الواقع السُلُوكِيِّ البشري لا يُسانِد ما يُسَمَّى "حوار الأديان"، فالأديان وُجِدَت على أن كلًّا منها يرى أنه الدين الأَقْوَم، ولا يُوجَد دين يَعْتَرِفُ بدين آخر غيره، ويَشُذُّ عن ذلك الإسلام الذي يعترف بديانات كِتَابِيًّة أخرى غيره (وهي لا تعترف به).
الأديان تتقاتل ولا تتحاور، وتاريخها يُؤَكِّد ذلك ويَدْعَمُه بحوادث مَرِيرَة وقاسية، بل في الدين الواحد يتقاتل فيما بينهم المُنْتَمُون إليه، فأينما ذُكِرَ الدِّين حَضَر سفك الدماء!.
فهل وجدتم دينًا يعترف بدينٍ غيره؟! وهل يمكنكم أن تأتوا بِمَثَل لعقيدة ما تعترف بغيرها وتتحاور معها؟ هل أن المارْكِسِيَّة تعترف بالرأسمالية وتفتح أبواب الحوار معها؟ هل رأيتم حِزْبًا أَيًّا كانت تسميته ومعتقداته يتحاور مع حزب غيره ويعترف به؟ هل تُحَاوَر الحزب الشيوعي مع الأحزاب القومية بأنواعها؟ أَلَمْ تتقاتل جميع الأحزاب في مجتمعاتنا؟
إن الانتماءات العقائِدِيًّة أيًّا كانت انتماءات عَاطِفِيَّة قَلْبِيَّة ولا علاقة للعقل بها، بل هي تُسَخِّر العقل لتبرير ما هي عليه، فالعقل مَطِيَّتُها وليس مَنَارُها وقائدها... وما دام العقل مُعَطَّلًا ومَأْسُورًا بالانتمائية المُنْفَعِلَة فإن الحوار سَيَسْتَحِيل.
الإيمان بعقيدة ما لا يمكنه أن يكون عقلِيًّا، وإنما قَلْبِيًّا خَالِصًا، وبهذا فإن المُنْتَمِي لا يُمْكِنُه أن يتَزَحْزَح عن انتمائه أو يراه بصورة مُغَايِرَة ويَضَعَهُ تحت مِنْظَار العقل، إنَّه أشبه بالوَهْمِ الرَّاسخ، فهل وَجَدْتُم وَهْمًا قابلًا للنقاش أو التحاور؟ فلماذا هذا الطَرْحُ الخيالي المُنَافِي لبَدِيهِيَّات الأمور وطَبَائِع السلوك البشري؟
علينا أن نترك الدين لأهل الدين، وأن نتفاعل وفقًا لِمِنْظَار إنساني مُشْتَرَك لا علاقة له بأي دين.
فهل أدركنا معنى أن نتحاور؟ أم أن الأَدْيَان تدعُونا إلى مَزِيدٍ من التَّنَاحُر وسَفْكِ الدِّمَاء باسم الدين؟!
واقرأ أيضاً:
الأصيل والدخيل / الكلمة والكلمة / تُرَاث أُمَّتِي