في مجتمعات الدنيا التي نَصِفُها بما يَحلُو لنا من الأوصاف السلبية، هناك بنوك للطعام مُنتَشِرَة في مُدُنِها لتزويد الفقير بالطعام المجاني طِيلَة أيام السنة. وفي مجتمعاتنا المُتَدَيِّنَة الرحيمة الرؤوفة العَطُوفَة ربما لا يوجد بنك واحد في أي مدينة من مُدُنِنا.
وتَجِدُنا في شهر رمضان نَتَبَجَّح بِسَلَّة الطعام التي نُوَزّعُها على المحتاجين، وكأنَّنا نقوم بِعَمَل بُطُولِي وإنجاز إنساني خارق، وبمنّية على أبناء الوطن المنكوبين بالعَوَز والحاجة. ويتباهى مَن يتباهى، ويتفاخر مَن يتفاخر، بأنَّه قد َوَفَّر الطعام لبعض العوائل التي لا قدرة لديها لإطعام نفسها، ويحسب ذلك واجِبًا دينيًّا قام به للتعبير عن إيمانه وتواصله مع دينه.
وتجد المُعَمَّمِين في وسائل الإعلام ينادون "أنْ هَيَّا تبَرَّعوا لتوفير سلة الطعام في شهر رمضان الكريم للناس الذين سيفرحون بوجبة طعام مجانية”.
والسؤال: ما قيمة سَلَّة الطعام في شهر رمضان، وفقدانها في باقي الأشهر والأيام؟ لماذا لا تُوَفِّر الحكومات ومُنَظَّمات المجتمع المدني المساعدة الدَّائِمَة للمَعُوزِين والمحتاجين؟
هذا السلوك لا علاقة له بِدين، وإنَّما باحترام قيمة الإنسان، فعندما يفقد الإنسان قيمته وكرامته لا تَجِدُ سلوكًا مُهِمًّا لصالحه، وإنَّما تَشِيع الأنانيَّة والفساد والجشع، ويتحَوَّل الدين إلى وسيلة لِقَهر البشر واستعباده وإذلاله وتَجوِيعِه باسم الدين الذي يُتاجِر به المُهَيْمِنُون على رمزِيَّتِه ومعناه. فالمجتمعات الأجنبية تُعلِي من قيمة الإنسان، وتأبى على نفسها أن يجوع فيها إنسان، ولهذا توفر الطعام المجاني له، وتؤسس لبنوك الطعام، وهي مخازن للطعام الصالح للاستهلاك يناله الذي يحتاجه في جميع الأيام.
إنَّه لَمِن المحزن أن ينتبه المسلم إلى موضوع الطعام في شهر رمضان فقط، وينسى المَحرُومِين منه في باقي الأشهر والأيام. إن ما تُقَدِّمُونه في شهر رمضان ربما لن تؤجروا عليه، فلا قيمة إنسانية له لأنَّكم تتَّخِذُونَه وسيلةً للَّتقَرُّب إلى ربِّكم، وليس من أجل المحتاجين إليه دومًا.
فالمطلوب أن يتوفر في كل مدينة بنك للطعام يعرفه المحتاجون وينالون منه ما يريدون مجانًا، وبكرامة واحترام وتقدير. فهل لنا أن نساوي بعض المجتمعات الغير مسلمة بتقديرها لقيمة الإنسان؟
واقرأ أيضاً:
العرب لا مُتَأَخِّرين ولا مُتَخَلِّفين / قطاراتنا وقطاراتهم! / عقول عظيمة وبلاد سقيمة!