المجتمعات البشرِيَّة المُعاصِرَة تُفكِّر بأجيالها القادمة، وتَحسِبُ ألف حسابٍ لكل خطوة تُقدِمُ عليها لأنَّها تُريد أن تُؤمِّن حياةً أفضل لهم، وتُوفِّر الفرص بأنواعها لاستثمار طاقاتهم لِمَا يُحَقِّق تَطَلُّعات تُواكِب الأجيال المُتَوَافِدَة.
وفي مجتمعاتنا تَنتَفِي ثقافة تَراصُف الأجيال والاهتمام بمستقبلهم، ويتسَيّد التَّصارُع والأنانية والانتقام والتَّنافُس ما بين الأجيال، ويا لَيْتَهُ تنافُسًا إيجابيًّا، لكنه عُدواني أليم أثيم. فالأجيال السابقة ربما عاشت في ظروف أفضل من الأجيال اللاحقة، لأنَّ تلك الأجيال لِأَنَانِيّتها ومَحدُودِية رؤيتها لم تُفكِّر بأحوال الأجيال القادمة وما عليها أن تفعله لخدمتهم، بل إنَّها تجتهد في القضاء عليهم ودَفْعِهِم إلى حروب ومعارك عَبَثِيَّة داخلية وخارجية لكي يستَتِبَّ لها الحُكم وتتَمَتَّع باستبدادها وطُغيانها المُشين.
فهل أنَّ الأجيال الحاضرة تتَرَحَّم على الأجيال السابقة؟ وهل أنَّ حياة الأجيال المعاصرة أفضل من الأجيال التي سبَقَتْها؟ أَلَا يَسُود التَّحَسُّر على الماضي والحنين إليه؟
إن العِلَّة المَغفُولَة فيما يجري هي أنَّ الأجيال في مجتمعاتنا لا تُفَكِّر بإسعاد الأجيال القادمة بعدها، وإنَّما تُرِيد الاستئثار بالحياة واستلابها منهم. فلماذا لا يُفَكِّر الوالدان بتَنْشِئة أبناءهم وبناتهم، وتأهيلهم لحياة أفضل من التي عاشوها؟ ولماذا لا يعملون على توفير الظروف التي تُطلِقُ طاقاتهم وتَدفَعُهم نحو مستقبل عزيز كريم؟
لو فعلت كل عائلة على هذا التَّوَجُّه لأصْبَحت مجتمعاتنا قوية، وأجيالنا تتمتع بدورها ومستقبلها، وتُساهِم في بناء الحياة الطيبة.
إن المطلوب هو التفكير بالقادم، وتأهيل رجاله وإعْدَادُهم للتفاعل معه بطاقاتهم وعقولهم الفاعلة، وأن تكون الأجيال مُتكاتِفَة كالبُنيَان المَرصُوص للوصول إلى الأهداف المَنشُودَة. فَعِلَّةُ مجتمعاتنا تتفاقم لأنَّ الأجيال لا تتصارع وحسب، وإنَّما تتَمَاحَقُ ويُبِيدُ بعضها بعضًا، ولهذا تترَاكَمُ التَّدَاعِيَات، وتتَعَقَّد المشكلات، ولا تتواصل الخبرات.
فهل من قدرة على التَّلاحُم ما بين الأجيال؟
واقرأ أيضاً:
سلة الغذاء وبنوك الطعام / مَنْ اكتشَفَنا؟ / المعرفة والتَّحرِيف