عاشت أجيال الأمة أكثر من قرن من التَّضْليل والإمعان بالقول بأن تراث الأمة هو ذلك الصِّراع الدَّامِي المُتَوَاصِل حول الكراسي، والذي تم الاستثمار فيه وإلصاق الدين به حتى أَوْهَمُوا الأجيال بأن الأمة ذات تراث مَشِين.
ولَعِب المُفَكِّرون دورهم في التركيز على الصراعات، وانطلقوا بصياغة مفاهيم مُؤَدْلَجَة: كالتراث والمُعاصَرَة والدين والتراث وغيرها من الطُّروحات التي تُعادِي الأمة في جوهرها.
وعندما نتأمَّل ما كُتِب عن تراث الأمة سيَتَبَيَّن أن الوجه المشرق للتراث مُغَيَّب ولم يُكتبْ عنه إلا القليل النادر، وبنشاطات فردية لبعض أبنائها الغَيَارَى، أمَّا معظم ما يخُصُّ التراث فيتَعَلَّق بالصراعات الحامِيَة الساعية للإمساك بالكراسي وبِزِمَام السُّلْطَة، وهي علاقات مُتَوَحِّشة غابِيَّة لا فرق بينها وبين أيِّ صِرَاع عند غيرها من الأمم.
ويبقى التراث المعرفي العلمي الثقافي في غَيَاهِب النسيان، ومَرْكُون في رُفُوف المتاحف وخزائنها، وهناك عشرات الآلاف من المخطوطات التي لم يجتهد أبناء الأمة في تحقيقها وإظهارها للوجود، فللأُمَّة دورٌ رائد مُنِير في إطلاق تفاعلات العقل العلمي بأرجاء الدنيا، وعلماء الأمة لهم أثرهم الكبير على أبناء الأمم الأخرى، والنهضة الغربية كانت بإرادة شرقية ووَهَج معرفي علمي انتشر في ربوع أوربا فأخرجها من عصورها المظلمة.
واليوم تَقَعُ على عاتِقِ الأجيال المعاصرة مسؤولية النهوض بالأمة، ونشر تراثها وتسويقه، وترويج مكانتها العلمية والإنسانية، والتركيز على أعلامها الذين أسهموا بالنهضة العلمية في الدنيا، فتُرَاث الأمَّة المعرفي بأنواعه ثَرِي ومذهل ويُصِيبُ الباحث فيه بدهشة لعظيم الأفكار والقدرات العلمية السابقة لعصورها ولما تميَّز به من طَرْح علمي رَصِين يصلح للتعبير في هذا العصر، فعلماء الأمة لم يتركوا بابًا إلَّا وطَرَقُوه، وما وُجِدَت حالةً إلَّا وتفاعلوا معها واستخرجوا منها القوانين والنظريات الكَفِيلة بِحَلِّ تَحَدِّياتها.
وعليه فلكي نكون ونعرف جوهر ذاتنا ومَنْطُوق هَوِيَّتنا علينا أن نتدارس التراث المعرفي للأمة، فهو مَنَارُنا ونورنا الأصيل.؟!
واقرأ أيضاً:
الكراسي والمآسي!! / الأصيل والدخيل / الكلمة والكلمة