التَّمَتْرُس في الماضي نِقْمَة لأنَّه يَدُلُّ على أن الحاضر فاقِد لِمُقَوِّمات الحياة، وتَنَامَت فيه الشرور والآفات، مِمَّا دَعَى الناس إلى الانْدِحار في ماضيها والرُّكُون إلى المُسَلَّمَات. أيَّ أن الحاضر يُعَطِّل عقلها، ويَنْهَرُ فِكْرَها، ويَعْتَقِلُها في سجون الوَيْلَات والتَّدَاعِيَات. وهذا ما يَسُود المجتمعات التي تَكْتَظُّ وسائل تواصلها بِصِوَرِ الماضي المُتَقَدِّم على حاضرها، وتَضُع مُقارَنَات بينهما.
الماضي أجمل وأَرْوَع وفيه إنجازات، والحاضر مَسْجُونٌ بالاضِّطِرَابات والتَّخْرِيبَات! الماضي مُحْتَرَم والحاضر مُحْتَقَر! الماضي مُعَطَّر بالعِزَّة والكبرياء، والحاضر بالهَوَان الإِذْلال!
تلك حال المجتمعات التي جَنَت على نفسها بإرادتها وبجهود أبنائها. وتَرَاها تَحِنُّ إلى ماضٍ مَحَقَتْهُ، وتَأْنَف من حاضر أَرْسَت دعائم بُؤْسِه.
فَمَن يُصْلِح ما أَفْسَد أهل البلاد؟
إنهم هم المُصْلِحون والمُخَرِّبُون والفاسدون!
فلماذا يتَأَوَّهُون ويَحِنُّون إلى ما حَوَّلُوه إلى رُكَام وأَنِين؟
الشعوب بما فيها تكون، وما حولها مِرْآة ما فيها، ومَسِيرَاتُها تَرْسِمُ خَارِطَة سلوكها الجَمْعِي، وما يَجِيشُ في وَعْيِها وأعماقها يُؤَسِّس لما تكون عليه من الحالات. فالتَّشَبُّث بالماضي الذي أَجْهَزَت عليه كَمُطَاَرَدة السَّرَابِ، فعَلَيْها أن تُرَاجِع نفسها وتُطَهِّر أفكارها من السَّقِيم، وتَسْتَعِين بعقولها المُتَفَاعِلَة، وتؤمن بِوَطَنِها الوِعَاء الذي يَصُون مصالحها، وتعمل بِجِدٍّ واجتهاد لصناعة الحاضر الإنساني القَوِيم.
فتعاونوا على بناء الحاضر، وارْحَمُوا أجيالكم، وأَفْسِحُوا لهم مَجَالًا للحياة الحرة الكريمة.
فهل مِن قُدْرَةٍ على وعي الذات والوطن؟
واقرأ أيضاً:
اللغة والبشر / النَمَطِيَّة الخائِبَة / اللغة وإنتاج الفكر