هناك الكراسي أَلَذُّ من الشَّهْدِ، وفيها السَّمُّ الزَّعَّاف!.. الكراسي لذيذة، والقاعِدُون فيها كالبالونات التي يتم نفخها والتَّحْلِيق بها عاليًا، ثم تفجيرها ومَحْقِها عن بَكْرَةِ أبيها.
ولا يجلس على الكراسي في بعض المجتمعات إلا البالونات ذات الألوان المتنوعة والقدرات المتباينة على الانتفاخ والانفجار المتناسب طرديًّا مع حجمها... بالونات تَعْصِفُ بالوجود المجتمعي، وتراها وقد انفجرت فجأة وغابت لِتَحُلَّ مَحَلَّها بالونات أخرى تنتفخ حتى يَحِينُ وقت انفجارها، وهكذا دواليك.
وبين لعبة البالونات والكراسي يعاني الناس، وتُنْتَهَك حُرُمَاتُهُم وسِيَادَات أوطانهم، وتُسْلَبُ حقوقهم، وتُنْهَبُ ثرواتهم، ويَمْضُون في فقر مُدْقِعٍ وقهر أفظع... والبالونات تزداد انتفاخًا وتتمادى بِتَحْلِيقِها بعيدًا عن الناس حتى تتهاوى وقد صارت هباءً منثورًا... واللعبة تتكرَّ،ر ولها أَشْوَاطُها المعلومة المُدَّة، ونهايتها المرسومة، والفريق المُؤَهَّل للنزول إلى الساحة من جديد لِيُزَاوِل ذات اللعبة العدوانية المَقِيتَة التَّوَجُّهَات.
ومن كثرة البالونات المنتفخة تسأم الكراسي وتَسْتَشِيط، ويَتَنَامَى غضبها، ويَتَعَاظُم حَنَقُها، فتَجِدُها قد الْتَهَبَت وفَجَّرَت بالوناتها وتحَوَّلت إلى رُكَام... ولكل كرسي مُراد ومُريد، ولا بد للمُريد أن يكون طَوْعَ المُراد لكي تتمَكَّن مُؤَخِّرَتُه من مُلَامَسِة بَدَنِ الكرسي الذي يبدو كالمُومِس العَمْياء يُواقِعُها الطَّارِئُون والعابرون والتَّابِعُون، ولا تعرف صُوَرَهُم ولا تدري إلَّا أنها مفعولٌ بها، ولكثرتهم أُصِيبَت بأمراض مُعْدِيَة فأصابتهم بها انتقامًا منهم ومن نَوَازِعِهِم الحيوانِيَّة المَطْلُوقَة العَنَان.
فإلى متى تبقى البالونات تُوَاقِع الكراسي؟ وإلى متى يبقى الشعب مُنْشَغِلًا ببالونات الوَيْلَات والتَّدَاعِيَات والفساد؟ ولماذا لا يُفَجِّر البالونات ويُحَطِّم الكراسي ويَسْتَرِيح؟ إنها مِحْنَةُ لَذَّةٍ وموت، فإلى أين المَسِير؟!
واقرأ أيضاً:
استثمار القمر واستحضار الخَطَر!! / مختصر المصير العربي / الأوطان مِلْكُ أهلها