وروحية وسلوكية لوضعها في ظهر المرآة، ونبقى نُحَدِّق فيها جيلًا بعد جيل، ونبني عليها ونُطَوِّرُها ونجعلها رافِدًا لخَيَالِنَا المُمْعِن بالتَّحْلِيق برموزها إلى فضاءات لابَشَرِيَّة، فنصنع من أنفسنا عبيدًا لأوْهَامِنَا المُتَعَاظِمَة.
والأمثلة مُتكَرِّرَة في مسيرتنا الطويلة، ويَصْعُب مُبَارَحة النَمَطِيَّة السلوكية الجَاثِمَة على صدورنا والمُعَطِّلَة لتفكيرنا والحَاجِبَة لرؤيتنا المُتَنَاغِمَة مع زمنها، فعندما نَنْبِشُ التاريخ ونأتي بأَسْلَابه ونَتَمَرَّغ بها ونُعَظِّمُها ونُحَوِّل أصحابها إلى مخلوقات إلهية وكأنهم لم يُدْفَنُوا في التراب، ولم تتَحَوَّل عظامهم إلى رَمِيم، بل أحياءٌ فاعِلُون في حاضرنا ومستقبلنا ويُقَرِّرُون مَصِيرَنا، ويتَسَبَّبُون بصناعة مشاكلنا ونَكَائِبِنا.
وما يجري في واقعنا نسخة مُشَوَّهَة لحالات مُنْقَرِضَة مُتَصَوَّرَة على أنها يجب أن تكون كذلك، وإلَّا فعلى الحياة أن تَنْتَفِي، والجحيم يَتَأَجَّج... وبهذا السلوك السلبي التراكمي تَكْمُن نظرتنا المُشَوَّهة لِمَا يَمُتُّ بصلة لوجودنا وهويتنا الإنسانية وقيمتنا الحضارية والتاريخية... فكأننا مجتمعات المَرَايا المَشْرُوخَة التي تمنعنا من رؤية مَلَامِحِنا بوضوح وصدق وشفافية، وتكوّن تصرفاتنا وتفاعلاتنا اليومية المُؤَجَّجَة بِوَقُود أصحاب المصالح والغايات المتنوعة مما يؤدي إلى تَدَاعِيَات خطيرة وَوَيْلَات مَرِيرَة.
فهل لدينا القدرة للنَّظر بعيون العصر بأحوالنا، ونُحَدِّقَ بالمرآة لنقرأ ما يظهر علينا من علامات الذبول والذهول والانهيار والخمول؟
ربما ستتمَكَّن الأجيال المُتَفَاعِلَة مع مُعْطَيَات العَوْلَمَة الفَيَّاضة التي أَغْرَقَت الوجود الأرضي وحوَّلّتْهُ إلى كَيْنُونة مُصَغَّرة على شاشة بحجم كَفِّ اليد... قد يكون ذلك، وعندها ستكون لنا مرايا تَعْكِسُ حقيقتنا فنواجهها لوحدنا.
وتلك مأساة مرآة نفوسنا المُعَفَّرَة بالآثام والخطايا والظنون.
واقرأ أيضاً:
القوة دستور وقانون / التوالد والتخامد والعقل الواعد / يا أمّة عَجِبَتْ من سلوكها الأمم!!