لو بَحَثُم فِيمَا نشَرَتْه الصُّحُف والمَوَاقِع على مدى أكثر من عَقْد من الآن، فَلَن تَجِدُوا فيها ما يُشِير إلى الإبداع العلمي، بل يبدو وكأنَّه مُحرَّم وممنوع، فكُل عِلمِي لا يجوز نشره وتسويقه لأنَّه يتعارَض مع الجهل المُقَدَّس الضروري لتأمين حياة القطيع.
لا يوجَد ما يُسَمَّى علمي في كتاباتنا، بل لا تنشره الصحف والمواقع لأن سُوقَه بائِرَة، فالمَجْد للكتابات التي تتعَرَّض للأشخاص، وتستَثِير العواطف، وتُؤَجِّج العدوانية والكراهية والبغضاء بين أبناء الدين والوطن الواحد، لأنها ذات مَقرُئِيَّة ورِبحِيَّة عالية.
وعصرنا السَّاطع المُنِير يَرتَكِز على ثلاثة أعمدة هي البحث العلمي والتفكير العلمي والإبداع العلمي، وفي هذه الميادين تتنافس المجتمعات وتتسابَق وتخترع الجديد الأصيل. ومجتمعاتنا لا تبحث، ولا تفكر، ولا تُبدِعُ علمِيًّا ، ويتحَقَّق دَفعَها إلى هاوِيَة الغابرات وإشغالها بِحَلِّ مشاكل الأجداث وقَطعِها عن حاضرها ومستقبلها، واختصار وجودها بالذي مضى وما انقضى، فصارت أُمَّة تنبُشُ بالتراب وتُعَزِّز تصَوُّراتها الخَاوِية الخالية من نَسغِ الحياة الصَّاعِد.
فهل وجدهم من يُشَجِّع مهارات البحث العلمي والتفكير العلمي والإبداع العلمي؟!
إنَّ القائم في واقعنا عدوان على هذه الأعمدة الثلاثة، وانتفاء للإرادة العلمية؛ لأنَّها تتعارض مع نَوازِع تَمْوِيت العقل، وتحويل البشر إلى روبوتات تتحرك عن بُعْد أو قُرب بواسطة دجَّال مُضَلِّل يُوهِمُها بأنَّها لا تعرف وهو الأَعرَف والأعلم بكل شيء، وهو من أجهل الجاهلين وأَشَدِّهم سُوءً وبهتانًا وعُدوانًا على منابع الخير والحياة.
ترى هل سنتحرَّر من دِثَار العَدَم، ونؤمن بالعقل، ونتفكر ونتدبر ونتعقل ونتمَسَّك بطريق العلم للوصول إلى مرافئ الخَلَاص؟!
واقرأ أيضاً:
الجهل بالتراث والغُثاث / مَن يقتُل صمتَنَا؟! / أرقام بشرية! / الأُمَّة العالِمَة