وسائل الإعلام لا تنظر للأحداث بمِنظَار مُحايِد ونَزِيه، فلُكُلٍّ منها رؤيته وأجندته المُتَّصِلَة بمصادر التمويل والامتلاك، فوسائل الإعلام الطَّاغية تفتَقِد للموضوعية في بعض الأحيان، وتُسَلِّط مَوَاقفها المعروفة والمَحسُوبَة مُسبقًا على ما يحصل من تطَوُّرات في الدنيا كل يوم، ويمكن معرفة الموقف قبل التصريح به. وما يجري من أحداث مأساوية مُروِّعَة تقترب منها بعين واحدة ولا تريد النَّظر إليها بعينين واسعتين لِتَرَى الصورة بوضوح وجَلَاء.
والسَّائد أن البشر يُمكِن تَقسِيمه إلى أرقام وبشر ذي مقام، وتُنَزع صفة الآدمية من مجموعة ويتَحَقَّق تعظيمها في مجموعة أخرى، فتحشُدُ إرادات الرأي مع البَشَرِ المُفَضَّل إعلامِيًّا ضِدَّ البشر الأرقام الذي لا قيمة له، ويُمحَى دون ردود أفعال وشعور بالإثم وتأنيب الضمير. فالبشر الأرقام لا يستحق الحياة؛ فهو عَدُوُّها ويُرِيد تدميرها لدى الآخر المُعظّم.
والإعلام يُقسِّم البشر إلى ذي قيمة ومُجَرَّد من أي قيمة، وذي القيمة يَمحَقُ المجرد من أي قيمة، وهكذا هي التفاعلات الإعلامية والعمَلِيَّة الجارية فوق التراب. بشر أرقام لا يعني شيئًا إن نام تَحت الرُّكام وتَدَثَّر بالحُطام، ومات بالجُملة والمفرد، فهو مجرد أرقام (مئة، عشرة، أو أكثر أو أقل) لا يعني شيئًا، فالأرقام للطَّرْح والضَّرب والقسمة والجمع والرَّمْي في وِدْيَان اللَّاجدوى.
والعديد من المجتمعات تحوَّل فيها البشر إلى أرقام بلا قيمة ولا معنى ولا دور، وتُساهِم في تجريده من قيمته حكوماته الباغِيَة عليه، والتي تسعَى لِتَحْوِيله إلى أرقام خاوِيَة خائبة لِتَضْمَن بقاءً أطول في الحكم. وهكذا تَجِدُنا أمام مجتمعات الأرقام، ومِنْ حولها مجتمعات تُعطِي قيمة عُليَا للإنسان والحياة، وتُوَفِّر له أسباب أن يكون عزيزًا كريمًا.
تلك حالة الواقع المُعَبَّر عنه إعلامِيًّا ويَومِيًّا في كَينُونات ما أسهل أن تتحَوَّل إلى رُكَام على رؤوس الأرقام!!
واقرأ أيضاً:
المعرفة والتَّحرِيف / الأجيال المُتَرَاصِفَة! / الجهل بالتراث والغُثاث / مَن يقتُل صمتَنَا؟!