الأحزاب دِينُها الكرسي، ولا دِينَ لِحِزْبٍ سِوَاه. والقَوْلُ بالأحزاب الدينية ضَحِكٌ على الذُّقُون، فَرَبْطُ الدين بأيِّ حِزْبٍ لا يتَوَافَقُ والواقع. فهَلْ وَجَدْتُم حِزْبًا دِينِيًّا عَبَّر عن الدين الذي يَدَّعِيه وهو في السلطة؟
إنَّ الكُرسِي يُجَرِّدُ الأحزاب من مُحتَوَاها، ويفرض إرادته عليها، ويَمْتَهِنُها ويَسْتَعْبِدُها، ويمنعها من التعبير العَمَلِي عن رُؤاهَا وتَطَلُّعاتِها، ويحكُمُها بإرادة القوة، ويَدْفَعُ بها إلى ميادين الصراع من أجل البقاء في الكرسي.
فلا يُوجَد حِزْب ادَّعَى أنَّهُ دِينِيٌّ وتمَكَّن من تَمْثِيل دِينِه، بل يتَصَرُّف بما يتَعَارَضُ وأَبْسَط معايير وقِيَمِ الدِّين الذي يرفع راياتِهِ ويتَسَمَّى به. ولا يَشُذُّ حِزبٌ في تاريخ البشرية عن هذا السلوك المُتناقِضَ مع ما تَدَّعِيهِ أحزاب الدين؛ لأنَّها تفشل في ابتكار الصِّيَغ العملية للتعبير عن جَوْهَر ما تؤمن به وتراه، وتَتَّخِذُ لها مسارات مُنحَرِفَة تُوهِم نفسها بها وتَجْعَلُها صِراطًا للوَيْلَات والتَّدَاعِيَات والدَّمَار والخراب المُسْتَقِيد. وتَنْفَلت رغباتها وما فيها من العدوانية والشَّرَاسَة الوَحْشِيَّة، فتَفْتِكُ بالعباد والبلاد، وتريد أن تَبْقَى في الكرسي مَهْمَا كان الثَّمَن.
فلماذا تتَحَدَّث عن العلمانية وغيرها من المصطلحات التي تَرَى أنَّهَا تَفْصِلُ الدّينَ عن الدولة، وهي الأحزاب المُغالِيَة التي تُنْكِرُ دينها وتَدِينُ بالكرسي وما يُملِيهِ عليها، فتُجَرِّدُ نظام الحُكْمِ من الدين، وتبدو أَشَدَّ كراهِيَة للدين من أي قوة أو حزب لادِيني؟!.
إنَّها لَمَهْزَلَة سلوكية تتَمَرَّغُ فيها الأجيال وتَنْزِفُ طاقاتها. والمُستَفِيد عَدُوُّها الطَّامِعُ ببلادها.
واقرأ أيضاً:
الانتصار العلمي / الثقافة العِلْمِيَّة / الحزب الصيني وأحزابُنا / الشباب والحركة العلمية